الدراسات الإسلامية فصل أول

التوجيهي أدبي

icon

من أساليب النبي ﷺ  في وعظ أصحابه رضي الله عنهم وتوجيههم نحو القيم الإيجابية، أسلوب القصة، ومن القصص التي حدث بها النبي ﷺ أصحابه قصة أصحاب الغار.

أولا: أحداث القصة

ذكر النبي ﷺ أنه كان ثلاثة رجال من الأمم السابقة يمشون معا، فأصابهم المطر، ما اضطرهم إلى المبيت في غار وجدوه في طريقهم، فانحدرت صخرة من الجبل فأغلقت باب الغار عليهم  فحاولوا تحريكها، بلا فائدة تُذكر.

فأيقنوا بالهلاك إذا لم ينجهم الله تعالى، فأشار أحدهم إلى أن يلجؤوا إلى الله تعالى، ويتوسلوا إليه بأصدق أعمالهم وأكثرها إخلاصا الله عز وجل الله ، فقام ..

الرجل الأول: وتوسل إلى الله تعالى ببره بوالديه الكبيرين.

إذ لم يكن يقدم عليهما أهلا ولا مالا، وكان يخدمهما بنفسه، وتأخر عليهما يوما لظرف طارئ، فلما رجع ليسقيهما لبن الغنم  وجدهما نائمين، فبقي واقفا ولم يوقظهما، حتى بزغ الفجر واستيقظا فسقاهما، ثم سقى أبناءه.

  • فدعا الله تعالى بأنه إن كان فعل ذلك خالصا لوجهه الكريم أن يفرج عنهم، وفعلا انزاحت  الصخرة قليلا عن باب الغار لكن من غير أن يتمكنوا من الخروج .

 

وقام الرجل الثاني:  وتوسل إلى الله تعالى بعفته.

 حيث كان يحب ابنة عم له، فجاءته يوما ترجو مساعدته لما ألمّ بها من فقر شديد، فقبل مساعدتها وإعطاءها مبلغا من المال مقابل أن تمكنه من نفسها، فذكرته بالله تعالى، فتركها، وترك لها المال.

  •  فدعا الله بأنه إن كان فعل ذلك خالصا لوجهه  الكريم أن يفرج عنهم، وفعلا انزاحت الصخرة قليلا لكن من غير أن يتمكنوا من الخروج.

 

وقام الرجل الثالث:  وتوسل إلى الله تعالى بأمانته.

 حيث استأجر عمالا، فأعطاهم أجرهم ما عدا واحدا منهم، لأنه ذهب قبل أن يأخذ أجره، فقام هذا الرجل باستثمار تلك الأجرة حتى صارت مالا  كثيرا، فجاءه ذلك الأجير يطلب أجرته، وهو لا يعلم أن الذي استأجره قد استثمر ماله، فأعطاه أجرته وكل ما درته من إبل وبقر وغنم، فأخذه كله ولم يبق منه شيئا.

  •  فدعا الله بأنه إن كان فعل ذلك خالصا لوجهه الكريم أن يفرج عنهم، وفعلا انزاحت الصخرة قليلًا، فتمكنوا من الخروج.

 

نلاحظ من أحداث قصة الثلاثة عدة فوائد:

  1. أن الإنسان يلجأ إلى الله تعالى في الشدة بالدعاء والتوسل إليه تعالى بالعمل الصالح كما فعل أصحاب الغار.
  2. وأن الله تعالى يستجيب لعباده إذا توجهوا إليه بنية صادقة وعمل صالح.
  3. فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثار هما عمن سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم.
  4. وفضل العفاف والرجوع عن المحرمات بعد القدرة عيها.
  5. وفضل حسن العهد وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة.

 

ثانيا: الدروس والعبر المستفادة من القصة

نستنتج من قصة أصحاب الغار جملة من الدروس والعبر، أهمها ما يأتي :

1- وجوب الإخلاص لله تعالى في كل الأعمال

يقصد المسلم من أقواله أو أفعاله رضا الله تعالى، لأنه سبيل إلى تفريج الكروب في الدنيا.

قال الله تعالى: {وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ}.

 

2- التوسل إلى الله تعالى والتقرب إليه بالأعمال الصالحة أمر مشروع

فقد تقرب كل من الرجال الثلاثة بعمل من الأعمال الصالحة التي قام بها، ودعا الله تعالى دعاء المضطر، ففرج الله عنهم كربتهم.

قال الله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.

 

3- يعلي الله تعالى الإنسان ويمتحنه أيشكر أم يكفر

فوقوع المصائب على الإنسان لا يعني أن الله تعالى يبغضه، أو أنه سبحانه قد تخلى عنه، بل هو ابتلاء يجب عليه أن يأخذ بأسباب الخروج منه، مع التوكل على الله تعالى واللجوء إليه بالدعاء.

 

4- معاملة الوالدين معاملة حسنة من أبواب تفريج الكربات

قال الله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا

ويقول النبي ﷺ: « رَغِمَ أنْفُ، ثم رَغِمَ أنْفُ، ثم رَغِمَ أنْفُ  قيل : من يا رسول الله ؟ قال :من أدرك أبويه عند الكِبر، أحدهما أو كِليهما فلم يدخل الجنة».

 

5- العفة عن الفاحشة من أسباب الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة

ضبط النفس عن الانسياق وراء شهواتها، له أثر في حفظ المجتمع وصيانته من مظاهر الفساد. وقد ذكر النبي ﷺ أن الذي يحفظ نفسه من ارتكاب الفاحشة مع من يظلهم الله تعالى بظله يوم القيامة.

قال ﷺ " وَرَجُلٌ طلبتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ".

وفي قصة يوسف عليه السلام أنموذج لعفة الرجل الصالح عندما راودته امرأة العزيز عن نفسه فامتنع مخافة الله تعالى.

وكذلك فعلت الفتاة مع ابن عمها في قصة أصحاب الغار، إذ ذكرته بالله تعالى، فكف عن فعل الحرام مخافة الله تعالى.

 

6- إعطاء الناس حقوقهم المادية والمعنوية

 الحرص على أداء الأمانة لأصحابها، وحفظ حقوقهم المادية والمعنوية سبب في تحصيل الأجر العظيم عند الله تعالى، وهذا ما قام به الرجل الثالث في القصة بأن حفظ حقوق العامل، وقام على تنمية أجرته بالطرق المشروعة.

 

7- ثقة الإنسان ويقينه بأن الله تعالى يستجيب له إذا دعاه

قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه: "أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " .