التاريخ فصل ثاني

العاشر

icon

              

 عانَتْ مصرُ الفوضى والاضطراباتِ بعدَ جلاءِ الفرنسيينَ عنها؛ بسببِ الصراعِ على السلطةِ الذي استمرَّ أربعَ سنواتٍ تقريبًا، واغتنمَ محمد عليّ باشا هذهِ الظروفَ واستطاعَ كسبَ أعيانِ مصرَ وعلماءِ الأزهرِ إلى جانبِهِ، فطلبوا إلى البابِ العالي تعيينَهُ واليًا على مصرَ خَلَفًا لقائدِ الحَملةِ العثمانيةِ خورشيد باشا.

استأثرَ محمد عليّ باشا بالسلطةِ في مصرَ، وسعى إلى التخلّصِ من المماليكِ الذينَ اعتادوا احتكارَ السلطةِ والثروةِ فيها، فدعاهُمْ إلى حفلٍ تكريميٍّ في قلعةِ القاهرةِ عامَ 1811م؛ لتوديعِ الحَملةِ المصريةِ المُعَدَّةِ للقضاءِ على الحركةِ الوهابيةِ في شِبْهِ الجزيرةِ العربيةِ، وأجهزَ عليهِمْ جميعًا، وبذلكَ استفردَ بالسلطةِ.

بناءُ الدولةِ المصريةِ الحديثةِ

  بعدَ أنْ تولّى محمد عليّ باشا حكمَ مصرَ عامَ 1805م، سعى إلى بناءِ دولةٍ حديثةٍ، وأقدمَ على الإجراءاتِ والإصلاحاتِ الآتيةِ:

1 – في الإدارةِ

نظم محمد علي باشا إدارة مصر؛ بهدفِ إحكامِ سيطرتِهِ على البلادِ، عن طريقِ:

أ- إنشاءِ حكومةٍ مركزيةٍ مقرُّها القلعةُ تُصْدِرُ الأوامرَ للنظامِ الإداريِّ.

ب- تقسيمِ البلادِ إلى سبعِ مديرياتٍ، وكلُّ مديريةٍ إلى مراكزَ، وكلُّ مركزٍ إلى أقسامٍ تضمُّ عدّةَ قُرًى.

ج- إنشاءِ مجالسَ ودواوينَ تُعاوِنُهُ على إدارةِ شؤونِ الحكمِ

 

 

2- في الاقتصادِ:

ركّزَ محمد عليّ باشا في سياستِهِ الاقتصاديةِ على الاكتفاءِ الذاتيِّ وعدمِ الاستيرادِ من الخارجِ، وعلى بناءِ الصناعاتِ الحديثةِ، وعلى أن تكونَ صادراتُ مصرَ أكثرَ من وارداتِها، فحدّدَتِ الدولةُ أنواعَ الغِلالِ والصناعاتِ وسعرَ البيعِ والشراءِ للمنتوجاتِ المصريةِ؛ لتمكينِها من المنافسةِ في أسواقِ التجارةِ الدَّوْلِيَّةِ.

 

*إنجازاتِ محمد عليّ باشا في المجالاتِ الاقتصاديةِ، ما يأتي:

 

 

الزراعةُ

 

  • - توزيعُ الأراضي على كبارِ رجالِ الدولةِ.
  • - إدخالُ أساليبِ الزراعةِ الحديثةِ والرِّيِّ، وإنشاءُ القنواتِ والتِّرَعِ والجسورِ والقناطرِ، باستقدامِ الخبراءِ الفرنسيينَ في هذا المجالِ.
  • - إدخالُ أنواعٍ جديدةٍ من المزروعاتِ، مثلِ: القطنِ ذي التيلةِ الطويلةِ، وأشجارِ التوتِ لتربيةِ دودةِ القَزِّ، وقَصَبِ السّكّرِ، والنخيلِ.

الصناعةُ

 

- إقامةُ مصانعِ الغَزْلِ والنسيجِ والورقِ والحريرِ والسّكّرِ.

- الاهتمامُ بترجمةِ الكتبِ الحديثةِ الخاصةِ بالصناعةِ.

- إنشاءُ مصانعَ عسكريةٍ عديدةٍ؛ بهدفِ سَدِّ حاجاتِ الجيشِ المصريِّ من الأسلحةِ والملابسِ.

- استقدامُ الخبراءِ الأوروبيينَ إلى مصرَ.

- إرسالُ البعثاتِ العلميةِ المصريةِ إلى أوروبا.

التجارةُ

 

  • - ازدهارُ التجارةِ الداخليةِ والخارجيةِ نتيجةً لازدهارِ الزراعةِ والصناعةِ.
  • - شراءُ المحاصيلِ والمنتوجاتِ الزراعيةِ والصناعيةِ، وتسويقُها لدُوَلِ أوروبا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

3- في التعليمِ والثقافةِ

  اهتمَّ محمد عليّ باشا بالتعليمِ والثقافةِ؛ لحاجتِهِ إلى الموظفينَ المختصّينَ للعملِ في المصانعِ، والوظائفِ، والجيشِ، والأسطولِ، عن طريقِ:

  • إنشاءِ المدارسِ الحديثةِ وكلّيّاتِ الطبِّ والهندسةِ والزراعةِ.  
  • تأسيسِ دارِ الألْسُنِ عامَ 1835م؛ لتعليمِ اللغاتِ الحديثةِ والترجمةِ إلى اللغةِ العربيةِ.       

- إرسالِ البعثاتِ العلميةِ المصريةِ إلى أوروبا، ولا سيّما فرنسا وإيطاليا

  • الاستعانةِ بالمدرّسينَ الأجانبِ؛ للتعليمِ في المدارسِ، والإسهامِ في حركةِ الترجمةِ إلى اللغةِ العربيةِ. 
  • إنشاءِ المطبعةِ الأميريةِ في بولاقَ؛ لطباعةِ الكتبِ الأدبيةِ والمدرسيةِ، وإصدارِ الصُّحُفِ، فصدرَتْ أولُ صحيفةٍ رسميةٍ في مصرَ (صحيفةُ الوقائعِ المصريةِ) عامَ 1828م.

 

 

 

  1. – في الجيشِ والأسطولِ:

 أدركَ محمد عليّ باشا أنَّ نجاحَ مشروعاتِهِ الداخليةِ والخارجيةِ ترتبطُ بالجيشِ والأسطولِ؛ لذا بدأَ في بناءِ قوّةٍ عسكريةٍ على الطرازِ الأوروبيِّ الحديثِ، فعملَ على:

 

 

 

 

- في النقلِ والمواصلاتِ:

  اهتمَّ محمد عليّ باشا بالنقلِ؛ نظرًا لموقعِ مصرَ الذي يربطُ بينَ قارّاتِ العالمِ القديمِ، ووقوعِها على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ومرورِ نهرِ النيلِ وفروعِهِ في وسطها، وذلك بِـ:                         

  - تمهيدِ الطرقِ البرّيّةِ والبحريةِ، والاهتمامِ بالموانئِ الصغيرةِ.                  

    - بناءِ أساطيلَ في البحرِ الأبيضِ المتوسطِ والبحرِ الأحمرِ.

    -  توطيدِ الأمنِ في السواحلِ المصريةِ على البحرِ الأبيضِ المتوسطِ والبحرِ الأحمرِ.

 

- في العمارةِ:

أولى محمد عليّ باشا اهتمامًا بالعمارةِ، فطوّرَ المدنَ والقُرى المصريةَ، وبنى قصرَ الجوهرةِ في القلعةِ ومسجدًا باسمِهِ فيها.   

 

 حَملاتُ محمد عليّ باشا وحروبُهُ

سعى محمد عليّ باشا إلى توسيعِ نفوذِهِ والانفصالِ عن الدولةِ العثمانيةِ والاستقلالِ بمصرَ؛ لذا خاضَ حروبًا عدّةً، من أشهرِها:

  1.  الحروبُ في شِبْهِ الجزيرةِ العربيةِ (1811م-1819م):

انتهَتْ هذهِ الحروبُ بانتصارِ محمد عليّ باشا، والقضاءِ على الدولةِ السعوديةِ الأولى.

  1.  الحروبُ في السودانِ (1820م-1822م):

 توسّعَ محمد عليّ باشا جنوبًا، فغَزا السودانَ وسيطرَ عليها، وأنشأَ مدينةَ الخرطومِ، وبلغَتْ قوّاتُهُ في تقدُّمها منابعَ النيلِ في أفريقيا.

  1.  الحروبُ في اليونانِ (1822م-1828م):

استعانَ السلطانُ العثمانيُّ بمحمد عليّ باشا في حربِهِ على اليونانِ، فأرسلَ أسطولًا مصريًّا كبيرًا شاركَ في معركةِ نفارينَ البحريةِ التي دمّرَ فيها اليونانيونَ وحلفاؤُهُمُ الأوروبيون الأسطولينِ: العثمانيَّ، والمصريَّ، سنةَ 1827م.

  1. الحَملةُ العسكريةُ على بلادِ الشامِ (1831م-1839م):

اغتنمَ محمد عليّ باشا ضعفَ الدولةِ العثمانيةِ في أعقابِ هزيمتِها في اليونانِ، وقرّرَ احتلالَ بلادِ الشامِ وضمَّها إلى ممتلكاتِهِ في مصرَ والسودانِ، فأعدَّ حَملةً عسكريةً بقيادةِ ابنِهِ الأكبرِ إبراهيم باشا الذي احتلَّ بلادَ الشامِ سنةَ 1831م

 

  التدخّلُ الأوروبيُّ ونهايةُ محمد عليّ باشا

  بعدَ انتصاراتِ محمد عليّ باشا وتوسّعِ نفوذِهِ، أدركَتِ الدُّوَلُ الأوروبيةُ الاستعماريةُ لا سيّما بريطانيا وفرنسا خطورةَ ذلكَ على مصالحِهِما؛ كونَهُ أصبحَ يمثّلُ خطرًا على التوازنِ الدَّوْلِيِّ، وأنَّ ذلكَ يتعارضُ معَ أطماعِهِما، فدخَلَتا في مفاوضاتٍ مَعَ السلطانِ العثمانيِّ سليمِ الثالثِ؛ لفرضِ ما تَرَياهُ مناسبًا من شروطٍ على محمد عليّ باشا، وانتهَتْ هذهِ المفاوضاتُ بعقدِ معاهدةِ لندنَ عامَ 1840م. ومن أهمِّ بنودِها:

   أ- إعادةُ بلادِ الشامِ وشِبْهِ الجزيرةِ العربيةِ للسلطانِ العثمانيِّ.

   ب- تثبيتُ محمد عليّ باشا على حكمِ مصرَ، وتبعيّتُهُ للسلطانِ العثمانيِّ.

 

بالمقابلِ أصدرَ السلطانُ العثمانيُّ فرماناً عامَ 1841م ينصُّ على ولايةِ محمد عليّ باشا على مصرَ والسودانِ.