التربية الإسلامية فصل أول

الحادي عشر خطة جديدة

icon

التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ

مصادر الأحكام الشرعية مُتعدِّدة، منها أربعة مصادر مُتَّفَق عليها، هي:

- القرآن الكريم.

- السُّنَّة النبوية.

- الإجماع.

- القياس.

وتوجد مصادر تشريعية أُخرى اعتمد عليها كثير من العلماء في استنباط الأحكام الشرعية مثل العُرف.

الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ

العُرف  أحد المصادر التي يُعتمَد عليها في معرفة الأحكام التشريعية، وقد أخذ به الفقهاء في بعض الأحكام الشرعية.

أولًَا: مفهوم العُرف وأهميته في التشريع الإسلامي

العُرف: هو كلُّ ما شاع بين الناس، وتقبَّلوه من أقوال وأفعال وتصرُّفات لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها.
وقد أقرَّ الإسلام الناس على ما كان عندهم من عادات وأعراف وأخلاق حَسَنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَِّمَا بُعِثْتُ لِأُتمَِّمَ مَكَارِمَ الْأخْلَاقِ»؛ فقد كان العرب في الجاهلية يجمعون الدِّيَةَ، ثمَّ يعطونها أهل المقتول في حالة القتل الخطأ، ولمّا جاء الإسلام، أقرَّ الناس على ذلك. قال تعالى: ﴿وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا ومن قتل مؤمنًا خطئًا فتحرير رقبة مؤمنة ودِيَة مُسلَّمة إلى أهله إلا أن يصدقوا﴾.

العادة: ما تكرَّر من أفعال وأقوال بين الناس.

والعادة والعُرف يُستعمَلان بمعنى واحد عند الفقهاء.

كذلك تعارف أهل المدينة المُنوَّرة قبل الإسلام على بيع السَّلَف؛ إذ كانوا يبيعون ثمار النخيل، ويقبضون ثمنها؛ على أنْ تُسلَّم الثمار في وقت مُؤجَّل مُعيَّن، وقد أقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وحدَّد لهم شروطه التي تتوافق مع أحكام الإسلام؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيءٍ فَلْيُسْلفِْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلِى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».
وتتمثَّل
أهمية العُرف في التشريع الإسلامي في أنَّه:

- يُسهِّل على الناس حياتهم لاعتيادهم عليه.

- يرفع عنهم الحَرَج والمَشقَّة.

- يُحقِّق مصالحهم الدنيوية في بيوعهم وزواجهم وعلاقاتهم المُتعدِّدة. 

ثانيًا: حُجِّية العُرف في التشريع الإسلامي

ثَبَتَتْ حُجِّية العُرف في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المُشرَّفة. ومن ذلك:
أ . قول الله تعالى: ﴿وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف﴾؛ فالمرجع في مقدار ما يجب من نفقة على الأب لأولاده وزوجته هو العُرف.
ب. قول الله تعالى: ﴿فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم﴾، والعُرف هو المُحدِّد لمقدار أوسط ما يُطعَم الناس، أو يُلبِسهم في تقدير كَفّارة الحَنثْ باليمين
(الحَنثْ باليمين:عدم الوفاء باليمين).
ج. قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما رآهُ الْمُسْلِمونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ»؛ فالأمر المُتعارَف عليه تعارُفًا حَسَنًا بين المسلمين يُعَدُّ من الأمور التي يُقِرُّها الإسلام؛ لأنَّ مجموع المسلمين لا يتعارفون إلّا على ما كان حَسَنًا.


ثالثًا: ضوابط العمل بالعُرف 

بيَّن العلماء مجموعة من الضوابط التي يجب تحقُّقها في العُرف حتى يُعمَل به، وعن طريقها يُمكِن تمييز العُرف الصحيح من العُرف الفاسد. وهذه أهمُّها:
أ . أنْ يكون العُرف غالبًا وشائعًا بين الناس، بحيث يكون جزءًا معتادًا من حياتهم اليومية. ومن الأمثلة على ذلك:

تعارُف الناس في بعض البلدان على جعل المَهْر على جزأين: مُعجَّلٍ يُقبَض عند كتابة العَقْد، ومُؤجَّلٍ يُقبَض بعد الزفاف.

ب. ألّا يُخالفِ العُرف نصًّا شرعيًّا؛ لأنَّ مخالفةَ العُرفِ النصَّ الشرعيَّ تُبطِل العملَ به، ويصبح العُرف فاسدًا؛ فالمرجع أوَّلًا إلى النصِّ، ثمَّ يلجأ الناس إلى العُرف إذا لم يوجد نصٌّ شرعي في المسألة. ومثاله:

تعارُف بعض الناس على عادة الثأر من أهل القاتل؛ بأنْ يقتلوا غير القاتل. فهذا عُرف لا يجوز العمل به؛ لمخالفته قوله تعالى:﴿ولا تزرُ وازرةٌ وزر أُخرى﴾.

أَتَأَمَّلُ وَأُصَنِّفُ

أَتَأَمَّلُ الأعراف الآتية، ثمَّ أُصَنِّفُها إلى عُرف صحيح وعُرف فاسد:

صور مشرقة

اتفق أهل مكَّة المُكرَّمة قبل الإسلام على إنصاف المظلوم، ونشر العدل، وعقدوا من أجل ذلك حلف الفُضول، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألّا يجدوا بمكَّة مظلومًا إلّا نصروه، وكانوا على مَنْ ظَلَمَهُ حتى تُرَدَّ عليه مَظْلمته، وقد رضي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحلف؛ لأنهَّ يتفق مع تعاليم الإسلام في الدعوة إلى التعاون على إقامة العدل ونصرة المظلوم. قال صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ عُمومَتي حِلْفًا في دارِ عَبْدِ الله بْنِ جَدْعانَ، وَلَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ».

الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ

صاغ العلماء عددًا من القواعد الفقهية المُستنبَطة من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، مثل:
قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، وقاعدة (المشَقَّة تجلب التيسير). وهذه القواعد يُرجَع إليها في استنباط الأحكام الشرعية الفقهية، وبعض هذه القواعد الفقهية تستند إلى العُرف. ومن القواعد الفقهية المُستندِة إلى العُرف:
أ . العادة مُحكَّمة: يُقصَد بذلك أنَّ ما اعتاده الناس من أقوال وأفعال فيما بينهم يُعَدُّ دليلًا على حُكْم مسألة ما إذا لم يوجد نصٌّ صريح من القرآن الكريم، أو السُّنَّة النبوية المُطهَّرة بخلافها.

ومن الأمثلة على ذلك:

أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل المثِْقال أداة تقدير الأشياء التي توزَن وزنًا، وهي الأداة التي تعارف عليها أهل مكَّة لأنَّم أهل تجارة، وجعل المُدَّ والصاع أداة تقدير ما يُقدَّر بالكيل، وهي الأداة التي تعارف عليها أهل المدينة المُنوَّرة؛ لأنَّهم أهل زراعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْوَزْنُ: وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيالُ: مِكْيالُ أَهْلِ الْمَدينَةِ».


ب. المعروف عُرفًا كالمشروط شَرْطًا: يُقصَد بذلك أنَّ ما تعارف عليه الناس في تعاملاتهم يقوم مقام الشَّرط، وإنْ لم يُذكَر صريحًا، ما دام العُرف صحيحًا، ولا يتعارض مع النصوص الشرعية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُسْلمِونَ عَلى شُروطِهمِْ»، ومثاله:

أنَّ البيع إذا تمَّ بين طرفين بعُمْلة الدينار، فإنَّ العُرف يقضي بأنَّ الدينار المقصود هو دينار البلد الذي بيع به، لا دينار بلد آخر. وفي حال كان البيع في الأردن، وذُكِر الثمن بالدينار من دون تحديد أيِّ دينار، فإنَّ الذهن ينصرف إلى الدينار الأردني. وإذا كان البيع في العراق، انصرف الذهن إلى الدينار العراقي.

المثقال: قطعة من الذهب تزن (4.25) غرام. 
المُدُّ: هو ما يعُادلِ حَفْنة بيد الرجل المعُتدِل، ويساوي (600) غرام تقريبًا. 
الصاع: هو ما يُعادِل (4) حُفَن بيد الرجل المُعتدِل، ويساوي (2.5) كيلوغرام تقريبًا.