خضع الأردنّ للحكم الروماني بعد احتلال القائد الروماني (بومبي) بلاد الشام في عام (64 ق. م) باستثناء دولة الأنباط التي احتفظت باستقلالها الذاتي مقابل دفع إتاوة سنوية لروما.
وقد عمل (بومبي) على إعادة تنظيم المدن الأردنية، وأعطاها نوعًا من الحكم الذاتي، ووضع أُسس حلف (الديكابوليس)؛ حلف المدن العشر، وهو حلف تجاري عسكري لاستمرار التجارة بين هذه المدن وصدّ هجمات القبائل البدوية عنها.
تركّزت المدن العشر في المنطقة الممتدّة من دمشق شمالًا إلى عمّان جنوبًا للسيطرة على الطريق التجاري بين بلاد الشام والجزيرة العربية، ومن هذه المدن في الأردن: فيلادلفيا (عمّان) وجراسا (جرش) وكابتولياس (بيت راس) وأبيلا (قويلبة) وجدارا (أم قيس) وبيلا (طبقة فحل).
غُيّر اسم مدينة ربّة عمون إلى فيلادلفيا تكريمًا للإمبراطور الروماني بطلميوس الثاني فيلادلفيوس، وبعد الفتح العربي الإسلامي استعادت اسمها القديم ربّة عمون، ثمّ عمّان حاليًّا.
مظاهر الحضارة الرومانية في الأردن
كان الموقع المتوسّط للأردن ومناخه المعتدل ووفرة الأراضي الزراعية فيه، من أسباب تنوّع مظاهر الحضارة الرومانية فيه، ومن هذه المظاهر:
أوّلًا: نظام الحكم
تمتّعت مدن (الديكابوليس) باستقلال سياسي تحت الحماية الرومانية؛ إذ كان لكلّ مدينة حاكمها الخاصّ بها يساعده مجلس لإدارة شؤونها، وتُرك لهذه المدن حرّية عقد الاتفاقيات التجارية في ما بينها وسكّ النقود، وكانت تؤدّي ما عليها من ضرائب للحاكم الروماني.
ثانيًا: الديانة
انتشرت الديانة الرومانية الوثنية في مدن (الديكابوليس)، ومن أشهر الآلهة التي عبدوها: جوبيتر ويانوس ومارس، واستمرت هذه الديانة حتى انتشرت الديانة المسيحية في المنطقة عندما اعترف بها الإمبراطور قسطنطين، وسمح باعتناقها وممارسة شعائرها.
ثالثًا: اللغة والثقافة
استُخدمت اللغة اللاتينية في الكتابة والمعاملات الرسمية إلى جانب اللغتين الآرامية والنبطية، اللتين كانتا أساس الاتّصال بين الناس في تلك الحقبة، وأصبحت مدن الديكابوليس وعلى رأسها جدارا مركزًا للثقافة والفنّ ومعهدًا للحقوق، وبرز فيها العديد من الفلاسفة والأدباء منهم: الشاعر (ميلياغروس) الجِدَاري (نسبة إلى جدارا) والكاتب (يونوماوس) والشاعر (أريبوس).
رابعًا: العمارة
شهدت الفترة الرومانية في الأردنّ ازدهارًا عمرانيًّا، وبخاصّة في جرش وعمان وأم قيس، حيث المدرّجات والأسواق والشوارع المبلّطة والمعابد والحمامات؛ ما يدلّ دلالة واضحة على أنّ هذه المدن كانت مزدهرة وعلى درجة كبيرة من الثراء.
خامسًا: الزراعة
أحاطت بالمدن الأردنية في الفترة الرومانية مِساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي استُثمرت في إنتاج الغذاء، فزُرعت المحاصيل المختلفة والأشجار المثمرة كالعنب والزيتون، كما أهتمّ الرومان ببناء الجدران الاستنادية لحماية التربة من الانجراف، وبناء القنوات وحفر الآبار والأنفاق؛ لتوفير المياه لمدنهم ومزروعاتهم.
سابعًا: الصناعة
تطوّرت الصناعة في الفترة الرومانية، وذلك لوفرة خامات الحديد والنحاس والقصدير والفضّة والذهب، فظهرت صناعة الأدوات والأواني والحليّ والأسلحة وسكّ النقود.
ثامنًا: التجارة
ازدهرت التجارة في الأردنّ في الفترة الرومانية؛ بسبب اهتمام الرومان بها، فربطوا مدن (الديكابوليس) بشبكة من الطرق التجارية ووفّروا لها الحماية، وربطوها بموانئ البحر المتوسّط الشرقية.
الحقبة البيزنطية في الأردنّ (395م - 636م)
قسّم الإمبراطور (ثيودوسيوس) الامبراطورية الرومانية بين ولديه (هونريوس) الذي حكم الجزء الغربي (الإمبراطورية الرومانية الغربية وعاصمتها روما) والتي سقطت على يد القوط الغربيين في عام (476م)، أمّا الجزء الشرقي من الإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها بيزنطة (القسطنطينية - إسطنبول حاليًّا) فقد حكمه ابنه (أركاديوس).
خضع الأردنّ للدولة البيزنطية بوصفه تابعًا لها، واستمرّت الأوضاع في الأردنّ كما كانت في الفترة الرومانية، واعتنق سكانه الديانة المسيحية، وانتشرت الكنائس والأديرة في مدنه وقراه.
ظهر نوعان من الكنائس في هذه الحقبة: النوع الأوّل يُسمّى الكنائس ذات التخطيط البازليكي، وهو نظام معماري يمتدّ من الشرق إلى الغرب، ويتكوّن من صفّين أو أربعة من الأعمدة يتشكّل منها جناحان أو أربعة، يتوسّطها الصحن، ومن أمثلتها: كنيسة القديس (جورجيوس) في رحاب (المفرق)، وكنائس أم الرصاص ومأدبا، التي تتميّز بأرضياتها الفسيفسائية. أمّا النوع الثاني فيُسمى الكنائس ذات التخطيط المركزي، ويتميّز بتغطية الفراغ المركزي (الصحن) بقبّة، ومن أمثلتها: كنيسة (يوحنّا المعمدان) في جرش، وكنائس أم قيس.
موقع المغطس
يُعدّ موقع المغطس شاهدًا على هذه الحقبة التاريخية، وهو المكان الذي عُمّد فيه السيد المسيح عليه السلام، ويقع في وادي الخرّار شمال البحر الميت، ويُعدّ مَعلمًا تاريخيًّا دينيًّا، ومن مواقع الحج المسيحي، ويزوره آلاف الزوار من أنحاء العالم.
موقع أهل الكهف
أثبتت الدراسات الأثرية والتاريخية أنّ الكهف الموجود في الرقيم جنوب شرق عمان الوارد ذكره في سورة الكهف في القرآن الكريم، يعود إلى عهد الإمبراطور الروماني ديكيوس (ديقيانوس) الذي اضطهد المسيحيّين وأجبرهم على اللجوء إلى الكهف هربًا من الاضطهاد الذي مورِس بحقّهم بوصفهم فئة مؤمنة.