التربية الإسلامية فصل ثاني

المواد المشتركة توجيهي

icon

التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ

      من حكمة الله تعالى أنَّه لم يخلق البشر عبثًا. قال تعالى:(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون)(المؤمنون: ١١٥)، وإنَّما جعل لهم هدفًا ومهمةً ساميةً في الحياة، وأرسل إليهم الرُّسُل والأنبياء، وأنزل عليهم الكتب والشرائع، إلى أنْ ختم الله تعالى الرُّسُل والأنبياء بسيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وختم الكتب والشرائع بالقرآن العظيم وشريعة الإسلام. وكلُّ حُكْم شرعي في كتاب الله تعالى وفي سُنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إنَّما جاء لحكمة وغاية، تتمثَّل في جلب مصلحة أو دفع مفسدة، وصولًا إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. قال تعالى:(آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)  (إبراهيم: ١).

الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ

تُعرَّف مقاصد الشريعة بأنَّها الغايات الكبرى التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها بما ينفع الناس في الدنيا والآخرة.

وهذه الغايات والمقاصد التي جاءت الشريعة لحفظها هي:

أوَّلًا: حفظ الدين

 يقع مقصد حفظ الدين في مُقدِّمة المصالح التي يجب المحافظة عليها، وتنبع أهمية هذا المقصد من أنَّه:

  1. يفي بحاجة الإنسان الفطرية التي تدفعه إلى عبادة الله تعالى. قال تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(الذاريات: ٥٦).
  2. يُمثِّل النظام العام الذي تستقيم به حياة الإنسان، فتتحقَّق به سعادته في الدنيا، ونجاته في الآخرة.
  3. يُقوّي في نفس الإنسان الجانب الأخلاقي، ومعاني الخير والفضيلة، فيسود بذلك الأمن والاستقرار في المجتمعات.

شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ الدين. وهذه أبرزها:

  • وجوب التصديق بأركان الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سُئلِ عن الإيمان: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ » (رواه البخاري ومسلم).
  •  وجوب التزام أركان الإسلام، بأداء العبادات المختلفة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بُنِيَ الْإِسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إِلّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ الله، وَإِقامِ الصَّلاةِ، وَإيتاءِ الزَّكاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضانَ" (رواه البخاري ومسلم).
  • الجهاد دفاعًا عن الدين، ورَدًّا للعدوان عليه. قال تعالى:(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)  (البقرة: ١٩٠).
  •  تحريم البدع والخرافات التي تُؤثِّر في عقائد الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" (رواه البخاري ومسلم).
  •  الدعوة إلى دين الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة. قال تعالى:(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)  (النحل: ١٢٥).
  •  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكروأولئك هم المفلحون) (آل عمران: ١٠٤).

ثانيًا: حفظ النفس

حَثَّ الإسلام على حفظ النفس الإنسانية، ومنع الاعتداء عليها بغير وجه حقٍّ، وجعل قتل نفس واحدة ظلمًا كقتل الناس جميعًا. قال تعالى:(من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا) (المائدة: ٣٢).

شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ النفس وحمايتها. وهذه أبرزها:

  • دعوة الإنسان إلى المحافظة على حياته، بأنْ يتناول الطعام الصحي النافع، ويمارس الرياضة المفيدة، ويحرص على التداوي وإجراء الفحوص الدورية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدّاءَ وَالدَّواءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دَواءً، فَتَداوَوْا، وَلا تَداوَوْا بِحَرامٍ » (رواه أبو داود). وكذلك نهي الإنسان عن إيذاء النفس الإنسانية أو الاعتداء عليها بأيِّ صورة من الصور.
  •  تشريع العقوبات التي تمنع الناس من اعتداء بعضهم على بعض، مثل عقوبة القصاص؛ فالقاتل عمدًا يُقتَل، حفظًا لحياة بقية الناس، وحمايةً لأمن المجتمع واستقراره، ومنع الآخرين من الإقدام على هذه الجرائم. قال تعالى:(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (البقرة: ١٧٩).

ثالثًا: حفظ العقل

     كرَّم الله تعالى الإنسان بالعقل الذي يُميِّزه عن بقية المخلوقات. ويُعَدُّ العقل أداة التفكير للبناء والتخطيط لإعمار الكون، واستثمار ما فيه من خيرات ونِعَم إلهية. ولهذا أكَّد الإسلام أهمية المحافظة على العقل، وجعل تكليف الإنسان بالأحكام الشرعية مُتوقِّفًا عليه وجودًا وعدمًا؛ فمَنْ وهبه الله تعالى العقل فإنَّه مُحاسَب على أعماله، ومَنْ كان غير ذلك فلا حساب عليه.

شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ العقل ورعايته. وهذه أبرزها:

  • الحَثُّ على طلب العلم.قال رسول الله صلى الله علي ه وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ » (رواه ابن ماجه).
  • الدعوة إلى التفكُّر في الكون، الكون، والنهي عن تعطيل العقل وتغييبه بالتقليد الأعمى، والاستسلام للتعصُّب والغُلُوِّ والأفكار الهدّامة. قال تعالى:(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آبائهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون) (البقرة:170)
  • تحريم الاعتداء على العقل بأيِّ شكل يجعله عاجزًا عن أداء مهمته، مثل: شرب المُسكِرات، وتناول المُخدِّرات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ » (رواه البخاري  ومسلم).
  •  الدعوة إلى تحرير العقل من الأوهام، والخرافات، والسِّحْر، والشعوذة، والتشاؤم، والتصوُّرات الفاسدة؛ لِما فيها من استخفاف بالعقول، وتغييب لها.

رابعًا: حفظ النسل

 حَثَّ الإسلام على التناسل والتكاثر؛ لإعمار الأرض، واستمرار بقاء النوع الإنساني.

ولهذا، فقد شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ النسل. وهذه أبرزها:

  • إباحة الزواج بين الرجل والمرأة، والترغيب فيه؛ لِما يُمثِّله من طريق شرعي للحفاظ على بقاء النسل، ومنع اختلاط الأنساب بعضها ببعض، والحَثُّ على تسهيل إجراءات الزواج بتخفيض المهور، والبُعْد عن مظاهر الإسراف في حفلات الزواج ونفقاته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجوهُ، إِلّا تَفْعَلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الَْأرْضِ وَفَسادٌ عَريضٌ » (رواه الترمذي).
  •  تشريعُ عقوبات رادعة في الدنيا والآخرة لمُرتكِبي جرائم الزِّنا والشذوذ الجنسي. قال تعالى:(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما ماْئة جلدة)(النور: ٢).

خامسًا: حفظ المال

 حَثَّ الإسلام على حفظ المال؛ لِما له من دور كبير في إعمار الأرض. وقد شرع الإسلام أحكامًا وتوجيهات عديدة لبيان طرائق كسبه، وإنفاقه، وتنميته، والمحافظة عليه.

من الوسائل والأحكام التي شرعها الإسلام للحفاظ على المال:

  • الحَثُّ على السعي والعمل لكسب المال وتحصيله بالطرائق المشروعة.
  • النهي عن كسب المال بطرائق غير مشروعة؛ لذا حرَّم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، وشدَّد على تحريم جريمة الرشوة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ » (رواه أحمد).
  • فرض عقوبات رادعة على كلِّ مَنْ يعتدي على أموال الآخرين. مثل عقوبة جريمة السرقة، قال تعالى:(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) (المائدة: ٣٨).

الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ

مراتب مقاصد الشريعة الإسلامية

    تباينت مطالب الشارع ونواهيه للمُكلَّف من حيث الأهمية في المحافظة على مقاصد الشارع؛ لذا جاءت الأحكام الشرعية في تحقيقها لهذه المصالح في الشريعة الإسلامية على ثلاث مراتب، هي:

  • الضروريات: هي ما لا بُدَّ منه لقيام حياة الناس، وعليها يتوقَّف وجودهم في الدنيا؛ فإذا لم تتحقَّق هذه الضروريات انعدمت الحياة، واختلَّ نظامها، وفسدت مصالح الناس، وعَمَّت في أوساطهم الفوضى، مثل تحريم قتل النفس؛ إذ لو كان القتل مباحًا لمات الناس، وانعدمت الحياة. ومن أمثلتها أيضًا: وجوب الصلوات الخمس، وتحريم شرب الخمر، ومشروعية الزواج، وتحريم السرقة.
  •  الحاجيات: هي ما يحتاج إليه الناس للتوسعة عليهم، والتخفيف عنهم؛ مراعاةً لأحوالهم وظروفهم. صحيحٌ أنَّ الحياة لا تنعدم من دونها، لكنَّ فقدها يوقِع الناس في المشقَّة والحرج. ومن أمثلتها: الرُّخَص التي شُرِعت للتخفيف على الناس، مثل: إباحة الجمع بين الصلوات للمسافر، وإباحة الإفطار في شهر رمضان للمسافر والمريض.
  • التحسينيات: هي الأخذ بما يليق بالإنسان من محاسن العادات، ممّا لا تمسُّ إليها الحاجة، وتقوم الحياة من غيرها. ومن ثَمَّ، فإنَّ فقدها لا يُؤثِّر في حياة الإنسان، لكنَّ وجودها يجعل للحياة بهجةً وجمالًا. ومن أمثلتها: أخذ الزينة عند كل مسجد، والتقرُّب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات من صلاة وصيام وصدقة، والأخذ بآداب الأكل والشرب.