التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ
من حكمة الله تعالى أنَّه لم يخلق البشر عبثًا. قال تعالى:(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون)، وإنَّما جعل لهم هدفًا ومهمةً ساميةً في الحياة، وأرسل إليهم الرُّسُل والأنبياء، وأنزل عليهم الكتب والشرائع، إلى أنْ ختم الله تعالى الرُّسُل والأنبياء بسيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وختم الكتب والشرائع بالقرآن العظيم وشريعة الإسلام. وكلُّ حُكْم شرعي في كتاب الله تعالى وفي سُنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إنَّما جاء لحكمة وغاية، تتمثَّل في جلب مصلحة أو دفع مفسدة، وصولًا إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
أَتَدَبَّرُ وَأَسْتَنْبِطُ أَتَدَبَّرُ الآيتين الكريمتين الآتيتين، ثمَّ أَسْتَنْبِطُ منهما الغاية من خَلْق الإنسان: |
الْفَهْمُ وَالتَّحليلُ
تُعرَّف مقاصد الشريعة بأنَّها الغايات الكبرى التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها بما ينفع الناس في الدنيا والآخرة.
أوَّلًا: حفظ الدين
يقع مقصد حفظ الدين في مُقدِّمة المصالح التي يجب المحافظة عليها، وتنبع أهمية هذا المقصد من أنَّه:
- يلبي حاجة الإنسان الفطرية التي تدفعه إلى عبادة الله تعالى. قال تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
- يُفْضي إلى استقامة حياة الإنسان، وتقوية معاني الخير والفضيلة في نفسه، فيسود بذلك الأمن والاستقرار في المجتمعات.
- يعمل على تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا، ونجاته في الآخرة.
شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ الدين. وهذه أبرزها:
- وجوب التصديق بأركان الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سُئلِ عن الإيمان: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».
- وجوب الإيمان بأركان الإسلام، وأداء العبادات المختلفة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بُنِيَ الْإِسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إِلّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ الله، وَإِقامِ الصَّلاةِ، وَإيتاءِ الزَّكاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضانَ".
- الدعوة إلى دين الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة. قال تعالى:(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكروأولئك هم المفلحون).
- جهاد مَنْ يمنعون الناس من الدخول في الدين، أو يجبرونهم على الخروج منه. قال تعالى:(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).
أُفَكِّرُ وَأُناقِشُ كَيْفَ يُسهِم الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر في حفظ الدين؟ |
يعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة لحفظ وتعزيز الدين. فهو يسهم في: - تعزيز الأخلاق والقيم ومنع الفساد والظلم. - الحفاظ على وحدة المجتمع. - تعزيز التعاون والتضامن. - الحفاظ على الهوية الدينية. |
ثانيًا: حفظ النفس
حَثَّ الإسلام على حفظ النفس الإنسانية، ومنع الاعتداء عليها بغير وجه حقٍّ، وجعل قتل نفس واحدة ظلمًا كقتل الناس جميعًا. قال تعالى:(من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا).
شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ النفس وحمايتها. وهذه أبرزها:
- دعوة الإنسان إلى المحافظة على حياته، بأنْ يتناول الطعام الصحي النافع، ويمارس الرياضة المفيدة، ويحرص على التداوي وإجراء الفحوص الدورية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدّاءَ وَالدَّواءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دَواءً، فَتَداوَوْا، وَلا تَداوَوْا بِحَرامٍ». وكذلك تحريم اعتداء الإنسان على حياته فيما يُسمّى الانتحار، وعَدُّ ذلك من كبائر الذنوب.
- تشريع العقوبات التي تمنع الناس من اعتداء بعضهم على بعض، مثل عقوبة القصاص؛ فالقاتل عمدًا يُقتَل، حفظًا لحياة بقية الناس، وحمايةً لأمن المجتمع واستقراره، ومنع الآخرين من الإقدام على هذه الجرائم. قال تعالى:(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون).
أَتَدَبَّرُ وَأُبَيِّنُ أَتَ دَبَّرُ الآية الكريمة الآتية، ثمَّ أُبَيُِّن دورها في حماية النفس البشرية: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم). |
تبين الآية الكريمة أن تناول الطعام والشراب الصحي النافع وسيلة من وسائل الحفاظ على النفس والحياة |
ثالثًا: حفظ العقل
كرَّم الله تعالى الإنسان بالعقل الذي يُميِّزه عن بقية المخلوقات.
يُعَدُّ العقل: أداة التفكير للبناء والتخطيط لإعمار الكون، واستثمار ما فيه من خيرات ونِعَم إلهية. ولهذا أكَّد الإسلام أهمية المحافظة على العقل، وجعل تكليف الإنسان بالأحكام الشرعية مُتوقِّفًا عليه وجودًا وعدمًا؛ فمَنْ وهبه الله تعالى العقل فإنَّه مُحاسَب على أعماله، ومَنْ كان غير ذلك فلا حساب عليه.
شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ العقل ورعايته. وهذه أبرزها:
- الحَثُّ على طلب العلم.قال رسول الله صلى الله علي ه وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ».
- الدعوة إلى التفكُّر في الكون، قال تعالى: (أَوَلَم يَنظُروا في مَلَكوتِ السَّماواتِ وَالَأرضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيءٍ).
- تحريم الاعتداء على العقل بأيِّ شكل يجعله عاجزًا عن أداء مهمته، مثل: شرب المُسكِرات، وتناول المُخدِّرات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ ».
- الدعوة إلى تحرير العقل من الأوهام، والخرافات، والسِّحْر، والشعوذة، والتشاؤم، والتصوُّرات الفاسدة، والنهي عن تعطيل العقل وتغييبه بالتقليد الأعمى، والاستسلام للتعصُّب والغُلُوِّ والأفكار الهدّامة؛ لِما فيها من استخفاف بالعقول، وتغييب لها، قال تعالى:(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آبائهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون).
رابعًا: حفظ النسل
حَثَّ الإسلام على التناسل والتكاثر؛ لإعمار الأرض، واستمرار بقاء النوع الإنساني.
ولهذا، فقد شرع الإسلام مجموعة من الوسائل والأحكام التي تُسهِم في حفظ النسل. وهذه أبرزها:
- الحَثُّ على الزواج، والترغيب فيه؛ لِما يمُثلِّه من طريق شرعي للحفاظ على بقاء النسل، ومنع اختلاط الأنساب. وكذلك الحَثُّ على تسهيل إجراءات الزواج بتخفيض المهور، والبُعْد عن مظاهر الإسراف في حفلات الزواج ونفقاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجوهُ، إِلّا تَفْعَلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الَْأرْضِ وَفَسادٌ عَريضٌ».
- النهي عن جرائم الزِّنا والشذوذ الجنسي، وتشريع عقوبات رادعة في الدنيا والآخرة لمرتكبيها. قال تعالى:(ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلًا)، وقال تعالى:(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما ماْئة جلدة).
أُبَيِّنُ أُبَيُِّن خطورة الشذوذ الجنسي والدعوة إلى المِثْلية على حفظ النسل واستمرار بقاء النوع الإنساني. |
يؤثر الشذوذ الجنسي والدعوة إلى المثلية على المجتمعات بشكل عام نتيجة للعزوف عن الزواج بسبب اكتفاء البعض بالشذوذ، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض الجنسية ويُهدِّد نظام الأسرة، ويقلل معدلات النمو السكاني، ونسبة المواليد الأمر الذي يؤثر على المجتمع وقوته. |
خامسًا: حفظ المال
للمال دور كبير في إعمار الأرض. وقد شرع الإسلام أحكامًا وتوجيهات عديدة لبيان طرائق كسبه، وإنفاقه، وتنميته، والمحافظة عليه.
من الوسائل والأحكام التي شرعها الإسلام للحفاظ على المال:
- الحَثُّ على السعي والعمل لكسب المال وتحصيله بالطرائق المشروعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَكَلَ أَحَدٌ طَعامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ».
- النهي عن كسب المال بطرائق غير مشروعة؛ لذا حرَّم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، وشدَّد على تحريم جريمة الرشوة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ».
- فرض عقوبات رادعة على كلِّ مَنْ يعتدي على أموال الآخرين. مثل عقوبة جريمة السرقة، قال تعالى:(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا).
أُبْدي رَأْيي هل يُعَدُّ كنز المال وسيلة مشروعة للحفاظ على المال في الإسلام؟ أُبرِّر إجابتي. |
لا، لأن الإسلام نهى عن كنز المال وحذّر منه لخطورته على النمو الاقتصادي في المجتمع، فالمال يجب أن يتحرك وينتقل من يد إلى أخرى لينمو ويزداد ويُعمَرَ المجتمع. |
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
مراتب مقاصد الشريعة الإسلامية
تباينت مطالب الشارع ونواهيه للمُكلَّف من حيث الأهمية في المحافظة على مقاصد الشارع؛ لذا جاءت الأحكام الشرعية في تحقيقها لهذه المصالح في الشريعة الإسلامية على ثلاث مراتب، هي:
- الضروريات: هي ما لا بُدَّ منه لقيام المقاصد الكبرى التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها في حياة الناس؛ فإذا لم تتحقَّق هذه الضروريات انعدمت هذه المقاصد، واختلَّ نظام الحياة، مثل تحريم قتل النفس؛ إذ لو كان القتل مباحًا لمات الناس، وانعدمت الحياة. ومن أمثلتها أيضًا: وجوب الصلوات الخمس، وتحريم شرب الخمر، ومشروعية الزواج، وتحريم السرقة.
- الحاجيات: هي ما يحتاج إليه الناس للتوسعة عليهم، والتخفيف عنهم؛ مراعاةً لأحوالهم وظروفهم. صحيحٌ أنَّ الحياة لا تنعدم من دونها، لكنَّ فقدها يوقِع الناس في المشقَّة والحرج. ومن أمثلتها: الرُّخَص التي شُرِعت للتخفيف على الناس. مثل: إباحة الجمع بين الصلوات للمسافر، وإباحة الإفطار في شهر رمضان للمسافر والمريض؛ ففقدها يوقِع الناس في المشقَّة والحَرَج.
- التحسينيات: هي الأخذ بما يليق بالإنسان من محاسن العادات، ممّا لا تمسُّ إليها الحاجة، وتقوم الحياة من غيرها. ومن ثَمَّ، فإنَّ فقدها لا يُؤثِّر في حياة الإنسان، لكنَّ وجودها يجعل للحياة بهجةً وجمالًا. ومن أمثلتها: أخذ الزينة عند كل مسجد، والتقرُّب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات من صلاة وصيام وصدقة، والأخذ بآداب الأكل والشرب.