البلاغة العربية والنقد الأدبي فصل أول

الأول ثانوي أدبي

icon

ملامح النقد الأدبي في العصر الجاهلي

إن النقد في العصر الجاهلي إنما هو ملاحظات علقت على ما يسمع من فنون الأدب من غير استخدام المصطلحات الثابتة أو الاعتماد على معايير علمية واضحة . والنقد الأدبي في العصر الجاهلي على بساطته وإيجازه وقلة تعليل أحكامه نقد مناسب لبيئته ، متوافق  معها مستجيب لمتطلباتها مؤدّ لمهمته في الارتقاء بالأدب.

الأنماط النقدية في البيئة الجاهلية :

النمط الأول : النقد الذاتي

ويقصد به نقد الشاعر لشعره وتهذيبه له . ولعل أبرز نموذج يمثل هذا النوع هو الشاعر زهير بن أبي سلمى الذي كان يستغرق في تهذيب شعره وإعادة النظر فيه حولاً كاملا قبل أن يخرج على الناس بقصيدته، ولهذا السبب سميت القصائد التي تنظم وفق هذا النمط بالحوليات وسمي أصحابها بعبيد الشعر .


 النمط الثاني : النقد الخاص

وهو النقد الذي نشأ بين طائفة خاصة من الشعراء والأدباء . وأبرز شاهد هنا هو النابغة الذبياني ، فقد كان شاعرا وناقدا ، ومما يروى عنه انه كانت تنصب له خيمة من أدم حمراء في سوق عكاظ ، يجتمع إليه فيها شعراء العرب يعرضون عليه أشعارهم ، ومن ذلك أن الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء تحاكموالديه ، فقال للخنساء : "والله لولا أن أبا بصير(الأعشى)أنشدني قبلك لقلت : إنك أشعر الجن والإنس " ما يعني أنه قدم الأعشى عليها وقدمها على حسان .

النمط الثالث : النقد العام 

  المقصود به التعليقات التي كانت تصدر عن جماهير العرب وعامتهم ، فالعرب أهل بلاغة وفصاحه وبيان ،وكانوا يتذوقون الأدب بفطرتهم  :وسجيتهم ،وكانوا شغوفين بالشعر خاصة ، إذ كانوا يستمعون إلى الشاعر الجاهلي ويستعيدون في حضرته ما ينشده مرارا ، ويطلبون منه المزيد ، وإذا رحل تحدثوا عنه وعن شعره ورووه وتناقلوه ، فتعصب بعضهم له ،وتعصب بعضهم عليه  مؤثرا شعراء قبيلته .

النقد الجاهلي وعناصر العمل الأدبي
 تناول النقد في العصر الجاهلي بعض عناصر العمل الأدبي ولاسيما اللغة والأفكار ، ومن أمثلة ذلك ما يأتي :

نقد اللغة :

فقد أخذ على لبيد بن ربيعة تسكينه الفعل المضارع (يعتلق )في قوله :

تراك أمكنة إذا لم أرضها                      أو يعتلق بعض النفوس حمامها

إذ جزم الفعل ( يعتلق) من باب عطفه على الفعل المجزوم (أرض) وحقه الرفع فلا يجوز عطفه ؛ لاستئناف  المعنى.

نقد الأفكار :

عرفت أن من مقاييس نقد الأفكار صحتها ، وذلك بأن تكون موافقة لحدود العرف والدين والمنطق . وهنا

يروى عن الشماخ بن ضرار أنه قدم يثرب فملأ له عرابة الأوسي -أحد أشراف الأوس -راحلته براًوتمراً ، فمدحه الشماخ ،فلما وصل إلى قوله :

إذا بلغتني وحملت رحلي                       عرابة، فاشرقي بدم الوتين

عاب عليه أحيحة بن الجلاح ذلك وقال له : " بئس المجازاة جازيتها" ؛ لأنه يريد أن يجازي ناقته على حسن صنيعها بنحرها ، فالشاعر هنا خرج على حدود العرف والمنطق .

خصائص النقد الأدبي في العصر الجاهلي : 

1- الانطباعية

ويقصد بها أن يعتمد النقد على ذوق الناقد وسلامة سليقته ، من غير اعتماد أصول أو أسس علمية واضحة أو استخدام مصطلحات ثابتة .

2- الجزئية

فالنقد لا يتتبع العمل الأدبي كله باحثاً في عناصره الأدبية جميعها ، ومدققاً في كل أجزائه وجوانبه ، بل يقتصر على البيت والبيتين أو على اللفظة واللفظتين متناولاً - في الأغلب- عنصرا ما من عناصر العمل الأدبي .

3- قلة التعليل

أي أن الناقد الجاهلي كان يصدر أحكامه بالاستحسان أو الاستهجان من غير أن يلزم نفسه بتعليل هذه الأحكام .

4- الإيجاز

ونعني به أن الناقد كثيراً ما كان يورد حكمه النقدي بعبارة موجزة يفهم منها ما يراد من غير شرح أو تفصيل.