التاريخ فصل أول

الثامن

icon

                       ملخص الدرس الثاني: مملكة المناذرة

أولاً: الأصل والتسمية

المناذرة قبيلة عربية يعود أصلهم إلى قبيلة لخم التي هاجرت من اليمن، وسكنوا غرب نهر الفرات، واتخذوا مدينة الحيرة عاصمة لهم، لموقعها المتميز وهوائها النقي وتوافر مياهها واتصالها بالبادية. والحيرة كلمة آرامية تعني المخيم أو المعسكر،وتقع إلى جنوب الكوفة.

وسمي المناذرة بهذا الاسم لكثرة من حمل اسم المنذر من ملوكهم مثل المنذر بن المنذر والمنذر الثالث، وأطلق ملوك المناذرة على أنفسهم لقب (ملوك العرب). ويعد عمرو بن عدي مؤسس مملكة المناذرة.


ثانياً: نشأة مملكة المناذرة

مملكة المناذرة من أقوى الممالك العربية قبل الإسلام، وكانت امتداد للممالك العربية التي سبقتها مثل مملكة ميسان ومملكة الحضر، وقد امتد نفوذها التجاري من العراق ومشارف الشام شمالا إلى عمان جنوبا متضمنة البحرين وسواحل الخليج العربي. واستمرت مملكتهم ما بين(٢٦٨-٦٣١)م حتى احتلها الفرس الساسانيون فأصبحت مملكة شبه مستقلة وتابعة لهم.

وقد ساهمت عدة عوامل على نشأة مملكة المناذرة وازدهارها وهي:

١-موقع مملكة المناذرة الإستراتيجي وقربها من نهر الفرات.

٢-تحكمها بطرق القوافل التجارية في بلاد الرافدين والجزيرة العربية.

٣-تأثرهم بالإرث الحضاري للحضارات السابقة.

٤-تحالفهم مع الدولة الساسانية (الفرس).

ثالثاً: نظام الحكم عند المناذرة

كان نظام الحكم لدى المناذرة ملكيا وراثيا، ويعد عمرو بن عدي أول ملوك المناذرة من السلالة اللخمية (٢٦٨-٢٩٥)م، وكان منفردا بملكه ومستبدا برأيه، وهو أول من اتخذ الحيرة عاصمة له، وجاء من بعده امرؤ القيس(٢٩٥-٣٢٨)م، وفي عهده بلغت الحيرة درجة كبيرة من القوة والنفوذ، واستطاع امرؤ القيس أن يوحد القبائل العربية تحت قيادته؛ لذا لقب نفسه بـ (ملك العرب كلهم).

انتقل الحكم من امرؤ القيس إلى ابنه النعمان الأول (٣٩٠-٤١٨)م، الذي بنى قصر الخورنق، ثم انتق الحكم إلى المنذر الأول بن النعمان الأول(٤١٨-٤٦٢)م، ثم إلى المنذر بن ماء السماء(٥١٤-٥٥٤)م.

كانت مملكة المناذرة مجاورة للإمبراطورية الفارسية، فتحالفوا معها وأصبحوا يشكلون حاجزا لصد غارات القبائل العربية التي كانت تهدد دولة الفرس، كما استعان بهم الفرس في حروبهم ضد الإمبراطورية البيزنطية التي تحالفت مع مملكة الغساسنة، فوقعت الكثير من الحروب بين المناذرة والغساسنة كان من أشهرها يوم حليمة، التي انتصر فيها الغساسنة بزعامة الحارث بن جبلة الغساني، وقتل فيها المنذر الثالث.

ولمعرفة المزيد عن المعارك التي دارت بين العرب والفرس تأمل النص الآتي :

تعد معركة ذي قار ٦١٠م من أهم المعارك التي دارت بين العرب والفرس، فقد حاول النعمان الثالث آخر ملوك المناذرة أن يوحد القبائل العربية ويتخلص من سيطرة الفرس، لكن كسرى ملك الفرس قبض عليه وسجنه حتى مات. وكان النعمان الثالث قد وضع أبناءه وأمواله وديعة عند شيوخ قبيلة بكر بن وائل، وبعد موته طلب كسرى من قبيلة بكر أن تسلم أموال النعمان إلى الفرس فرفضوا، فأرسل كسرى جيشا لمحاربتهم، فوقفت القبائل العربية إلى جانب قبيلة بكر وانتصروا على الفرس في معركة ذي قار وهي نبع ماء بالقرب من الكوفة. وقد انتصر العرب في هذه المعركة بفضل وحدتهم وصمودهم، وكان أول نصر للعرب على الفرس وفاتحة للانتصارات التي أحرزها المسلمون على الفرس لاحقا.

                                    جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج٣، (ص٢٩٣).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رابعاً: الحياة الاقتصادية

كان لموقع مملكة المناذرة ومناخها وخصوبة تربتها وتوافر المياه فيها أثرها الواضح في تطور الحياة الاقتصادية في مجالات التجارة والزراعة والصناعة.

١-التجارة

ازدهرت التجارة عند المناذرة نتيجة لعوامل عدة منها:

أ-وجود نهر الفرات، وقربها من الخليج العربي، وامتلاكهم قوافل تجارية تسمى اللطائم كانت تحمل المسك.

ب-سيطرتهم على الطريق التجاري البري القادم من البصرة محاذاة نهر الفرات.

٢-الزراعة والثروة الحيوانية

كان لخصوبة التربة ووجود نهر الفرات والمناخ الدافئ أثر في تطور الزراعة، فكانت الأراضي بين الحيرة والنجف والفرات كلها مزروعة بالحبوب والنخيل والبساتين.

واهتم المناذرة بتربية الإبل والخيول نظرا لأهميتها في التنقل والحرب. واهتموا بتربية الأغنام والماشية.

٣-الصناعة

اهتم المناذرة بالصناعة، حتى بلغت صناعتهم درجة كبيرة من الدقة والإتقان واشتهرت الحيرة بالعديد من الصناعات التي نسبت إليها، وكان قصر الخورنق يضم عددا من الحرفيين والنساج وفي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:

إذ لا تُرجى سُليمى أن يكون لها      مَن بالخَورنق من قين ٍونُساجِ

ولمعرفة المزيد عن الصناعات في مملكة المناذرة تأمل الشكل الآتي، 

            الصناعات التي اشتهرت بها دولة المناذرة

صناعة السيوف المشهورة والسهام ورؤوس الرماح.

التزيين والتقصيب والتطريز بخيوط  الذهب.

صناعة التحف المعدنية والحلي وأدوات الزينة الذهبية والفضية.

صناعة النسيج والحرير والكتان والصوف.

 

 

 

 

 

 

 

 خامساً: الحياة الاجتماعية

كان غالبية سكان مملكة المناذرة من العرب الذين امتازوا بالتمسك بالقيم الاجتماعية والفضائل العربية والاعتزاز بالقبيلة، والاهتمام بالعائلة وصلة الرحم.

 وينقسم السكان في مملكة المناذرة إلى فئات، تأمل الشكل الآتي:        

            فئات السكان في مملكة المناذرة

       عامة الناس

ضمت العرب الذين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية في مرحلة مبكرة، وضمت بقايا البابليين والكلدانيين والآراميين، وكانوا أكثر أهل الحيرة ثقافة وإتقان للحرف.

          تنوخ

وهم العرب الذين سكنوا بيوت الشعر غرب الفرات، واشتغلوا بالزراعة ورعي الإبل والماشية وقد نجحوا في إقامة كيان سياسي لهم وأصبحوا ملوك الحيرة

        الأحلاف

هم الذين لحقوا بأهل الحيرة، وتحالفوا معهم ولم يكن عددهم ثابتا بل اعتمد على نفوذ دولة الحيرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سادساً: المظاهر الحضارية عند المناذرة

اتسمت حضارة مملكة المناذرة بالغنى والتنوع في المجالات كافة، الدينية والأدبية والعلمية والفنية والعمرانية.

١-الحياة الدينية

شغل الدين أهمية كبيرة في حياة أهل الحيرة، وكانت الديانة السائدة بين غالبية السكان الوثنية، فعبدوا آلهة متعددة ومن أبرزها (العزى)، أما المسيحية فقد عرفت في الجزيرة العربية واعتنقها بعض ملوك الحيرة مثل النعمان بن المنذر، فانتشرت الأديرة والكنائس والمدارس الدينية في الحيرة.

٢-الحياة الأدبية

كانت اللغة العربية السائدة لدى سكان مملكة المناذرة، فقد وجدت مدارس لتعليم القراءة والكتابة خاصة في الحيرة، ويعود الفضل لها في تدوين كثير من أخبار ملوك الحيرة وأشعار العرب، وقد اهتم ملوك المناذرة بالأدب والشعر، خاصة الملك النعمان بن المنذر الذي كان يجتمع بأدباء العرب في القصر الخورنق، ويقيم مهرجانا أدبيا سمي (المِربد) وكان يجزل العطاء للشعراء والأدباء.

٣-الفن والعمارة

اهتم أهل الحيرة بالموسيقا، فعرفوا الآلات الموسيقية وأجادوا استخدامها وكان من أبرزها العود والدف والمزمار، واشتهروا بالغناء.

والاهتمام بالعمارة والفنون هو أحد مظاهر التقدم الحضاري عند المناذرة، واشتهرت الحيرة بكثرة قصورها، فملوكها بنوا العديد منها مثل قصر الخورنق، وقصر الحير وقصر السدير وقصر الزوراء، وبنوا الكنائس والأديرة.

واستخدم أهل الحيرة الطوب المشوي والمرمر والجص والقرميد في تشييد مبانيهم، وتفننوا بنقشِها وزخرفتها بالرسوم وطلاء سقوفها بالفسيفساء وماء الذهب.