التربية الإسلامية فصل ثاني

المواد المشتركة توجيهي

icon

التّعلُّم القَبْلِـيّ

      عُنيت الشريعة الإسلامية بتهذيب النفس الإنسانية وضبط تصرفات الإنسان بما جاءت به من توجيهات وإرشادات تجلب لهم الأمن وتحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة، فالأمن حاجة أساسية لا تقل أهمية عن حاجات الإنسان الأخرى مثل الغذاء واللباس والدواء، والأمن أساس استقرار المجتمعات وتحقيق ازدهارها، ومن دونه لا يستطيع الإنسان أن يمارس شؤون حياته اليومية على الوجه الأمثل، لذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتشريعات التي تضمن دوام الأمن والاستقرار وتضبط التعامل بين الناس على أساس من الحقوق والواجبات.

الفَهمُ والتَّحليلُ

حرصت الشريعة الإسلامية على الحدّ من الجريمة والقضاء على أسبابها، للحفاظ على أمن المجتمع.

أَوّلًا: مفهوم الجريمة

الجريمة: هي كلُّ مخالفة لأمر الشارع رَتَّب عليها عقوبة دنيوية؛ سواء أكانت المخالفة بارتكاب أمر ممنوع مثل: شرب الخمر، أو السرقة، أو الرشوة، أم بترك أمر واجب مثل: التخلُّف عن الجهاد إذا دعا إليه ولي الأمر، أو ترك الزكاة.

ثانيًا: مخاطر الجريمة وآثارها

يؤدي انتشار الجرائم إلى مخاطر عِدةٍ، تظهر آثارها السلبية على الفرد والمجتمع ومن أبرزها:

  • استحقاق غضب الله تعالى وعقابه، فمخالفة أمر الله تعالى وترك أوامره تجلب غضب الله تعالى وعدم التوفيق في الدنيا والآخرة، قال تعالى:(ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا) (النساء: ٩٣).
  • الإخلال بأمن المجتمع، فارتكاب الجرائم ينشر الخوف والقلق، ويخل بأمن المجتمع، وينشر الفساد فيه، ومن أمثلة ذلك انتشار السرقة وتعاطي المخدرات والمسكرات والقتل وغيرها، قال تعالى:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) (الروم: ٤١).
  • حصول الفتن والعداوة بين الناس، فالجريمة تؤدي إلى حدوث العداوة والبغضاء بين الناس، قال تعالى:(إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (المائدة: ٩١)(الميسر: القمار).
  • إضعاف الاقتصاد، إن انتشار الجريمة في المجتمع يؤدي إلى انعدام الأمن والاستقرار وكثرة الجرائم، فالتاجر أو المستثمر الذي يرى انعدام الأمن والاستقرار سيخشى على أمواله وسيمتنع عن العمل والاستثمار.

ثالثًا: أقسام الجريمة في الفقه الإسلامي

تقسم الجرائم في الفقه الإسلامي إلى ثلاثة أقسام، وهي:

  • جرائم الحدود:

هي المعاصي التي قرّرت الشريعة الإسلامية عقوبة محددة على ارتكابها، فلا يُزاد عليها ولا يُنتقصُ منها، وقد سميت الحدود بهذا الاسم؛ لأنه لا يجوز تجاوزها.

 ومن أمثلتها: حد شرب الخمر وعقوبته ثمانون جلدة، وحد القذف وهو اتهام الأبرياء بجريمة الزنا، وعقوبته ثمانون جلدة.

  • جرائم القصاص:

جرائم القصاص هي المعاصي التي عقوبتها القصاص، والقصاص هو معاقبة الجاني بمثل ما فعل ويكون ذلك في الجرائم الواقعة عمدًا على النفس بالقتل أو الجرح أو قطع الأعضاء.قال تعالى:(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (البقرة: ١٧٩).

ولصاحب الحق في القصاص (المجني عليه أو وليّه) أن يطلب تنفيذ العقوبة، أو أن يقبل الدِّية، أو أن يعفو عن الجاني وذلك أفضل، أما إذا وقعت جريمة الاعتداء على النفس عن طريق الخطأ فالعقوبة هي الدِّية.

أَتوقَّفُ

الدِّيةُ: هي المالُ الذي يُعْطى إلى المجني عليه أو إلى ورثته بسبب جناية وقعت عليه بالقتل أو الجرح.

جرائم التعزير:

هي المعاصي التي لم تحدّد الشريعة الإسلامية لها عقوبة محددة بل جعلت عقوبتها مفوّضة لرأي ولي الأمر.

ومن أمثلتها:

أخذ الرشوة وأكل مال اليتيم، وإلقاء النفايات في الشوارع، ومخالفة قوانين السير، وشهادة الزور، وشتم الناس، واحتكار السلع، والتلاعب بالكيل والميزان.

رابعًا: منهج الإسلام في مكافحة الجريمة

يقوم منهج الإسلام في مكافحة الجريمة على اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية والعلاجية التي تحفظ للمجتمع أمنه واستقراره وتدفع للالتزام بالقانون.

  • التدابير الوقائية:

تميز الإسلام باتخاذ تدابير وقائية تمنع الجريمة قبل وقوعها، ومن هذه التدابير:

1.تعميق الإيمان بالله تعالى:

وذلك بتعميق استشعار رقابة الله تعالى في نفوس الناس، والالتزام بأداء العبادات التي تطّهر النفس، وتحقق التقوى، وتبعد الإنسان عن ارتكاب المعاصي، قال تعالى:(وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) (العنكبوت: ٤٥).

2. معالجة الأسباب التي قد تؤدّي إلى ارتكاب الجريمة:

عمل الإسلام على الحَدِّ من الأسباب التي تُفْضي إلى ارتكاب الجرائم، وذلك بتوفير ما يَول بين الإنسان والجريمة. فمثلًا، حارب الإسلام جريمة السرقة، وذلك بالدعوة إلى العمل لتوفير الحياة الكريمة في المجتمع؛ ما يكفل للفرد تأمين حاجاته الخاصَّة، وعدم الاعتداء على حقوق الآخرين وممتلكاتهم بالسرقة وأكل أموالهم بالباطل. ولمحاربة جريمة الزِّنا؛ دعا الإسلام إلى العِفَّة، وحَثَّ على الزواج، ونهى عن المغالاة في المهور، وحرَّم دواعي الزِّنا من إطلاق النظر، والاختلاط، والخلوة، وكشف العورات، وغير ذلك.

3. تعزيز الجانب الأخلاقي:

وذلك بإشاعة فضائل الأعمال والدعوة إلى مكارم الأخلاق، مثل: الأمانة والصدق في القول والعمل والوفاء في العهود والمواثيق وسائر الالتزامات، والتسامح والصفح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ خيارَكُم أَحاسِنُكم أَخلاقًا)) (رواه البخاريّ ومسلم)، وكذلك بالابتعاد عن الرذائل والمنكرات وعدم إشاعتها، كالكذب والغش والغيبة والنميمة، قال تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)  (النور: ١٩).

4.تعميق انتماء الفرد لوطنه وأمته:

حرصَ الإسلامُ على غرسِ حُبِّ الوطن في قلوبِ أبنائِهِ، وحَثَّهُمْ على المحافظةِ عليْهِ، وذلك بالالتزام بالأنظمة والقوانين، والعمل على رفعة الوطن وتقدمه والنهوض به في شتى المجالات، والدفاع عنه ومحبته والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل ذلك، ولذا كان سيِّدُنا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم  يدعوا الله تعالى أن يحبب إليه وإلى أصحابه المدينة المنوّرة كما حُببت إليهم مكّة المكرّمة (رواه البخاريّ).

  • التدابير العلاجية:

يمتاز التشريع الإسلامي بالواقعية ومعرفة النفس الإنسانية، وأن الإنسان قد يقع في الخطأ ويرتكب جريمة ما لذا قام بتشريع العقوبات الرّادعة التي تزجر المجرم وتردع غيره عن ارتكاب الجريمة؛ لحماية المجتمع، ومنع كل من تسوّل له نفسه ارتكاب الجريمة؛ حفاظًا على الأنفس والأموال والأعراض، وقد حصر الإسلام حقّ تنفيذ هذه العقوبات بالحاكم أو من ينوب عنه، منعًا من الفوضى والتجاوز في أخذ الحقّ.

الإِثراءُ والتَّوسُعُ

من ميزات نظام العقوبات في الإسلام أن العقوبة فيه ليست عقوبة دنيوية فقط بل هنالك عقوبة أخروية؛ فالعقوبة الدنيوية هي التي يقوم بها ولي الأمر أو من ينوب عنه، أما العقوبة الأُخروية فهي ما ينتظر المجرمين والعصاة يوم القيامة.

وهذا ما يميّز نظام العقوبات الإسلامي عن النظام الوضعي؛ ففي النظام الوضعي يحرص الجاني على الإفلات من العقوبة الدنيوية، ويظن أنه لا شيء عليه إن أفلت من العقوبة، بينما في النظام الإسلامي إن أفلت من العقوبة في الدنيا فهو يعلم أنه سيعاقب عليها في الآخرة، مما يدعوه إلى ترك الجريمة ولو لم يطّلع عليها أحد.