الفكرةُ الرئيسةُ
الوَقفُ القبيحُ أَحدُ أَنواعِ الوقفِ غرِ الجائزِ التي ينبغي تجنُبُها عندَ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ.
إضاءةٌ
سُمّي هذا الوَقفُ بالوَقفِ القَبيحِ؛ لقُبحِ الوقفِ عليه ؛ لأنّه غيرُ تامٍّ، أو قدْ يؤدي إلى معنًى لا يليقُ بجلال اللهِ تعالى، أو لم تتحققِ الفائدةُ منهُ، لذا ؛ لا يجوزُ الوقفُ عليه إلا إذا كانت هناكَ ضرورةٌ مُلِحَّةٌ أَلجأَتِ القارئَ إِليه، كالسُّعالِ والعُطاسِ وانقطاعِ النَّفَسِ.
أَتَدَبَّرُ مواضعَ الوقفِ على الكلماتِ التي تحتها خطٌ في الآياتِ الكريمةِ الآتيةِ، ثمَّ أَستنتجُ معنى الوقفِ القبيحِ.
- قالَ تَعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصّلاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى( [النساء: 43].
- قالَ تَعالى: ) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ( [الأنعام: 36].
- قالَ تَعالى: ) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا( [البقرة: 26].
عزيزي الطالب نلاحظ عند الوقف على الكلمات التي تحتها خط في الامثلة السابقة قد أخلت بمعنى الايات كما في الوقوف على كلمة الصَّلَاةَ أو أفادت معنى غير صحيح كما في الوقوف على كلمة َالْمَوْتَى ، او معنى لا يليق بجلال الله تعالى كما في الوقف على كلمة يَسْتَحْيِي .
أولا: مفهومُ الوقفِ القبيحِ
قَطعُ الصَّوتِ على كلمةٍ تُفيدُ معنًى غيرَ مقصودٍ.
ثانيًا: حالاتُ الوقفِ القبيحِ وحكمُهُ
أَتأَمَّلُ الآياتِ الكريمةَ الآتيةَ التي تبيُّ حالاتِ الوقفِ القبيحِ عن طريقِ الوقفِ على الكلمةِ التي تحتها خطٌ في ما يأتِي:
- قال تعالى: ) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا( [الإنسان: 31].
- قال تعالى: ) وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ( [الأعراف: 163].
- قال تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا( [البقرة : 26]
- قال تعالى: ) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ 4 الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ 5( [الماعون: 4 - 5]
أُلاحِظُ أنّ :
- الوقف على كلمة ) وَالظَّالِمِينَ( أفادَ معنى غير صحيح وغير مقصود ؛ لأنَّ هذا الوقف أفاد أنَّ الظالمين يدخلون في رحمة اللهِ تعالى، وهذا غيرُ مقصود أبدًا.
- الوقف على كلمة ) لَا يَسْبِتُونَ( أفاد معنًى غير صحيح بسببِ ارتباط الكلام بما بعدَه؛ فاللهُ تعالى يبيّن أنَّ الأسماك كانت تأتي أهل القرية يوم السبتِ بكثرةٍ، ثمّ انتقلت الآيةُ إلى بيانِ أنَّ الأسماك لا تأتيهِم في غير يوم السَّبت ؛ فإن وقفَ القارئُ على قوله ) لَا يَسْبِتُونَ( اختلَّ المعنى، وأصبح أنَّ الأسماكَ كانت تأتيهم في يومِ السَّبتِ وفي غيرِه، وهذا المعنى غيرُ مُرادٍ وغيرُ صحيحٍ.
- الوقفَ على كلمةِ ) لَا يَسْتَحْيِي( أفادَ معنًى غيرَ صحيحٍ، لأنَّ هذا الوقفَ نَفى صفةَ الحياءِ عنِ اللهِ تعالى، وفي هذا سوء أدب معه سبحانَهُ وتعالى.
- الوقفَ على كلمةِ ) لِلْمُصَلِّينَ( وإن كانَ نهاية آية، إلّا أنَّه أفاد معنًى غير صحيح، وهو الوعيد للمصلينَ بغير سبب، وهذا غير مُراد من الآية.
تعلمت ممّا سبق أنّ:
- حُكم الوقف القبيح عدم الجواز ؛ وإذا تعمّدَ القارئُ الوقوف عليه أَثِمَ بذلك، أَمّا إن وقفَ القارئُ لضرورةٍ ما؛ فإنَّهُ يبدأ من مكانٍ يصِحُ الابتداءُ منهُ.
- للوقف القبيح حالات، منها:
أ. أن يقف القارئُ على كلامٍ يوهِمُ معنًى غير ما أرادهُ الله تعالى؛ مثل الوقف على كلمة (والموتى) في قولهِ تعالى: ) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ( [الأنعام: 36].
ب. الوقف على كلمة تعطي معنًى يخالف العقيدة، مثل الوقف على كلمة (يستحيي) في قولهِ تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا( [البقرة : 26].
أطبق:
(1) أُصَنفُ الأمثلةَ الآتيةَ إلى حالاتِ الوقفِ القبيحِ بحسبِ موضعِ الوقفِ على الكلماتِ التي تحتها خطّ في ما يأتِي:
موضعُ الوقفِ |
حالةُ الوقفِ القبيحِ |
قال تعالى: ) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ(. [القصص: 9]. |
الوقف على كلام يوهم معنى غير ما أراده الله تعالى |
قال تعالى: ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(. [الذاريات: 56]. |
الوقف على كلمة تعطي معنى يخالف العقيدة |
(2) أَتدَبَّرُ الآيةَ الكريمةَ الآتيةَ وأُجيبُ عن السُّؤالِ الّذي يليها: قال تعالى: ) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْن فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ( . [النساء: 11].
- هل يُعدُّ الوقفُ على كلمة ) وَلِأَبَوَيْهِ( في الآيةِ السَّابقةِ، مثالً على الوقفِ القبيحِ؟ ولماذا؟
- نعم لأنه أعطى معنى غير المقصود، فالوقف عليها يعني أن لأبويه النصف، وهذا غير صحيح فلأبويه السدس كما ورد في الآية.
أتلو وأطبق
سورة الأعرافِ (65 – 79)
المفردات والتراكيب |
أتلو وأطبق |
سَفَاهَةٍ: خفّةِ عقلٍ. بَسْطَةً: قوةً وعِظَم أجسام. آلَاءَ اللَّهِ: نعِمَهُ وفضلَهُ. رِجْسٌ: عذاب. وَقَطَعْنَا دَابِرَ: أزلناهم وأبدناهم. آيَةً: معجزة. وَبَوَّأَكُمْ : أسكَنكَم. وَلَا تَعْثَوْا : لا تفسدوا. وَعَتَوْا : استكبروا. الرَّجْفَةُ: الزلزلةُ الشديدةُ. جَاثِمِينَ: هامدينَ موتى لا حراكَ بهم. |
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)(. |
ألفظُ جيدًا |
بَسْطَةً ، أَتُجَادِلُونَنِي ، وَآبَاؤُكُمْ ، تَعْثَوْا |
أَستزيدُ
الدليلُ - من السنةِ المطهّرةِ - على وجوبِ تجنُّبِ الوقفِ القبيحِ: عن عَديِّ بن حاتمٍ t قال: جاءَ رجلانِ إلى النّبيِّ ﷺ فتشهَّدَ أحدُهما، فقال: «مَن يُطِع اللهَ ورسولَهُ فقدْ رشَدْ، ومن يعصِهما » ووقفَ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ : «قمْ - أو اذهبْ - بئسَ الخطيبُ أنتَ! » [رواه أبو داود].
وهذا دليلٌ على عدمِ جوازِ الوقفِ القبيحِ؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ أقامهُ من المجلسِ لمَّا وقفَ على موضع بشع؛ إذ ساوى بينَ حالِ مَن أطاعَ الله ورسولَهُ ومَن عصى، وإنّما كان ينبغي لهُ أن يقفَ على قولهِ: «فقَدْ رشَدْ».