التَّعلُّمُ القَبليُّ
حثّ الإسلام على بناء المساجد وعمارتها، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18 ]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَنى لله مَسْجِدًا يَبْتَغي بهِِ وَجْهَ الله بَنى اللهُ لَه بَيْتًا في الْجَنَّة » [رواه البخاريّ ومسلم].
وقد كان بناء المسجد من أوائل الأعمال الّتي قام بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة النّبويّة الشّريفة من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، حيث يُعدّ مسجد قباء الواقع في المدينة المنوّرة أوّل مسجد في الإسلام.
وقد شُيّدت في الأردن آلاف المساجد الّتي تدعو أبناء المجتمع إلى الخير، وهي تُعبّر عن الإرث الحضاريّ المميّز في بلادنا.
الفَهمُ والتَّحليلُ
اعتنى المسلمون ببناء المساجد في المناطق الّتي دخلها الإسلام، وقد تميّزت هذه المساجد بطابعٍ إسلاميّ يدلُّ على هُوِيِّة الإسلام وحضارته؛ وكان لمساجد كلِّ بلد نمطُها العمرانيّ الّذي يميّزها عن مساجد البلاد الأخرى.
أتَوَقَّفْ
الفرق بين المسجد والجامع يطلق على المكان الذي تؤدّى فيه الصلوات الخمس المسجد أو الجامع، إلا أنّ الجامع مكان لإقامة صلاة الجمعة وهو أكبر من حيث المساحة، ويتّسع لعدد أكبر من المصلّين؛ فكلّ جامعٍ مسجدٌ، وليس كلّ مسجدٍ جامعًا. |
أولاً: جامع القيروان (مسجد عُقبة بن نافع)
أ . تاريخه:
- يُعَدُّ جامع القيروان من أشهر مساجد تونس.
- قام ببنائه القائد المسلم عُقبة بن نافع رضي الله عنه في القرن الأوّل الهجريّ في مدينة القَيْروان الّتي أسّسها بعد فتح إفريقيّة (تونس) حاليًا، ولذا يُسمّى مسجد عقبة بن نافع، وهو أوّل مسجد يُبنى في المغرب العربيّ.
- بناؤه ووصفه:
- كان جامع القيروان في بدايته مبنيًّا من جذوع النّخل، وفيما بعد تمّت توسعته، وزيد في مساحته عدّة مرّات، ولقي اهتمام الأمراء والخلفاء والعلماء في شتّى مراحل التّاريخ الإسلاميّ، حتّى أصبح مَعْلَمً تاريخيًا بارزًا ومهمً.
- وقد تميّز بمِئذنته الّتي تُعَدُّ من أجمل المآذن الّتي بناها المسلمون.
- كما تميّز بأبوابه الضّخمة وقِبابهِ.
- أمّا منبره فيُعَدُّ تحفة فنّيّة رائعة، وهو أقدم منبر في العالم الإسلامي ما زال محتفظًا به في مكانه الأصلي.
ب. الدّوْر العلميّ لجامع القيروان:
- كانت مدينة القيروان أولى المراكز العلميّة في المغرب العربيّ، وقد دخلها كثير من الصّحابة الكرام خلال فترة فتح إفريقيّة، منهم أبو ذرّ الغفاريّ وعبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
- وكانت حلقات التدريس في جميع العلوم تعقد في جامع القيروان الّذي كان له دور كبير في نشر الدّين وتعليمه وتعليم اللّغة العربيّة.
- وقد أمَّ الجامع وزاره ودرّس في مدارسه كوكبة عظيمة من العلماء على مرّ العصور، ومن أشهرهم:
- الإمام المجاهد والقاضي الفقيه أسد بن الفرات، وهو قاضي القيروان وفاتح صِقِلّية، وقد كان تلميذًا للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه.
- الفقيه المالكيّ القاضي سُحنون بن سعيد التنوخي، وهو من مواليد مدينة القيروان، وقد كان تلميذًا للإمام أسد بن الفرات، ومن أشهر مؤلّفاته (المدوّنة الكبرى) في الفقه المالكيّ.
- ابن رشيق القيروانيّ، له كتاب (العمدة في معرفة صناعة الشّعر ونقده وعيوبه).
ج. دوره في الدّعوة والجهاد:
- بالإضافة إلى دوره العلميّ كان لجامع القيروان دور مهمّ في الجهاد والمقاومة؛ فقد كان مركزًا لجيوش المسلمين في بلاد المغرب العربيّ.
- وفي العصر الحديث كان له دور مهمٌ في مقاومة المستعمرين وتحفيز أبناء تونس وتوجيههم للتحرّر من الاستعمار.
ثانيًا: الجامع الأُمويّ
أ . تاريخه:
- يُعدُّ الجامع الأمويّ من أهمّ معالم مدينة دمشق وأشهرها على الإطلاق.
- ويُطلق عليه في بعض الأحيان اسم مسجد بني أُميَّة الكبير؛ لأنّه بُنيَ في عصر الخلافة الأُمويَّة وأشرف على بنائه الخليفة الوليد بن عبد الملك بنفسه.
- بناؤه ووصفه:
- استغرق إنجازه قرابة عشر سنوات، وقد بُني بطريقة هندسية بديعة.
- وتمّت زخرفته زخرفة متناهية الدّقّة والإتقان.
- وله مئذنتان، وستة أبواب، وعدّة محاريب وقباب.
ب. الدّوْر العلميّ لجامع الأُمويّ:
- درّس في المسجد الأمويّ ثُلّةٌ من العلماء الأفاضل، ومن أبرزهم:
- الإمام أبو حامد الغزاليّ رحمه الله مؤلّف كتاب (إحياء علوم الدّين).
- الإِمام العلّامة شَرَفُ الدِّينِ النَّوَوِيُّ رحمه الله مؤلّف كتاب (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج).
- العلّامة العَجلونيُّ رحمه الله مؤلّف كتاب (كشف الخفاء ومُزيل الإلباس عمّ اشتُهِرَ من الحديث على ألسنة الناّس).
ج. دوره في الدّعوة والجهاد:
- كان للجامع الأمويّ دور مهمّ في دفع الظّلم ومقاومة المستعمرين:
- انطلقت منه الحملات لمقاومة الصليبيّين زمن احتلال بيت المقدس.
- انطلق منه المفكّرون والعلماء يوجّهون النّاس لمقاومة المُستعمرِين في العصر الحديث، وطَرْدِهم من بلاد الشّام.
-
صورة مشرقة:
-
عندما دخل الاستعمار الفرنسيّ إلى سوريّة حاول استمالة المسيحيّين، فأبلغ (الجنرال غورو) أحد أعيان دمشق من المسيحيّين (فارس الخوري) بأنّ فرنسا جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيي الشّرق.
-
قصد (فارس الخوري) الجامع الأُمويّ وصعد المنبر وقال مخاطبًا جموع النّاس في المسجد: «إذا كانت فرنسا تدّعي أنّها احتلّت سوريّة لحمايتنا نحن المسيحيّين من المسلمين، فأنا كمسيحيّ أطلب الحماية من شعبي السّوريّ »، يريد بذلك أنّه يرفض ادّعاء فرنسا، فأقبل عليه النّاس وحملوه على الأكتاف وخرجوا به في مظاهرة تطوف أحياء دمشق.
-
وخرج المسلمون والمسيحيّون من أهل دمشق يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون ضدّ المستعمر الفرنسيّ.
-
ثالثًا: الجامع الأزهر
أ . تاريخه:
- تمّ إنشاء الجامع الأزهر في عهد الدّولة الفاطميّة في القرن الرّابع الهجريّ مع تأسيس مدينة القاهرة.
- بناؤه ووصفه:
- يتميّز الجامع الأزهر بتصميم معماريّ فريد.
- كما يتضمّن خمس مآذن.
- وله ساحة خارجيّة كبيرة.
- وعلى مرِّ الزّمن أُضيف له عدد من المدارس، والمحاريب، والمآذن.
ب. الدّوْر العلميّ للجامع الأزهر:
- استأثر الجامع الأزهر بمكانة دينيّة وعلميّة مرموقة في عهد المماليك، حتّى أصبح المركز الرئيس للدّراسات الإسلاميّة في مصر والعالم الإسلاميّ، وغدا بمثابة الجامعة الإسلاميّة الكبرى الّتي يقصدها علماء العالم الإسلامي وطلبة العلم من كلِّ مكان.
- في ظلّ الخلافة العثمانيّة:
- أصبح الجامع مقصدًا علميًّا يفد إليه أعلام الفكر الإسلاميّ يتصدّرون الحلقات الدراسيّة في رحابه.
- توافد عليه طلّب العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلاميّ؛ لينهلوا من شتّى المعارف الّتي تُدَرَّس فيه.
- من أهمّ ما تميّز به الأزهر في ذلك العصر هو ظهور منصب شيخ الأزهر.
- ومن أشهر العلماء الّذين ارتبطت أسماؤهم بالأزهر:
- العلّامة ابن خُلدون مؤسّس علم الاجتماع وصاحب المقدّمة الشهيرة (مقدّمة ابن خُلدون).
- ابن حَجَر العسقلانيّ مؤلّف كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاريّ).
- الإمام السّخاويّ مؤلّف كتاب (المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة).
- القلقشنديّ مؤلّف الموسوعة الضّخمة (صبح الأعشى في صناعة الإنشا)، وغيرهم من العلماء.
- يُعدُّ الجامع الأزهر من أهمّ المساجد الجامعة في مصر وأشهرها في العالم الإسلاميّ.
- وهو اليوم أقدم جامعة عالميّة متكاملة، تضمّ كلّيّات الطّبِّ والهندسة والشّريعة ومختلف العلوم في مختلف أنحاء مصر.
- وما يزال قِبلة العلم لكلِّ المسلمين، ومنهل الوسطيّة، ومنارة الإسلام الشّامخة.
ج. دوره في الدّعوة والجهاد:
- للجامع الأزهر دور وطنيّ كبير:
- انطلقت منه حملات عِدّة لمقاومة المحتلّين والمستعمرين في مراحل التّاريخ المختلفة؛ فقد قام الجامع الأزهر بقيادة المقاومة الشّعبيّة ضدّ الحملة الفرنسيّة الّتي قادها نابليون بونابرت.
- انطلقت منه المظاهرات الضّخمة ضدّ الاحتلال البريطانيّ لمصر .
الإِثراءُ والتَّوسُعُ
- يُقدّر عدد المساجد في العالم اليوم حوالي 4 مليون مسجد.
- وفي إندونيسيا وحدها حوالي 800 ألف مسجد؛ فهي أكبر بلدان العالم في عدد المسلمين؛ ففيها حوالي 230 مليون مسلم.
- وفي الهند حوالي 300 ألف مسجد، وهي ثاني دولة في عدد المسلمين إذ يصل عدد المسلمين فيها حوالي 200 مليون مسلم.
- وقد بلغ عدد المساجد في الأردنّ وفق إحصائيّة وزارة الأوقاف والشّؤون والمقدّسات الإسلاميّة الأردنيّة عام 2022 م نحو (7300 ) مسجدٍ.