مقدمة
كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم في بيته زوجاً حنوناً، وأباً رحيماً بأبنائه وبناته، وقد شاء الله أن جعل للنّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أكثر من أربع نساء لِحِكَم كثيرة، منها:
- نشر أحكام الإسلام بشكل عام، وخاصّة الأحكام المتعلّقة بالأسرة؛ وذلك أنّهن يعلمن من الأحكام الخاصّة بالأسرة أكثر من غيرهنّ؛ لقربهن من النّبي صلى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى مخاطباً زوجات النّبي صلى الله عليه وسلّم: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا).
- توثيق العلاقات بين النّبي صلّى الله عليه وسلّم وبين بعض القبائل التي تزوّج منها، وذلك أنّ المصاهرة تزيد الألفة والمحبة.
- تأليف قلوب بعض القبائل؛ إذ تزداد الألفة والمحبة والوُدُّ والاحترام بالنسب والمصاهرة.
- الرحمة ببعض الأرامل ممّن فقدن أزواجهن في الجهاد ونحوه، فقد تزوج النبي صلّى الله عليه وسلّم أمّ سلمة رضي الله عنها، بعدأن توفيّ زوجها.
من جوانب تعامل النّبي صلّى الله عليه وسلّم في بيته:
أولاً: تواضع النّبي صلّى الله عليه وسلّم في بيته.
- كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متواضعاً في بيته؛ فكان: يقوم بأعمال أهله، ويعاونهم في حاجاتهمL
- يَفْلِي ثَوْبَهُ (يخيط ثوبه).
- ويحْلُبُ شَاتَهُ.
- وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ.
- سئلت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت: (كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ).
ثانياً: رحمة النّبي صلّى الله عليه وسلّم بزوجاته وأبنائه وبناته، وحبّه ومشاركتهم.
- كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم رحيماً بزوجاته، يحبهنّ ويحسن إليهن، ويعاملهنّ بالحسنى.
- كان رحيماً بأبنائه وبناته، فقد فرح بولادتهم فرحاً شديداً، وكان يحسن معاملتهم وتربيتهم.
- من كرم أخلاق النّبي صلّى الله عليه وسلّم مع زوجاته، أنّه كان وفيّاً في حبّه لهن. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ! قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا).
- كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يلاطف زوجاته، ويمازحهنّ؛ فعن عائشة رضي الله عنها في سفرٍ. قالت: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، عَلى رِجلي، فَلَمّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ).
- من رحمته صلّى الله عليه وسلّم ببناته، أنّه كان يقدّرِّهنّ ويحترمهنّ ويعطف عليهنّ، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها روج النَّبي صلّى الله عليه وسلّم في تعامل النّبي صلّى الله عليه وسلّم مع فاطمة رضي الله عنها: (وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَرَحَّبَ بِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فرحبت وَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا).
- كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يحبّ أبناءه وأحفاده ويحنو عليهم ويعاملهم برفق، فكان يقول في الحسن والحسين رضي الله عنهما: (هُمَا رَيْحَانَتَايَ من الدُّنيا). و(كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سجَدَ وثبَ الحسنُ والحسينُ رضيَ اللهُ عنهما على ظهرِهِ، فإذا أَرادوا أن يمنَعوهما أشارَ أن دَعوهما، فإذا قَضى الصلاةَ وضَعهما في حِجْرِه وَقالَ: مَن أحبَّني فليُحبَّ هَذين).
- وقد حزن النّبي صلّى الله عليه وسلّم على وفاة من مات من أبنائه وبناته في حياته حزناً شديداً، مع صبره واحتسابه الأجر من الله تعالى، فعندما تُوفي ابنه إبراهيم رضي الله عنه قال صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولا نَقولُ إلا ما يُرضِي رَبّنا، وإنَّا بِفِراقِك يا إبراهيمُ لَمحزُونون).
ثالثاً: تعليم النّبي صلّى الله عليه وسلّم زوجاته وبناته أمور الدين.
- أمر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلّم أن يبيّن ويأمر زوجاته وبناته بأداء الفرائض. قال الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).
- وقد كانت زوجات وبنات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعلمَ النّاس بأحكام الأسرة، وقد كنّ ينقلن أحكام الدّين التي تعلَّمنها من النّبي صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين بعد وفاته.
رابعاً: عدل النّبي صلى الله عليه وسلّم في بيته.
- كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يتعامل مع أزواجه وبناته بالعدل، فلا يحابي أحداً على أحد، بل كلهم عنده في المعاملة سواءٌ.
- وكان إذا أراد أن يخرج في سفر قرعَ بين زوجاته، فمن خرج سهمها تُصاحبه في سفره.
- وكان عادلاً بين بناته يعاملُهن بالمساواة والعدل، فلا يميز واحدة عن الأخرى. قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (اتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم).