
تعدّ الألعاب الإلكترونيّة أحد أبرز المخترعات الّتي أفرزتها الثّورة التّكنولوجيَّةُ والرَّقْميَّة، وقد حظيت هذه الألعاب بإقبال لافت من فئات مختلفة من المجتمع وبخاصة الأطفال. ويعود تاريخ ظهورها إلى منتصف القرن الماضي، ويتم تطوير هذه الألعاب من لدنّ فرق متخصصة تضمّ خبيرين من مجالات عدّة من مهندسي البرمجة المتخصصين في تطوير محرّك اللّعب، وأزرار القيادة، ومختلف أجهزة التّحكّم، والفنانين المتخصّصين في إنتاج المحتوى البصريّ للشَّخصيَّاتِ المُتحرّكة والمُصمّمين المتخصّصين في تطوير الأرضيَّةِ ، ومَسرح الأحداث، وما يحيط به من عوامل طبيعيّة وجغرافيّة وما إلى ذلك من تفاصيل .
ولعلّ القفزة الكبيرة الّتي حدثت في الألعاب الإلكترونيّة تتمثّل في البعد التّفاعليّ لهذه الألعاب، الّذي يتيح للّاعِب التّحكّم في مجريات اللّعب وتفاصيله؛ فعمليّة الاتّصال في الألعاب الإلكترونيّة ذات الطّابع التّفاعلي تكون ثنائية الاتّجاه، الأمر الّذي يعزز في الطِّفْلِ كثيرًا من القيم والسّلوكات، وأهمّها القدرة على اتّخاذ القرار، وتعزيز مهارة الاختيار من بين الخيارات المتاحة على فضاء الشّاشة؛ فالألعاب الإلكترونيّة هي الطّريق السّريع إلى ذهن أكثر تيقظًا ونباهةً.
تتيح الألعاب الإلكترونيّة فرصًا لا متناهيةً في إذكاء الخيال، وتشحذ المقدرة على التّصور وتفتح المدى الفسيح أمام طاقة الإلهام. فعن طريق ألعاب الواقع الافتراضيّ يستطيع الفرد أن يتصوَّرَ أنَّه يقود طائرة في الشّروط والظّروف ذاتها المحيطة بقيادة الطّائرة مثلًا، ومن التّطبيقات الّتي تنتمي إلى الواقع العمليّ استخدام المحاكي في التّدريب علــى قيادة الطّائرات، وما إلى ذلك من تطبيقات تدريبيّة مفيدة.
وقد كشفت دراسات أن بعض الجّراحين الّذين مارسوا الألعاب الإلكترونيّة في طفولتهم وما يزالون يواظبون عليها، أظهروا سرعة ودقّة أكثر في مجال جراحة المناظير، وذلك لما تمنحــه هذه الألعاب لممارسيها من نمو واضح للتّوافق البصريّ الحركيّ الّذي يُعدّ الأساس التّكيفي في كثير من المهارات التّطبيقيّة ذات الطّابع المهنيّ والعمليّ ، بيد أنَّ ذلك لا يعطي الأطفال الضَّوْءَ الأخضر للإفراط في استخدام هذه الألعــاب.
وإلى جانب تنمية ملكة الخيال وزيادة العمليّة المعرفيّة بالواقع؛ نجد الجانب التّرفيهيّ والتّرويحيّ للألعاب الإلكترونيّة، ذلك بأنَّهُ مِنْ المعروف أنَّ المقدرة الاستيعابيّة والتّحصيليّة للأطفال تزداد في حال اللّعب. والألعاب الإلكترونيّة المعتمدة علــى الإنترنت مصمّمة على اللّعب مع آخرين موزّعين في أركان الكرة الأرضيّة، فمعظم الألعاب الصّادرة مؤخرًا يجري اللّعب فيها على أساس جماعيّ، وبذلك ينكسر رُهابُ التَّعاملِ مَعَ الآخرين والغرباء، وهي أيضًا تساعد الأطفال في المجموعات المتجانسة على التّواصل الفعالِ مِنْ خلال المشاركة في هذه الألعاب.
وتسهم أيضًا وإلى حدّ كبير في زيادة التّآزر الحركيّ البصريّ والتّنسيق والتّوافق بين الحواسّ المختلفة.
ومن المآخذ الكبيرة على الألعاب الإلكترونيّة إسهامها في تغذية النّزعات العنيفة لدى الأطفال والمراهقين، الأمر الّذي يؤدّي إلى كثير من الحوادث ذات الطّابع المدوّي.
أمّا فيما يتعلّق بفسيولوجيا الجسم، فثمَّةَ مَنْ يرى أن ممارسة الألعاب الإلكترونيّة تؤدّي إلى السّمنة والبدانة وتراكم الدّهون، وقد يؤدّي الاستخدام المفرط للألعاب إلى حدوث بعض الإشكالات في الأربطة والعضلات الّتي تُحرّك الإبهام، وغيره من الأصابع المستخدمة في أثناء اللّعب، في حين أن بعضهم يرى أنّ تقمّص دور اللاعبين أو الأبطال أو المحاربين يؤدّي إلى حرق السّعرات الحراريّة بشكل كبير، ومن ثمّ ينتفي هذا التّخوف.
وختامًا يجب تشجيع الألعاب ذات الطّابع الخلويّ، وإقامة المعسكرات التّرفيهيّة، وتشجيع القراءة، والأنشطة الرّياضيّة. ومن الضرورة بمكان أن ينخرط الوالدانِ مَعَ أبنائهم في هذه الألعاب، ولو على قدر يسير مِنَ الزَّمن، ما يُضفي الطّابع الأسريّ على اللعب، ويجعل الوالدين أكثر قربًا ومعرفة بالمحيط الثّقافي والاجتماعيّ الّذي يتحرَّك فيه الأبناء. إنَّ الألعاب الإلكترونيّة في حدّ ذاتها لا يمكن تصنيفها أمرًا جيّدًا أو سيّئًا، إِلَّا أَنَّ مَدَّةَ الاستخدام والوقت الّذي يُقضى في ممارستها هو ما يجعلها كذلك. ( بتصرّف ) .