الإستماع
قالوا في المثَل:
أجودُ من حاتم
وَهُمْ يَقْصِدُونَ حاتمًا الطائيَّ، وكانَ مِنْ سادة العرب وفرسانهم في الجاهليَّة، وكان جوادًا شاعرًا شجاعًا، إذا قاتل غَلَب،َ وإذا سُئِلَ وَهَب،َ وإذا أَسَرَ أَطْلَق،َ وإذا مَلَكَ أَنْفَق،َ وكانَ أَقسم بالله لا يَقتُلُ واحدَ أُمِّهِ.
ومن حديثه أنَّ امرأة حاتم، واسمها ماويّة، قالَت:ُ أَصابتِ النَّاسَ سَنَةُ مَحْل شديدة؛ أَجْدَبَتْ فيها الأرضُ لاحتباس المطر، فيبسَتِ المراعي، وهلَكَتِ المَواشي، فَبِتْنَا ذَاتَ لَيْةٍ بِأَشَدِّ الجوع، فَأَخَذَ حَاتِمْ وَلَدَنا عَدِيًّا، وأخذت أنا ابنتنا سفَّانَةً فَعَلَّلْنَاهُما ولهَّيناهما حتى ناما، ثُمَّ أَخَذَ حاتمٌ يُعَلّلني بالحديث لأنام، فَرَقَقْتُ لَهُ وَأَشْفَقْتُ مِنْ حَالِهِ لِمَا بِهِ مِنَ الجَهْد،ِ فَأَمْسَكْتُ عَنْ كلامِهِ لِيَنَامَ وَيَظُنَّ أَنِّي نَائِمَةٌ، فقال لي: أَنمْتِ ؟ مِرَارًا، فَلَمْ أُجِبُه،ُ فَسَكَتَ ثُمَّ نظر فإذا شيءٌ قَدْ أَقبل فَرَفَعَ رأسه، فإذا امرأة تقول: يا أبا سفَّانة، أتَيْتُكَ مِنْ عند صبية جياع. فقال: أحضريني صبيانك؛ فوالله لأشْبِعَنَّهُم. قالت : فقمْتُ مُسْرِعَة،ً فقلْت:ُ ما تُطْعِمُهم؟ وَبِمَ تُشْبِعُهُم يا حاتم؟ فَو اللهِ مَا نَامَ صِبْيَانُكَ مِنَ الجوع إلا بالتعلّيل والتّلهِيَة،ِ فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ فذبَحَه،ُ ثُمَّ أَجَّج نارًا، وقال للمرأة: الليلةَ تَأْكُلِينَ وَتُطْعِمِينَ ولدكِ. وقال لي : أَيْقِظِي صِبيَتَكِ ، فَأَيْقَظْتُ عَدِيًّا وسَفَّانة، ثُمَّ قَالَ : واللهِ إِنَّ هذا لَلُؤمٌ أَنْ تأكُلُوا وأهل الحي حالهم كحالِكُم،ْ فَجَعَلَ يأتي البيوت بيتًا بيتًا، يدعو الناس إلى الطَّعام، فاجتمع الناس وأكلوا، أما حاتم فَقَعَد ناحية حَتَّى لم يبق مِنَ الفرس على الأرض قليل ولا كثير، وَلَمْ يَذُقُ مِنْهُ شَيئًا.
وأخبار حاتم الطائيِّ وَجُودِهِ كثيرةٌ منتشرةٌ، وقد ذاعَتْ في الجاهليّة حتى صار مضربًا للمثل، فإذا أرادت العرب وصف أحد بالكرم قالت: فلان أجودُ مِنْ حاتم؛ دلالة على جود الموصوف وعظيم كرمه. وزَعَمَ الطَّائيّون أن حاتما أخذ الجود عَنْ أَمِّهِ غَنِيَّةً بنت عفيف الطائيَّة، وكانَتْ مِنْ عجائب الدنيا في الجود والسخاء.
الميدانيّ، مجمع الأمثال، بتصرّف