التداخل والحيود لموجات الضوء
طبيعة الضوء:
تطورت النظرة إلى الضوء على يد كثير من العلماء.
فقد افترض العالم نيوتن أن الضوء سيل من الجسيمات الصغيرة، واستخدم نموذجه الجسيمي في تفسير ظاهرتي انعكاس الضوء وانكساره.
ثم اقترح العالم هيغنز أن الضوء موجات، وأثبت أن النموذج الموجي للضوء يمكنه أيضًا أن يُفسر ظاهرتي الانعكاس والانكسار.
ثم جاءت بعد ذلك، تجربة العالم يانغ لتقدّم دلي اًل تجريبيًّا قاطعًا على أن للضوء طبيعة موجية، حيث أثبت أن الأشعة الضوئية يمكنها أن تتداخل؛ هذا السلوك الذي لا يمكن تفسيره باستخدام النموذج الجسيمي.
بالإضافة إلى ذلك، أدت الكثير من الإنجازات خلال القرن التاسع عشر إلى قبول النموذج الموجي للضوء، وأهمها ماتوصل إليه العالم ماكسويل بأن الضوء موجات كهرمغناطيسية.
في النهاية، توصل العلماء أن للضوء طبيعة مزدوجة؛ موجية وجسيمية. وسنتناول في هذا الدرس ظاهرتين توضحان الطبيعة الموجية للضوء، هما: التداخل، والحيود.
الطبيعة الموجية للضوء

هي موجات مستعرضة يتعامد فيها اتجاه تذبذب كلا المجالين؛ الكهربائي، والمغناطيسي، مع اتجاه انتشارها.
تنتقل في الفراغ بسرعة () مهما كان تردّدها، وتقل هذه السرعة في الأوساط المادية.
تداخل موجات الضوء
تعلمت أنّ ظاهرة التداخل تحدث في الموجات الميكانيكية الطولية والمستعرضة، وهي تحدث أيضًا في الموجات الكهرمغناطيسية، لكن ضمن شروط معينة.
عند وضع مِصباحين ضوئيين متجاورين كما في الشكل ومراقبة الضوء الصادر منهما؛ لا يمكننا مشاهدة تداخل الضوء؛ وذلك لعدم وجود فرق ثابت في الطور بين الموجات الصادرة عن المصباحين.
فالمصباح الضوئي العادي يُصدر ضوءًا طوره ثابت لمدة زمنية لا تتجاوز نانو ثانية ثم بعد ذلك يتغير ثابت الطور تغيرًا عشوائيًّا، ما يعني أن نمط تداخل معين يمكن أن يحدث خلال هذه المدة فقط.
ومثل هذه المصادر الضوئية تُسمّى مصادر غير متناغمة.
كي يظهر نمط تداخل منتظم يمكن ملاحظته في موجات الضوء، لابدّ من أن تكون موجات المصدرين الضوئيين متناغمة ، وهي موجات لها التردد نفسه وتحافظ على فرق ثابت في الطور بينها.
أتحقّق: هل يكون مصدران ضوئيان أحدهما أخضر والثاني أحمر متناغمين أم لا؟ أُوضّح إجابتي.
الحل:
لا يكون المصدران الضوئيان الأحمر والأخضر متناغمان، لأنهما مختلفان في الطول الموجي، ولون الضوء يدل على طوله الموجي، بينما التناغ يتطلب أن تتساوى موجات المصدرين في الطول الموجي.
تداخل الشق المزدوج:
يمكن الحصول على مصدرَي ضوء متناغمين؛ بوضع حاجز يحتوي على شقّين أمام مصدر ضوئي أحادي اللون، بهذه الطريقة فإنّ الضوء الصادر من الشقّين يكون أحادي اللون ومتناغمًا.
وقد أجرى العالم توماس يانغ تجربته الشهيرة التي أسهمت في إثبات الطبيعة الموجية للضوء؛ إذ مرّر الضوء خلال شقّ صغير في قطعة من الورق فحصل على شعاع رفيع، ثم استخدم بطاقة ورقية رقيقة تحتوي على شقّين ضيّقين متوازيين ومتجاورين، فنفذت موجات الضوء من الشقّين باتّجاه الحاجز.
لاحظ يانغ نمط تداخل كالذي ينتج من تداخل موجات الماء.
يمكن الآن إجراء تجربة مماثلة لتجربة يانغ، باستخدام ضوء أحادي اللون، على نحو ما يُبيّن الشكل:

1) يتكوّن عند النقطة ( P) في الشكل (أ) هدب مضيء ناتج من تداخل بنّاء لشعاعين متّفقين في الطور، لأنّهما قطعا مسافة متساوية، ويُسمّى الهدب المركزي.

2) يتكوّن عند النقطة (

3) يتكوّن عند النقطة ( Q) في الشكل(ج) هدب مضيء ناتج من تداخل بنّاء لشعاعين متّفقين في الطور؛ لأنّ فرق المسار بينهما موجة كاملة.(

4) تتكوّن الأهداب المضيئة والمعتمة على جانبَي الهدب المركزي، وتكون متماثلة، وتفصلها مسافات متساوية، ويمكن الاطّلاع عليها في الجدول (2) الآتي:

يرتبط تكوّن الأهداب المضيئة والأهداب المعتمة على الحاجز بعلاقات رياضية مع العوامل التي أدّت إلى تكوّن هذه الأهداب.
التداخل في الأغشية الرقيقة:
نشاهد أنماط تداخل موجات الضوء في الأغشية الرقيقة، مثل طبقة رقيقة من الزيت أو أحد المشتقات النفطية على سطح الماء، أو غشاء فقاعة الصابون.

فعندما يسقط ضوء أبيض على هذه الأغشية، نلاحظ ألوانًا مختلفة كما في الشكل (أ). تنتج من تداخل الموجات المنعكسة عن طبقتي الغشاء الداخلية والخارجية .
طلاء عدسات آلات التصوير:

تطلى عدسات آلات التصوير بطبقة رقيقة من مادة شفافة لها معامل انكسار أقل من معامل انكسار زجاج العدسة، يكون سمك هذه الطبقة بمقدار ربع طول موجي، فينتج من ذلك أن تتداخل الأشعة المنعكسة عن وجهي الطلاء الخارجي والداخلي تداخل هدامًا، ما يقلل من انعكاس الضوء عن العدسة بنسبة كبيرة جدا، وهذا يزيد من كمية الضوء التي تعبر العدسة ويحسن كفاءة التصوير.
عند تحديد سمك طبقة الطلاء تكون المقارنة مع متوسط الأطوال الموجية للضوء المرئي، ما يجعل الأشعة التي تقع في طرفي الطيف المرئي تنعكس عن الطلاء.
ألاحظ انعكاس اللون البنفسجي عن العدسة في الشكل (ب).
حيود موجات الضوء:
الحيود ظاهرة موجية تحدث للموجات الميكانيكية وللموجات الكهرمغناطيسية أيضًا، مثل موجات الضوء، كما لاحظنا في تجربة يانغ بعد أن نفذ الضوء من الشقّين ).
الحيود عبر شقّ ضيّق
عند مرور شعاع ضوئي من شقّ ضيّق، ينتشر الضوء على جانبَي الشق، وإذا أتيح للضوء السقوط على حاجز بعيد مقابل الشقّ؛ فإنّه يكوّن أهدابًا مضيئة وأخرى معتمة، على نحو ما يُبيّن الشكل.

تتكوّن هذه الأهداب نتيجة حدوث تداخل بنّاء وآخر هدّام لأشعّة الضوء التي نفذت خلال طرفَي الشقّ الضيّق.
أي إنّ ظاهرة الحيود تؤدّي إلى التقاء الموجات، ما يُسبّب حدوث تداخل بينها.
محزوز الحيود
كيف تم الحصول على مصدرين متناغمين من مصدر واحد، بوضع حاجز يحتوي على شقّين متجاورين.
بالطريقة نفسها تعمل أداة تسمى محزوز الحيود وهي سلسلة من الشقوق المتوازية التي تفصلها مسافات متساوية يمرّ خلالها الضوء.
وتُصنع من قطعة زجاجية أو بلاستيكية شفافة، تُرسم عليها خطوط سوداء رفيعة متوازية، تفصلها مسافات شفّافة تُشكّل الشقوق، التي قد يزيد عددها على 600 شقّ في الملمتر الواحد، على نحو ما يُبيّن الشكل.

حيود ضوء أحادي اللون:
عند سقوط ضوء أحادي اللون على محزوز الحيود؛ فإنّه ينفذ من الشقوق جميعها، ويحدث له حيود فيخرج من كلّ شقّ باتّجاهات عدّةٍ، على نحو ما في الشكل، ثم تتداخل أشعّة الضوء كما يحدث في حالة الشقّين المتوازيين.
وقد أُعطي رقم خاصّ لكلّ هدب مضيء ناتج من تداخل بنّاء، فالهدب المركزي رقمه (0)، ثم يليه الهدب رقم (1)من الجهتين، وهكذا... وتزداد الأرقام بزيادة زاوية حيود الأشعّة.
ويكون نمط الحيود متماثلً على جهتَي الشعاع المركزي.
أُلاحظ الشكل)ج( الذي يُبيّن نمط الحيود الناتج من إسقاط ضوء ليزر أخضر على محزوز حيود، يظهر الشعاع المركزي وهو الأكثر سطوعًا، ثمّ الشعاعان (n=1) ثمّ الشعاعان (n=2) عن اليمين واليسار.
كلّ بقعة مضيئة على الحاجز في الشكل نتجت من عملية تداخل بنّاء بين الأشعّة الصادرة من شقوق محزوز الحيود، بسبب اتّفاقها في الطور. لتسهيل الحسابات؛ سنختار شعاعين فقط صادرين من شقّين متجاورين في المحزوز.
بالنسبة إلى البقعة المركزية التي يُشار إليها بالرتبة (n=0) فإنّ فرق المسار بين الشعاعين يساوي صفرًا. أمّا البقعة المضيئة الأولى من جهتَي اليمين أو اليسار، فرتبتها (n=1)، وفرق المسار بين شعاعيها ()
والبقعة المضيئة الثانية التي رتبتها (n=2) فإنّ فرق المسار بين شعاعيها ()
بوجهٍ عامّ، عند البقعة المضيئة التي رتبتها (n)؛ فإنّ فرق المسار بين الشعاعين يُساوي ()حيث n عدد صحيح.
حيود الضوء متعدد الألوان
لاحظتُ أنّ الضوء أحادي اللون يحدث له حيود عند مروره خلال محزوز الحيود، فتظهر على الحاجز أهداب مضيئة برتب مختلفة. هل تنحرف الألوان جميعها بالزاوية نفسها؟ أم أنّ لكلّ لون زاوية؟ أُجريت تجربة لدراسة أثر الطول الموجي في مقدار زاوية الحيود، استُخدم فيها ثلاثة مصادر أحادية اللون )أزرق وأخضر وأحمر(، لإسقاط الضوء على محزوز حيود في اللحظة نفسها.
تطبيقات على ظاهرتَي تداخل الضوء وحيوده
يُستخدم محزوز الحيود لتحليل الطيف الناتج من التركيبات الذرية والجزيئية، وكذلك في تحليل أطياف النجوم لدراسة تركيبها وخصائصها الأخرى.
ويستخدم أيضًا في تصوير بعض العيّنات الطبّية، باستخدام أطوال موجية محدّدة، أو تحفيز بعض الجزيئات في خلايا هذه العيّنات.
تعرّفنا محزوز الحيود الشفّاف الذي ينفذ منه الضوء، ثمّ يحيد ويتداخل.
ولكن، يوجد محزوز حيود عاكس بحيث يحتوي على خطوط دقيقة عاكسة وأخرى معتمة لا تعكس الضوء، فيحدث للضوء المنعكس حيود وتداخل وتحليل إلى الألوان المختلفة، وهذا يوجد في الطبيعة ضمن تركيب ريش بعض الطيور؛ كما في الطائر الطنان، وتركيب أجنحة بعض الفراشات الملونة.
قوّة التفريق في محزوز الحيود:
يُعدّ استخدام محزوز الحيود مع جهاز المطياف الضوئي عند تحليل طيف معيّن، أكثر دقّة من استخدام المنشور للغرض نفسه؛ وذلك لأنّ الخطوط الملوّنة في المنشور تكون عريضة ومتداخلة، في حين تكون الخطوط الملوّنة في محزوز الحيود دقيقة ومنفصلة بعضها عن بعض، وتكون إضاءتها أيضًا أكثر شدّة.
