عربي مادة الأدب فصل أول

الثاني عشر خطة جديدة

icon

العصر الجاهليّ

الجاهليّة :

 ممّا اتّفق عليه أنّ العصر الجاهليّ يمثّل الحقبة الّتي تقع في حدود قرن ونصف إلى قرنين قبل البعثة النّبوية، وهي الحقبة الّتي تكاملت بها خصائص اللغة العربيّة.

 

معنى كلمة الجاهليّة:

 

من الجدير بالذّكر أنّ كلمة الجاهليّة الّتي أطلقت على هذا العصر تحمل معاني السّفه والطّيش، وهي ليست مشتقّة من الجهل الّذي هو ضد العلم، ودليل ذلك أنّ العرب آنذاك كانوا أصحاب فكر وفلسفة، وكان لهم نصيب وافر من العلوم، فليس من الصّحيح نعتهم بالجهل الّذي هو نقيض العلم. والشّاهد على أن معنى الجاهليّة يدلّ على السّفه والطّيش قول عمرو بن كلثوم:

أَلا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ عَلَيْنا                           فَنَجْهَلَ فوقَ جَهْلِ الجّاهِلينا

ومعنى ذلك: لا يسفهن أحد علينا فنسفه عليهم فوق سفههم، فالشّاعر هنا يحذّر الجميع من أن يتطاول عليه وعلى قبيلته أحد بالسّفه أو الطّيش؛ لأنّهم إنْ أرادوا الردّ، فإنّ ردهم سيكون أعنف وأشدّ قسوة من أي طيش عرفه النّاس.

 

علاقة الشّعر الجاهليّ بالحياة

?أولًا: ملامح الحياة الجاهليّة:

1- النّظام القبليّ: يتمحور النّظام القبليّ حول الولاء المطلق من الفرد لقبيلته، ويتجلّى ذلك في التّفاني والإخلاص التّام لها، والسّعي الدّائِم لرفع مكانتها وإعلاء كلمتها، وقد يصل الأمر إلى ذوبان شخصيّة الفرد أمام قبيلته، فالرّأي لها أولًا وأخيرًا. يقول دريد بن الصّمة في تقديم رأي قبيلته (غَزيّة) على رأيه:

           أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِوى                    فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلّا ضُحى الغَدِ

 فَلَمّا عَصوني كُنتُ مِنهُم وَقَد أَرى           غِوايَتَهُم؛ وَأَنَّني غَيرُ مُهتَدي

   وَهَل أَنا إِلّا مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت                    غَوَيتُ وَإِن تَرشُدْ غَزيَّةُ أَرشَدِ

 

2- غياب الحكومة المركزيّة: افتقر العرب في العصر الجاهليّ إلى كيان سياسيّ موحد يجمعهم، وبسبب هذا الفراغ السّياسيّ، لم يكن هناك انتماء لدولة واحدة، بل كان الولاء موجهًا للقبيلة، لهذا كانت القبيلة هي صاحبة السّلطة الفعليّة والقرار النّهائيّ في تنظيم شؤون النّاس وحل نزاعاتهم. وتجدر الإشارة إلى أنّه على الرّغم من قيام بعض الممالك في أطراف أرض العرب، إلّا أن نفوذها ظل إقليميًّا ومحدودًا، ولم تنجح أي منها في توحيد العرب جميعًا تحت لوائها.

3- صعوبة الحياة: فرضت طبيعة أرض الجزيرة بصفائها القاحل وشمسها الحارقة وأمطارها الشّحيحة واقعًا قاسيًا على الحياة فيها، وهذه القسوة هي الّتي تفسّر لنا بوضوح سبب اعتماد العرب على الارتحال الدّائم، ونتيجة لذلك، ليس من المستغرب أن نجد مقدمات القصائد الجاهليّة حافلة بوصف المكان، وتصوير دقيق للطّبيعة القاسية، ومشاهد التّنقل والارتحال.

4- الاقتتال الدّائم: يُعدّ الاقتتال الدّائم سمة بارزة للحياة الاجتماعيّة في العصر الجاهليّ، كما صوّرها الشّعر بوضوح، وهذه السّمة لم تكن عشوائيّة، بل كانت محكومة بقوانين صارمة، أهمها قانون الأخذ بالثّأر، فلم يكن الثّأر مجرد رد فعل، بل كان واجبًا اجتماعيًّا مقدسًا، لدرجة أن بعض الفرسان كانوا يُحرّمون على أنفسهم مظاهر النّعيم والملذات، كالنّوم الهانئ أو استعمال الطّيب، حتى ينجزوا ثأرهم وينتقموا من القاتل. والشّاهد على ذلك قول تأبط شرًّا:

قليلُ غِرار ِالنَّومِ أكبرُ هَمّهِ                          دَمُ الثَّأرِ أو يَلقى كَميّا مُشَيّعَا

ويزخر التّاريخ بذكر معارك طاحنة وحروب مشهورة عُرِفت بـ "أيام العرب"، ويُعتقد أن هذه التّسمية جاءت لأنّ وقائعها كانت تدور نهارًا. ومن أشهر هذه الحروب: حرب البَسُوس بين قبيلتي بكر وتغلب، وحرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان. كما يُسجَّل التّاريخ يوم ذي قار، الّذي يُعدّ من أعظم أيام العرب لانتصارهم فيه على الفرس، بالإضافة إلى يَوْمُ البَيْدَاءِ بين حِمْير وكَلْب.

5- الإعلاء من مكارم الأخلاق:  اتّصف النّاس في الجاهليّة بالمروءة، الّتي تضم مجمل خصالهم، كالحِلم، والكرم، والوفاء، وحماية الجار، والغض عن العورات، والفروسيّة، والشّجاعة، ولعلّ خصلة الكرم تفوّق الخصال جميعها. ويعد حاتم الطّائي مضرب المثل في الكرم، وكذلك عوف بن الأحوص الّذي يقول في بيان كرمه وقد أشعل ناره للتّائهين، وزجر كلابه حين قدم الضّيوف:

رفعتُ لهُ ناري فَلمّا اهتَدَى بِها                  زَجَرْتُ كِلابي أن يَهِرَّ عَقُورُها

6- التّفاوت الطّبقيّ: كانت القبيلة تتألف من ثلاث طبقات: أبناء القبيلة، والعبيد، والموالي. أمّا السّيادة والغنائم والرّأي فكانت لأبناء القبيلة الأحرار  وأغنيائهم خاصّة. وهذا النّظام الطّبقي قد دفع طائفة من العبيد والفقراء إلى الصّعلكة.

الصّعاليك: فئة من أبناء القبائل مشرّدون تطردهم القبيلة فيهيمون على وجوههم في الصّحراء، ويتخذون النّهب وقطع الطّرق سبيلهم في للعيش، وفي حالات كثيرة كانوا ينطلقون من مبدأ المطالبة بالعدالة الاجتماعيّة، فيتخذون من نهب الأغنياء وسيلة لمساعدة الفقراء، ومن أشهر شعرائهم:

تأبّطَ شرًّا    /      الشَّنفرى    /  عروة بن الورد

 

وكان عروة بن الورد سيّدًا، لكنه اختار الصعلكة مبدأً لنبذ التّفاوت الطّبقي الظّالم. ومن أشهر ما وصلنا من شعر الصّعاليك (لاميّة العرب) للشّنْفَرى وهي قصيدة طويلة تعبِّر تعبيرًا صادقًا عن حياة العربيّ وأخلاقه في الجاهليّة، وترسم صورةً مضيئة للصّعاليك تقوم على الفروسيّة لا اللصوصيّة، يرصدُ فيها تحوّلَه عن الانتماءِ لقبيلتِه واتّخاذَه من حيوانات الصحراء قومًا بديلًا عن قومِه، وفيها يقول:

أقيموا بني أُمّي صُدورَ مَطِيِّكم              فإنّي إلى قومٍ سِواكُم لأَمْيَلُ

لَعَمرُكَ ما بالأرضِ ضيقٌ على امرئٍ       سَرى راغِبًا أو راهبًا، وهو يعقِلُ

ولي، دونَكم، أهلونَ: سيدٌ عَمَلَّسٌ         وأرقَطُ زهلولَ وعرفاءُ جيأَلُ

هُمُ الأهلُ لا مُستَودعُ السرّ ذائعٌ          لديهم، ولا الجاني بما جرَّ يُخذَلُ

 أمّا نساء القبيلة فإماء أو حرائر، أمّا الأَمَة فتعمل على الخدمة، وأمّا الحُرَّة فلها مكانة كبيرة في مجتمعها، تجير المستجيرين، وتختار زوجها في بعض الحالات، وكنّ يرافقن الرّجال في المعارك لاستنهاض هممهم وتطبيبهم. وكان في العصر الجاهليّ العديدُ من العادات المُنْكَرة التي حرمها الإسلام تجاه المرأة من مثل وأدِ البنات وغيرها.

 

 

 ?ثانيًا: نشأة الشّعر الجاهليّ:

ليس ثَمَّة ما يفيد ببدايات الشّعر الجاهليّ وأوّليّته وتطوّره، وإنّ ما وصلنا منه صورة فنية تامّة متّسقة من حيثُ الوزنُ والقافية والموضوعات والأساليب والصّياغات، وقد ألفينا من ذلك مُطوّلات تجري في نظام محدّد من المعاني والموضوعات، فتُفتتَح بالوقوف على الأطلال، ووصفِ المكان وبكاءِ الدّيار والغزل، ويعرّج الشّعراء على وصف رحلاتهم في الصّحراء وإبلهم وخيلهم، فيصورونها في سرعتها وقوّة تحمّلها حتى ينتهي بهم المطاف إلى الغرض الرّئيس من مدح أو هجاء أو فخر أو عتاب أو وصف أو حماسة أو اعتذار.

إن هذه النّماذجَ الشّعرية المتكاملة التامّة الّتي وصلتنا تدلّ على أنّ ثمّة نماذجَ أوليّة قد سبقتها، ونجد امرأ القيس يشير إلى أنّ شاعرًا قد سبقه في البدء بتلك المقدمة وهو ابْنُ حِذَام الذي لا يُعْرَف عنه أُّي خبر، يقول امرؤ القيس:

عُوجا على طَلَلِ الدِّيارِ لَعلَّنا            نبكي الدِّيارَ كَما بَكى ابنُ حِذامِ

Jo Academy Logo