الكتابة النثرية الأدبية
الكتابة النثرية لابن المقفع
ابنُ المُقَفَّعِ (106 – 142 هـ = 724 – 759 م)
عبدُ اللهِ بن المقفّعِ: من أئمةِ الكُتّابِ، وأوَّلُ من عُنِيَ في الإسلامِ بترجمةِ كتبِ المنطقِ، أصلُهُ من الفُرسِ، وُلِدَ في العراقِ مجوسيًّا وأسلمَ على يدِ عيسى بن عليٍّ (عمِّ السفّاحِ) ووُلِّيَ كتابةَ الديوانِ للخليفةِ المنصورِ العبّاسيِّ، وترجمَ له بعضَ كتبِ أرسطو. وترجمَ عن الفارسيةِ كتابَ «كليلة ودمنة» وهو أشهرُ كتبِهِ. وأنشأ رسائلَ غايةً في الإبداعِ، منها «الأدبُ الصغيرُ».
يُعَدُّ ابنُ المُقَفَّعِ من أهم كُتّاب العصر العباسي، وتميز باستيعابه ثقافاتٍ أخرى مع الحفاظ على الخصوصية العربية، فكان أديباً مُصلِحاً حكيماً. سَعى ابنُ المُقَفَّعِ لاستخدام الكتابة الأدبية كأداة لإصلاح المجتمع وتأديبه، والوصول إلى الجوهر الإنساني في الأخلاق، وتُعَدُّ كُتُبُهُ مثل «كليلة ودِمْنَة» و«الأدب الكبير» و«الأدب الصغير» خير مثالٍ على هدفه في تهذيب الأخلاق وإصلاح النفوس. وللكتابة النثرية عند ابن المقفع عدّة خصائص، منها:
أ- الاهتمامُ باللَّفظِ والمعنى مَعًا:
يتميز أسلوب ابن المقفع بالموازنة التامة بين اللفظ والمعنى؛ فهو لا يقدّم أحدهما على حساب الآخر، فلا يهمل جمال اللفظ من أجل الفكرة، ولا يتكلّف الزخرفة اللفظية (كالسجع) على حساب المعنى. وكان ابن المقفع دقيقًا في اختيار (انتقاء) أفكاره وألفاظه، ودليل ذلك أنه كان يتوقف كثيرًا أثناء الكتابة ليختار أفضل الكلام، يقول الراغبُ الأصبهاني: (كان ابنُ المقفع كثيرًا ما يقف إذا كتب، فقيل له ما في ذلك؟ فقال: إنّ الكلامَ يزدحمُ في صدري فأقفُ لتخيُّره).
ب- الأسلوب الواضح السهل المطبوع المرسل:
فقد تميز أسلوبه بالسهولة، والوضوح ، والأسلوب البليغ الطبيعي (المطبوع المرسل)، الذي يتجنب السجع (التقفية) والازدحام بالمحسنات البديعية.
ج- حسن الانتقاءِ:
ومن خصائصه وضعُ الشَّيءِ في محلِّه وإيفاءُ الموضوعِ حقَّهُ مع نفوذِ بصرٍ وسموِّ إدراكٍ، روى الجاحظُ في البيانِ والتبيينِ عن إسحاقَ بن حسانَ أنَّه قال: «لم يفسِّرِ البلاغةَ أحدٌ تفسيرَ ابن المقفع قطُّ، سُئِلَ: ما البلاغةُ؟ فقال: البلاغةُ اسمٌ جامعٌ لمعانٍ تجري في وجوهٍ كثيرةٍ، فمنها ما يكونُ في السُّكوتِ، ومنها ما يكونُ في الاستماعِ، ومنها ما يكونُ في الإشارةِ، ومنها ما يكونُ في الحديثِ، والإيجازُ هو البلاغةُ».
الكتابة النثرية للجاحظ
الجاحظُ (163 – 255 هـ = 780 – 869 م)
عَمْرُو بنُ بَحْرٍ، أبو عثمانَ، الشهيرُ بالجاحظِ لجحوظِ عينيهِ: كبيرُ أئمةِ الأدبِ، ورئيسُ الفرقةِ الجاحظيّةِ من المعتزلةِ. مولدُهُ ووفاتُهُ في البصرةِ. فُلِجَ في آخرِ عمرهِ، وماتَ والكتابُ على صدرهِ. قتلتْهُ مجلداتٌ من الكتبِ وقعتْ عليهِ. له تصانيفُ كثيرةٌ، منها: «الحيوان» و «البيان والتبيين».
يُعدّ الجاحظ من أهم أعلام النثر والكتابة الأدبية في التاريخ العربي، وهو من الأسباب الرئيسة التي حوّلت الكتابة النثرية إلى عمل تأليفي إبداعي، وأسهمت في ظهور أنواع نثرية جديدة في المجالين الأدبي والعلمي. وتتمحور خصائص الكتابة الجاحظية في ما يأتي:
أ- الموسوعية:
قد يكونُ الجاحظُ كاتبًا موسوعيًّا، فقد ألَّفَ معارفَ كثيرةً في الإنسانِ، والحيوانِ، والجِدِّ والهزلِ، والبيانِ والتبيينِ، والبخلاءِ. صحيحٌ أنَّ هناكَ جدلًا حولَ كونِهِ أوَّلَ كاتبٍ موسوعيٍّ، لكنَّهُ حقًّا قد اتَّجهَ اتِّجاهًا موسوعيًّا يقومُ على بصمةِ الجاحظِ الخاصّةِ.
ب- تكاملية اللفظ والمعنى:
فقد كانَ يرى أنَّ (شرَّ البُلغاء مَن هَيَّأ رسمَ المعنى قبلَ أنْ يُهيِّئ المعنى). فالجاحظ كان يكره العناية البالغة باللفظ، تلك العناية التي تسوق صاحبها إلى أن يصبحَ عبدًا لمجموعة من الألفاظ يجرّ إليها المعاني، ويشدّها شدًّا.
ج- الاستطراد:
يُكثر الجاحظُ من الاستطراد حتّى يخرجَ بالقارئِ عن الموضوع الذي عَقَدَ له الفصل، وما ذلك بناشئ إلّا عن غزارةٍ مادتِه ومطاوعةِ الألفاظِ له وقدرته على توليد الأفكار وامتلاكِه الموسوعيّة من الثقافةِ والعلم، علمًا أن عمله في نسخ الكتب في دورِ الورّاقين أسهم في ثقافته الموسوعية وقدرته على الاستطراد.
د- الميل إلى الطرفةِ والتّندُّر:
ولعلّه بهذا أرادَ أنْ يَطْردَ السأمَ الذي يمكِن أنْ تثيرَه القراءةُ العلميّة، فكان الاستطرادُ والأسلوبُ الموشَّحُ بالهزلِ والسخريةِ والنوادرِ والتَهَكُّم أحيانًا جاذبين للمتلقّي ليقبلَ على كتابة الجاحظ.