أتخيّلُ نَفسي هُناكَ: أشاركُ في زيارةٍ لمدينةِ الطفيلةِ برفقةِ عائلةِ سامرٍ وسلمى الّتي تلقَّتْ دعوةً منْ أحدِ الأصدقاءِ لزيارةِ المحافظةِ وتعرُّفِ أهمِّ معالمِها الأثريةِ والسياحيةِ.
توجّهَتْ عائلةُ سامرٍ منْ مدينةِ عمانَ إلى محافظةِ الطفيلةِ جنوبَ الأردنِ، وفي الطريقِ بحثَ سامرٌ عنْ تاريخِ المدينةِ في أحدِ المواقعِ الإلكترونيةِ، فعلمَ أنَّ الطفيلةَ تمتازُ بتاريخٍ حضاريٍّ عريقٍ، حيثُ تعاقبَتْ عليها حضاراتٌ عديدةٌ؛ مثلُ: الحضارةِ الآدوميةِ الّتي اتّخذَتْ منْ بلدةِ بصيرا عاصمةً لها، ثمَّ خضعَتْ لحُكمِ المملكةِ النبطيةِ، وبقيَتْ كذلكَ حتّى استولى عليها الرومانُ عامَ 106م.
عُرِفَتِ الطفيلةُ في الماضي باسمِ (دي تيفلوسَ)؛ أي: "أرضِ الجبالِ، أوْ أرضِ الكرومِ".

المحطةُ الأولى
في الطريقِ باتجاهِ الطفيلةِ شاهدَتِ العائلةُ مزارعَ لطاقةِ الرياحِ الّتي تُعَدُّ أوّلَ مشاريعِ توليدِ الكهرباءِ منْ طاقةِ الرياحِ في الأردنِّ.

ما أهميةُ إنشاءِ مزارعَ لطاقةِ الرياحِ في تحقيقِ أهدافِ التنميةِ المُستدامةِ؟
يُعد إنشاء مزارع لطاقة الرياح خطوة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث توفر مصدرًا للطاقة النظيفة والمتجددة يحدّ من انبعاثات الكربون ويُقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري. تُساهم هذه المزارع في تحسين جودة الهواء وتقليل الأضرار البيئية الناتجة عن التلوث، مما يعزز الصحة العامة. بالإضافة إلى ذلك، تُسهم مزارع الرياح في توفير فرص عمل جديدة ودعم الاقتصاد المحلي، كما تُساعد في تحقيق أمن الطاقة من خلال تقليل الاعتماد على المصادر غير المستدامة. هذا التكامل بين الفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية يجعلها أداة فعّالة لتحقيق التنمية المستدامة والمحافظة على مستقبل الأجيال القادمة.
ثمّ كانَتْ محطّةُ الاستراحةِ الأولى أمامَ جامعةِ الطفيلةِ التطبيقيةِ، وهيَ أوّلُ جامعةٍ تقنيةٍ في الأردنِّ، وقدْ تأسّسَتْ عامَ 2005 م.
كانَ صديقُ العائلةِ في استقبالِهِمْ، وتوجَّهوا مباشرةً إلى مدينةِ بصيرا الّتي تضمُّ مواقعَ أثريةً عديدةً، مثلَ: القصرِ، والمعبدِ، والكنيسةِ، ومعاصرَ قديمةٍ للعنبِ والزيتونِ، وبعضِ الأبراجِ والمقابرِ وبقايا القلاعِ، ويعتمدُ سكّانُها في الوقتِ الحاضرِ وبدرجةٍ كبيرةٍ على الزراعةِ، وتُشتَهرُ بزراعةِ العنبِ والزيتونِ والرمانِ والتّينِ، وتنمو فيها نباتاتٌ برّيّةٌ مثلُ الزعترِ والقيصومِ.
بعدَ ذلكَ زارَتِ العائلةُ مقامَ الصحابيِّ الحارثِ بنْ عُمَيْرٍ الأزديِّ رضي الله عنه الّذي كانَ استشهاده سببًا في معركةِ مؤتةَ.
المحطةُ الثانيةُ:
ثمَّ انتقلَتِ العائلةُ إلى مدينةِ الطفيلةِ وتجوّلَ الجميعُ في السوقِ القديمِ، وشاركوا في حفلِ زفافٍ تزامنَ معَ وجودِهِمْ هناكَ، وتناولوا طبقَ "الرشيديةِ " الّذي يقدّمُهُ أهالي الطفيلةِ في مختلفِ مناسباتِهِم.
ثمَّ توجّهَتِ العائلةُ بعدَ ذلكَ إلى المقاماتِ الدينيةِ، فزاروا مقامَيْ: الصحابي كعبِ بنِ عُمَيْرٍ الغفاريِّ رضي الله عنه ، والصحابي جابرٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه.
المحطةُ الثالثةُ
انطلقَتِ العائلةُ برفقةِ صديقِهِمْ إلى وادي فينانَ الّذي يقعُ بينَ جبالِ الشراةِ، والّذي يُعَدُّ واحدًا منْ أهمِّ المواقعِ الطبيعيةِ والأثريةِ في المنطقةِ، إذْ يُشتهَرُ بتنوُّعِهِ البيئيِّ وجمالِهِ الطبيعيِّ، ويحملُ إرثًا تاريخيًّا، فقدْ كانَ مركزًا لصناعةِ النحاسِ في العصورِ القديمةِ، وفيهِ أقدمُ أفرانِ صهرِ النحاسِ في العالمِ، ويضمُّ آثارًا منَ العصورِ النبطيةِ والرومانيةِ.
وصلَتِ العائلةُ إلى مخيّمِ نُزُلِ فينانَ الّذي يتّسمُ بتصميمِهِ البسيطِ والمُستدامِ؛ إذْ يعتمدُ بالكاملِ على الطاقةِ الشمسيةِ، واستمتعوا بتجربةِ الحياةِ التقليديةِ الهادئةِ المُتناغِمةِ معَ الطبيعةِ.
ومارسوا رياضةَ المشيِ في الأوديةِ المحيطةِ، واستكشفوا المواقعَ الأثريةَ، وتفاعلوا معَ المجتمعِ المحليِّ، لقدْ كانَتْ سعادةُ سلمى وعائلتِها كبيرةً بهذِهِ التجربةِ الثقافيةِ والبيئيةِ الفريدةِ الّتي تجمعُ بينَ الاسترخاءِ والتعلُّمِ.

المحطةُ الرابعةُ
توجّهَتِ الأسرةُ إلى محميةِ ضانا، إحدى أكبرِ المحميّاتِ الطبيعيةِ في الأردنِّ وأكثرِها أهميةً؛ لما تحتويهِ منْ تنوُّعٍ بيئيٍّ وجيولوجيٍّ فريدٍ، وتتنوّعُ تضاريسُها بينَ جبالٍ شاهقةٍ ووديانٍ عميقةٍ، وأيضًا تتنوّعُ تكويناتُها الجيولوجيةُ بينَ الحجرِ الجيريِّ والجرانيتِ.
ولمحميةِ ضانا أهميةٌ عالميةٌ، إذْ تشكّلُ مركزًا مهمًّا للدراساتِ البيئيةِ والبحوثِ، وقدْ أعلنَها المجلسُ العالميُّ لحمايةِ الطيورِ منطقةً مهمةً؛ سعيًا للحفاظِ على الطيورِ النادرةِ.
أخبرَ الصديقُ العائلةَ أنَّ هذِهِ المحميةَ هيَ الوحيدةُ في الأردنِّ التي تشملُ الأقاليمَ الحيويةَ الثلاثةَ: إقليمَ البحرِ المتوسطِ، والإقليمَ الإيرانيَّ- الطورانيَّ، والإقليمَ السودانيَّ، وهذا التنوُّعُ البيئيُّ يجعلُها بيئةً غنيةً بالأنظمةِ النباتيةِ، إذْ تضمُّ غاباتِ السروِ الطبيعيةَ، والعرعرَ، والبلّوطَ دائمَ الخضرةِ، إضافةً إلى الأنماطِ الصحراويةِ والسهليةِ، وتحوي المحميةُ ما يزيدُ على (890) نوعًا منَ النباتاتِ وَ(250) نوعًا منَ الطيورِ، والعديدُ منها مُهدَّدٌ بالانقراضِ، مثلُ: النسرِ البُّنِّيِّ، والنعارِ السوريِّ. وتُعَدُّ موئلًا لأصنافٍ منَ الثديياتِ، مثلِ: الماعزِ الجبليِّ النوبيِّ، والوشقِ، والثعلبِ الأفغانيِّ.

المحطةُ الخامسةُ
على بُعدِ (26) كيلومترًا شماليَّ مدينةِ الطفيلةِ زارَتِ العائلةُ حمّاماتِ عَفرا المشهورةَ بالمياهِ المعدِنيةِ الحارّةِ الّتي تتدفّقُ منْ أكثرَ منْ (15) ينبوعًا، وتتراوحُ درجةُ حرارتِها بينَ (45 -48) درجةً مئويةً، وتتجمّعُ في بِرَكٍ مائيةٍ غنيةٍ بالمعادنِ، ما يجعلُها مقصدًا للاستجمامِ وعلاجِ تصلُّبِ الشرايينِ والروماتيزمِ، لكنَّ المنطقةَ ما تزالُ في حاجةٍ إلى مزيدٍ منَ الاهتمامِ وترويجِها سياحيًّا.

ثمَّ توجّهَتِ العائلةُ إلى خربةِ الذريحِ الّتي حكمَها الأنباطُ وأقاموا فيها معابدَ عديدةً ما تزالُ بعضُ آثارِها موجودةً، مثلُ: الأعمدةِ، والنقوشِ، والأضرحةِ. وفي المنطقةِ اكتُشِفَ معبدٌ كبيرٌ يُعرَفُ باسمِ "معبدُ الذريحِ" الّذي تذكرُ بعضُ المصادرِ التاريخيةِ أنَّهُ كانَ مُخصَّصًا لعبادةِ الإلهِ النبطيِّ "دوشرا". بعدَ تلكَ الرحلةِ الممتعةِ ودّعَتِ العائلةُ صديقَها، وقدّموا لهُ الشكرَ على استضافتِهِ الرائعةِ لهمْ.