اللغة العربية فصل أول

العاشر

icon

   (1.3 ) أقرأُ 

                                                  شَغَفُ القراءةِ ، وحِكاياتٌ أخرى

     أتابعُ السّير مُنعطفًا إلى الشّمال في ذلك الشّارع الذي يَنْفَتح على السّاحةِ ، وما إنْ أمضي خُطواتٍ حتّى أجدني عندَ محلٍّ آخر، كان في ذلك الزّمان الغابر مكتبةٌ لبيعِ الصُّحُف والمجلّاتِ والكتب ، يمتلكها " عبد الرحيم العَلي " ، وكانَ مِنْ أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا ، وأطيبهم نَفْسًا ، وأهدئهم طَبْعًا ، يَجْلس ساكنًا في مقعدِه بِوجهٍ هادئٍ إلّا من طيفِ ابتسامةٍ ، يرتدي الجاكيتَ والبنطالَ ، ولكنّه يضعُ على رأسه الكوفيّة البيضاءَ ، وإنّي لأذكره فأكاد أحني رأسي لذكراه احترامًا وتقديرًا وعرفانًا بالجميل ، فإنّي أدينُ لذلك الرّجل بما لم تمنحني المدرسة إيّاه ، فقد أمدَّتْني مكتبته بالكتب التي أسّستْ لمعارفي وثقافتي وشغفي بالقراءة في كلّ مجالٍ . و رُبَّ قائلٍ الآن: كيف تدين له بما بذلتَ مِنْ نقودك ؟ فتلك بضاعتُه التي يرجو بيعها ويخشى كسادَها ، ولكنّي لم أكنْ دائمًا أمتلكُ النّقودَ على حينِ أنّي كنتُ دائمًا أطلبُ الكتبَ ، فما كان الرجل يمنعني من كتابٍ أريده ، سواءً أكان معي ثمنه أم لم يكنْ . فكنتُ أدخلُ محلَّه وأنتقي من الكتب ما أشاءُ متى أشاءُ على وعد السّداد الآجل غير الموقوتِ ، ومَنْ ذا الذي يستوثق من سداد فتًى في الخامسةَ عشرةَ ليس له دَخْلٌ إلّا مصروفه اليوميّ ؟ .... وما غادرتُ ( طول كرم ) بعدَ الثّانوية وله في ذمّتي قرشٌ واحدٌ ..

  المفردات   :

أدينُ له : أعترفُ بفضله عليَّ .                     كساد : ركود .                   السّداد : قضاءُ الدّيْن .

الموقوت : المحدّد .                                   منعطفًا : منحنيًا .            الغابر : الماضي .

طيف : خيال .                     الكوفية : نسيج من حرير أو نحوه يلبس على الرأس أو على الرقبة .

عرفان : اعتراف وشهادة .                         الأجل : البعيد غير القريب .            ذمتي : حقي .

شغفي : حبّي .

 

 الفكرة الرئيسة :

بداية الكاتب وشغفه بالقراءة وشراء الكتب رغم فقر حاله .

 

أسئلة على الفقرة :  

س1 : ما دور عبد الرحيم العلي في بدايات حياة الكاتب ؟

كان هو المؤسس لثقافة الكاتب ومعارفه ، حيثُ كان يسهّل عليه الحصول على الكتب حتى لو لم يكن معه ثمنها على أمل سدادها .

س2 : كيف وصفه الكاتب ؟

كانَ مِنْ أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا ، وأطيبهم نَفْسًا ، وأهدئهم طَبْعًا ، يَجْلس ساكنًا في مقعدِه بِوجهٍ هادئٍ إلّا من طيفِ ابتسامةٍ ، يرتدي الجاكيتَ والبنطالَ .

س3 : ما اللون البديعيّ في جملة ( يرجو بيعها ويخشى كسادَها)؟

المُقابلة . 

س4 : استخرجْ من الفقرة السّابقة : 

- جملة إنشائيّة طلبيّة : كيف تدين له بما بذلتَ من نقودك ؟

- فعلًا مجرّدًا : أمضي .

- فعلًا مزيدًا بحرف واحد : أتابعُ .

- فعلًا مزيدًا بحرفين : يمتلكها .

- اسم تفضيل : أحسن ، أطيب .

 

ولولا تلك المكارم لما أتيحَ لي أنْ أتعرّف على ( كولن ويلسون ) ، ورواياتِ نجيب محفوظ ، وكتب طه حسين ، والعقّاد ، وشعر شوقي ، والشّابي ، وجُبران ، وإبراهيم طوقان ، والسيّاب ، وغيرهم ، وما كان لموهبتي الشّعريّة أن تتفتّح وتنموَ في وقتٍ مبكّرٍ ، فما إنْ بلغتُ الثانويَّةَ حتّى كنتُ أنشرُ شعريَ و قصصي ومقالاتي في صُحُفِ " الجهاد " و " المنار " و " الأفق الجديد ".

 المفردات :

مكارم : عطايا وفضائل .                    أُتيح لي : تهيّأ لي .

 

الفكرة الرئيسة: 

المعارف التي اكتسبها الكاتب من خلال الكتب التي اشتراها من مكتبة " عبد الرحيم العلي " .

 

أسئلة على الفقرة :  

س1: وضّح جمال التّصوير في جملة : ( وما كان لموهبتي الشّعريّة أن تتفتّح وتنموَ في وقتٍ مبكّرٍ ) .

شبّه الكاتب الموهبة بالوردة التي تتفتح .

س2 : بيّن أركان الجملة الشّرطيّة في ما يلي : ( ولولا تلك المكارم لما أتيحَ لي أنْ أتعرّف على...).

لولا : حرف شرط غير جازم .

فعل الشّرط : الجملة الاسميّة من المبتدأ ( المكارم ) والخبر المحذوف وجوبًا .

جواب الشرط : لما أتيح .

 

     وأذكرُ أنّي حينَ انتقلتُ إلى عمَّانَ للدّراسةِ في الجامعة الأردنيّة في مِنحةٍ دراسيّة من وزارة التّربية و التّعليم ، وبدأتُ بإجراءاتِ المِنحةِ في الدّوائر المختصّة ، استوقفَ اسمي أحد الموظّفين فرأيتُهُ يقلِّب البصر بيني وبينَ الوثائق أمامه .

- وليد إيراهيم سيف ؟

- نعم .

- هذا اسمُ الكاتب الذي نقرأ له في الصُّحُفِ .

- هو أنا .

- أنت ؟

- نعم .

 المفردات: 

يقلّب البصر : يردّد البصر .     

مِنْحة : دراسة بالمجان مقابل التّفوق يُعطى مبلغٌا من المال للطالب شهريًّا أو كلّ ثلاثة أشهر.

الفكرة الرئيسة :

انتقال الكاتب وليد سيف للدراسة في الجامعة الأردنيّة . 

أسئلة على الفقرة:

- استخرجْ فعلًا ثلاثيًّا مزيدًا بثلاثة حروف .

استوقف .

- ما المعنى الذي أفادته الزيادة ؟

الطّلب .    

 

   وارتسمتْ على وجْهِهِ مَلامِحُ التَّعجُّبِ والإعجاب معًا ، ومضى سريعًا في إنفاذ الإجراءات ، وقد زاد يقينه بأنَّ مِنْحة الوزارة قد ذهبتْ إلى مستحقِّها .

   وإنّ ذاك ليرتدُّ بعضُ فضله إلى ذلك الرّجل النّبيل ؛ فالنّصُّ لا يتخلّق من فراغ ، وإنَّما هو نِتاج نصوصٍ تملأ الوعي ، وتُغني الوجدان ، وتطلق المخيّلة ، وتوسِّع المعجم ، و تصقل الأسلوب ... ولطالما وصلتُ مُبكِّرًا إلى مكتبةِ عبدِ الرّحيم مُتلهِّفًا لالتقاط الصّحيفة لأرى نصّيَ المطبوع ، فلا أمضي في سبيلي إلّا و أنا أشعرُ أنَّ قامتي قد طالت إصبعًا أو إصبعين ، وأنَّ عيون النّاس تُلاحقني ، وأنّي الآن قد صرتُ على بُعد قصيدة أو قصيدتين من نظرة إعجابٍ عَصِيَّةٍ تجود بها إحدى الحوريّات في شارع المَحطَّة ، ولكنّي ، بعد عشراتِ القصائد  والقصص والمقالات ، لم أحظَ بشيءٍ من ذلك ؛ فالحوريّات من التّعقُّل والواقعيّة وتَرَفُّع الحُسْنِ ما يفرّقْنَ بين الأغنية والمُغنّي ، والقصيدة والشّاعر ، والقصّة والقصّاص ، فلا يحملُهنَّ التَّمتُّع بثمرةِ الإبداعِ على الميلِ إلى المُبدع! وما يُدريهنَّ ؟ فكثيرًا ما يكونُ النّصُّ أحسنَ من صاحِبِه ، فكمْ مِنَ الكُتّاب والمفكّرين ملأتْ أعمالهم السّمع والأبصارَ ، فلم تغنِ عنهم أعمالهم من مودَّة النّاسِ شيئًا !

المفردات: 

ملامح : علامات .            التّعجّب : الاندهاش من أمر ما .

إنفاذ : إنجاز .                   الوجدان : الشّعور .

تملأ الوعي : تزيد الفهْم .   

تطلق المخيلة : تعطيها العنان في التفكير والتّخيل والتّصوير.

توسّع المعجم : تزيد من مفرداتها اللّغويّة .

تصقل : تهذّب  .

عصيّة : صعبة .

الحوريّات : مفردها حُوريّة : وهي المرأة الحسناء .

التّعقّل : الرأي الصائب المتّزن .

تلاحقني : تتابعني .

الفكرة الرئيسة : 

- قبول الكاتب في الجامعة الأردنيّة وبداية شُهرته بين النّاس .

 

أسئلة على الفقرة : 

س1: ما دلالة عبارة ( قامتي طالت ) ؟

الافتخار بأنّه صار معروفًا .

س2 : وضّح جمال التّصوير في عبارة : ( ثمرة الإبداع ) .

شبّه الكاتب الإبداع بثمرة الشّجرة .

 

    فَلأُتابعْ سيري أدراج الصِّبا ووروده وشوكه مُيَمِّمًا شطر بيتنا ، هذا مقهى " الكرمول " ، مقهى النّخبة المُتعلّمة ؛ حيثُ كانوا يلتقون بعدَ العَصرِ في العادة .

ولِمتعلِّمي طولكرم في ذلك الزّمانِ لَهْجةٌ خاصَّة تُقارِبُ الفصيحةَ ، والقاف في نُطْقِهِمْ في منزلةٍ بين منزلتي القافِ والكافِ ، ولهم في النّقاشِ والجدال مِزاجٌ مُعتدل فلا ترتفعُ الأصوات وإنِ اشتدَّ الاختلاف ، ولا تَسمعُ من أحدِهمْ كلمةً سوقيَّةً مهما يَكُنِ المَوْضوعُ مُستفزًّا .

  المفردات :

أدراج الصِّبا : اتجاه أيام الشّباب .

النُّخبة : مجموعة مختارة من المجتمع تنماز عن غيرها بمؤهّلات معيّنة .

مُيمِّمًا : قاصدًا .

شَطْر : جهة .

لهجة : طريقة معينة في الكلام .

سُوقيّة : مبتذلة وغير مهذّبة .

 

الفكرة الرئيسة : 

ذكريات الكاتب وحنينه إلى أيام الشّباب في مقهى النُّخبة المتعلّمة .

 

     إلى يميني الآنَ طَلْعةُ المستشفى ، وقانا الله شرَّ أسباب اللّجوءِ إليه ، كانت أمّي – يرحمها الله – حاملًا في عام النّكبةِ ، وإذْ هي في أيّامِ الحملِ الأخيرةِ ، وقع قصفٌ بالطّائراتِ على إحدى القواعد القريبة ، ومن خوفها اصطدم بطنها المنتفخ بزاوية الطّاولة ، وكانت تروي لنا أنّها أحسّتْ بِحمْلها يتقلّب مُضطربًا في رحْمِها ، فلم تلبثْ أيّامًا حتّى وضعتْه ذَكَرًا ، وكان سليمًا إلّا من جرحٍ في جاني رأسه من أثر تلك الصّدمة . كبُر الطّفلُ ، وكَبُرَ الجُرْحُ مع زائدةٍ لَحْميّةٍ نائِتةٍ منه ، ورأى الوالِدُ أنْ يَعْرِضَهُ على الطّبيبِ الذي قرّر إزالتها بِجراحةٍ بسيطةٍ في مستشفى البَلدة ، وكان على الصّبيِّ أن يَتحمّل ألم الجراحة دون تخدير ، فلم يمضِ وقتٌ على تلك الجراحة حتّى انْتفخ وجهُ الصبيِّ ، فقد التهبَ الجُرْحُ ، حتّى إذا شُفيَ الصّبيُّ ومدّ يدَه يتحسَّس مَوضِعَ الجِراحة وجد النُّتوء اللحميَّ مكانه ، فما ناله من تلك الجراحة إلا الألمُ وخطرُ التسمُّمِ والالتهابِ ، ولم يرجعْ إلى الطّبيب ولا إلى المستشفى ، فأهْونُ أنْ يعيشَ بتلك الزائدة الصّغيرة التي يُغطّيها الشّعر من أن يُجازف بما هو أكبرُ ، وإذْ جرى على عادته في العبث بها وفتْلها بعدَ سنواتٍ ، وجدَ على يده دمًا ، وإذْ بالزائدةِ قد انقلعتْ وانتهى أمرُها إلى الأبدِ ، فقد عَمِلتْ يدُهُ بها ما لم تعْملْه سِكِّين الطّبيبِ والمستشفى ، كان ذلك الصّبيُّ أنا .

المفردات : 

طلعة المستشفى : طريق المستشفى المرتفع .

وقانا : حَمَانا .

ناتئة : بارزة .

فتلها : لوها ، حرّكها بشكل دائريّ .

الفكرة الرئيسة :  

الأحداث العصيبة التي عاشها الكاتب منذ ولادته وفي طفولته.

أسئلة على الفقرة 

س1:  ما المقصود بعام النّكبة ؟

هو العام الذي احتلّ فيه اليهود فلسطين .

س2 : استخرجْ ما يدل على تدنّي المستوى الصحيّ في تلك الظروف .

كان على الصّبيِّ أن يَتحمّل ألم الجراحة دون تخدير .

س3 : هات درسًا مستفادًا تعلّمته من سيرة الكاتب " وليد سيف.

إنّ الظروف مهما كانت قاسية وصعبة لا تمنع الإنسان من تحقيق حُلمه وهدفه .

***************************************************************************************************************************

أتعرَّفُ كاتبَ النّصِّ 

       وليد إبراهيم أحمد سيف ،وُلد في طولكرم في عام ( 1948 ) ، كاتب للدّراما التّلفزيونيّة ، وشاعرٌ وناقد أكاديميّ . تلقّى تعليمه في مدارس طولكرم ،ثمّ التحق بالجامعة الأردنيّة في عام(1966 ) حيثُ حصلَ على شهادة البكالوريوس في اللّغة العربيّة وآدابها . وحصل على شهادةِ الدُّكتوراه في اللّغويّات من جامعة لندن في عام ( 1975 ) .

    تفرّغ للعملِ في الدّراما التلفزيونيّة ، وقد برز بشكلٍ لافت في مسلسلات عدّة مثل :

" التغريبة الفلسطينيّة"، و " عمر " ، و "صلاح الدين الأيوبيّ " .

  وقد حاز على وسام الملك عبد الله الثّاني للتميُّز من الدّرجة الأولى العُليا في عام (2022) تقديرًا لدوره الكبير في الدّراما التّاريخيّة . 

   وله دواوين شعريّة مثل : " قصائد في زمن الفتح " ، و " تغريبة بني فلسطين " .

    وله مؤلفات روائيّة ، منها : " ملتقى البحرين " ، و " مواعيد قرطبة " . 

   وله سيرة ذاتيّة بعنوان : " الشّاهد المشهود ، سيرة ومراجعات فكريّة " أُخذ منها هذا النّصّ .

 

أَتعَرَّفُ جَوَّ النَّصِّ

        يعرضُ وليد سيف في هذا النّصِّ جزءًا من سيرة حياته؛ فيصف شغفه بالقراءة وتعلّقه بأمّهات الكتب مذ كان فتًى صغيرًا في مدارس طولكرم الابتدائيّة ، ويذكر ما كان لهذه الكتب من فضلٍ عليه في توقّد موهبته الشّعريّة وانطلاق إبداعاته الأدبيّة . و يُعرّجُ وليد سيف في نهاية النّصّ على جانب مؤلم منْ حياته زمنَ النّكبة الفِلسطينيّة ،عندما كان طفلًا وليدًا ، فيذكر حادثة ولادته وما رافقها من تحدِّياتٍ وصعوبات.

   ويسير وليد سيف في سيرته " الشّاهد المشهود " معتمدًا التّتابع الزّمنيّ للمحطّات الكبرى في رحلة حياته ، ويقف عند تلك المحطّات معزِّزًا إيّاها بمراجعاتٍ وجدانيّة وفكريّة عميقة ، مُعرّجًا على أهمّ القضايا الفكريّة التي تشغل الإنسان ، ومُنحازًا إلى قيم العدالةِ والمبادئ الإنسانيّة .

*************************************************************************