(1.3 ) أقرأُ
شَغَفُ القراءةِ ، وحِكاياتٌ أخرى
أتابعُ السّير مُنعطفًا إلى الشّمال في ذلك الشّارع الذي يَنْفَتح على السّاحةِ ، وما إنْ أمضي خُطواتٍ حتّى أجدني عندَ محلٍّ آخر، كان في ذلك الزّمان الغابر مكتبةٌ لبيعِ الصُّحُف والمجلّاتِ والكتب ، يمتلكها " عبد الرحيم العَلي " ، وكانَ مِنْ أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا ، وأطيبهم نَفْسًا ، وأهدئهم طَبْعًا ، يَجْلس ساكنًا في مقعدِه بِوجهٍ هادئٍ إلّا من طيفِ ابتسامةٍ ، يرتدي الجاكيتَ والبنطالَ ، ولكنّه يضعُ على رأسه الكوفيّة البيضاءَ ، وإنّي لأذكره فأكاد أحني رأسي لذكراه احترامًا وتقديرًا وعرفانًا بالجميل ، فإنّي أدينُ لذلك الرّجل بما لم تمنحني المدرسة إيّاه ، فقد أمدَّتْني مكتبته بالكتب التي أسّستْ لمعارفي وثقافتي وشغفي بالقراءة في كلّ مجالٍ . و رُبَّ قائلٍ الآن: كيف تدين له بما بذلتَ مِنْ نقودك ؟ فتلك بضاعتُه التي يرجو بيعها ويخشى كسادَها ، ولكنّي لم أكنْ دائمًا أمتلكُ النّقودَ على حينِ أنّي كنتُ دائمًا أطلبُ الكتبَ ، فما كان الرجل يمنعني من كتابٍ أريده ، سواءً أكان معي ثمنه أم لم يكنْ . فكنتُ أدخلُ محلَّه وأنتقي من الكتب ما أشاءُ متى أشاءُ على وعد السّداد الآجل غير الموقوتِ ، ومَنْ ذا الذي يستوثق من سداد فتًى في الخامسةَ عشرةَ ليس له دَخْلٌ إلّا مصروفه اليوميّ ؟ .... وما غادرتُ ( طول كرم ) بعدَ الثّانوية وله في ذمّتي قرشٌ واحدٌ ..
المفردات :
أدينُ له : أعترفُ بفضله عليَّ . كساد : ركود . السّداد : قضاءُ الدّيْن .
الموقوت : المحدّد . منعطفًا : منحنيًا . الغابر : الماضي .
طيف : خيال . الكوفية : نسيج من حرير أو نحوه يلبس على الرأس أو على الرقبة .
عرفان : اعتراف وشهادة . الأجل : البعيد غير القريب . ذمتي : حقي .
شغفي : حبّي .
الفكرة الرئيسة :
بداية الكاتب وشغفه بالقراءة وشراء الكتب رغم فقر حاله .
أسئلة على الفقرة :
س1 : ما دور عبد الرحيم العلي في بدايات حياة الكاتب ؟
كان هو المؤسس لثقافة الكاتب ومعارفه ، حيثُ كان يسهّل عليه الحصول على الكتب حتى لو لم يكن معه ثمنها على أمل سدادها .
س2 : كيف وصفه الكاتب ؟
كانَ مِنْ أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا ، وأطيبهم نَفْسًا ، وأهدئهم طَبْعًا ، يَجْلس ساكنًا في مقعدِه بِوجهٍ هادئٍ إلّا من طيفِ ابتسامةٍ ، يرتدي الجاكيتَ والبنطالَ .
س3 : ما اللون البديعيّ في جملة ( يرجو بيعها ويخشى كسادَها)؟
المُقابلة .
س4 : استخرجْ من الفقرة السّابقة :
- جملة إنشائيّة طلبيّة : كيف تدين له بما بذلتَ من نقودك ؟
- فعلًا مجرّدًا : أمضي .
- فعلًا مزيدًا بحرف واحد : أتابعُ .
- فعلًا مزيدًا بحرفين : يمتلكها .
- اسم تفضيل : أحسن ، أطيب .
ولولا تلك المكارم لما أتيحَ لي أنْ أتعرّف على ( كولن ويلسون ) ، ورواياتِ نجيب محفوظ ، وكتب طه حسين ، والعقّاد ، وشعر شوقي ، والشّابي ، وجُبران ، وإبراهيم طوقان ، والسيّاب ، وغيرهم ، وما كان لموهبتي الشّعريّة أن تتفتّح وتنموَ في وقتٍ مبكّرٍ ، فما إنْ بلغتُ الثانويَّةَ حتّى كنتُ أنشرُ شعريَ و قصصي ومقالاتي في صُحُفِ " الجهاد " و " المنار " و " الأفق الجديد ".
المفردات :
مكارم : عطايا وفضائل . أُتيح لي : تهيّأ لي .
الفكرة الرئيسة:
المعارف التي اكتسبها الكاتب من خلال الكتب التي اشتراها من مكتبة " عبد الرحيم العلي " .
أسئلة على الفقرة :
س1: وضّح جمال التّصوير في جملة : ( وما كان لموهبتي الشّعريّة أن تتفتّح وتنموَ في وقتٍ مبكّرٍ ) .
شبّه الكاتب الموهبة بالوردة التي تتفتح .
س2 : بيّن أركان الجملة الشّرطيّة في ما يلي : ( ولولا تلك المكارم لما أتيحَ لي أنْ أتعرّف على...).
لولا : حرف شرط غير جازم .
فعل الشّرط : الجملة الاسميّة من المبتدأ ( المكارم ) والخبر المحذوف وجوبًا .
جواب الشرط : لما أتيح .
وأذكرُ أنّي حينَ انتقلتُ إلى عمَّانَ للدّراسةِ في الجامعة الأردنيّة في مِنحةٍ دراسيّة من وزارة التّربية و التّعليم ، وبدأتُ بإجراءاتِ المِنحةِ في الدّوائر المختصّة ، استوقفَ اسمي أحد الموظّفين فرأيتُهُ يقلِّب البصر بيني وبينَ الوثائق أمامه .
- وليد إيراهيم سيف ؟
- نعم .
- هذا اسمُ الكاتب الذي نقرأ له في الصُّحُفِ .
- هو أنا .
- أنت ؟
- نعم .
المفردات:
يقلّب البصر : يردّد البصر .
مِنْحة : دراسة بالمجان مقابل التّفوق يُعطى مبلغٌا من المال للطالب شهريًّا أو كلّ ثلاثة أشهر.
الفكرة الرئيسة :
انتقال الكاتب وليد سيف للدراسة في الجامعة الأردنيّة .
أسئلة على الفقرة:
- استخرجْ فعلًا ثلاثيًّا مزيدًا بثلاثة حروف .
استوقف .
- ما المعنى الذي أفادته الزيادة ؟
الطّلب .
وارتسمتْ على وجْهِهِ مَلامِحُ التَّعجُّبِ والإعجاب معًا ، ومضى سريعًا في إنفاذ الإجراءات ، وقد زاد يقينه بأنَّ مِنْحة الوزارة قد ذهبتْ إلى مستحقِّها .
وإنّ ذاك ليرتدُّ بعضُ فضله إلى ذلك الرّجل النّبيل ؛ فالنّصُّ لا يتخلّق من فراغ ، وإنَّما هو نِتاج نصوصٍ تملأ الوعي ، وتُغني الوجدان ، وتطلق المخيّلة ، وتوسِّع المعجم ، و تصقل الأسلوب ... ولطالما وصلتُ مُبكِّرًا إلى مكتبةِ عبدِ الرّحيم مُتلهِّفًا لالتقاط الصّحيفة لأرى نصّيَ المطبوع ، فلا أمضي في سبيلي إلّا و أنا أشعرُ أنَّ قامتي قد طالت إصبعًا أو إصبعين ، وأنَّ عيون النّاس تُلاحقني ، وأنّي الآن قد صرتُ على بُعد قصيدة أو قصيدتين من نظرة إعجابٍ عَصِيَّةٍ تجود بها إحدى الحوريّات في شارع المَحطَّة ، ولكنّي ، بعد عشراتِ القصائد والقصص والمقالات ، لم أحظَ بشيءٍ من ذلك ؛ فالحوريّات من التّعقُّل والواقعيّة وتَرَفُّع الحُسْنِ ما يفرّقْنَ بين الأغنية والمُغنّي ، والقصيدة والشّاعر ، والقصّة والقصّاص ، فلا يحملُهنَّ التَّمتُّع بثمرةِ الإبداعِ على الميلِ إلى المُبدع! وما يُدريهنَّ ؟ فكثيرًا ما يكونُ النّصُّ أحسنَ من صاحِبِه ، فكمْ مِنَ الكُتّاب والمفكّرين ملأتْ أعمالهم السّمع والأبصارَ ، فلم تغنِ عنهم أعمالهم من مودَّة النّاسِ شيئًا !
المفردات:
ملامح : علامات . التّعجّب : الاندهاش من أمر ما .
إنفاذ : إنجاز . الوجدان : الشّعور .
تملأ الوعي : تزيد الفهْم .
تطلق المخيلة : تعطيها العنان في التفكير والتّخيل والتّصوير.
توسّع المعجم : تزيد من مفرداتها اللّغويّة .
تصقل : تهذّب .
عصيّة : صعبة .
الحوريّات : مفردها حُوريّة : وهي المرأة الحسناء .
التّعقّل : الرأي الصائب المتّزن .
تلاحقني : تتابعني .
الفكرة الرئيسة :
- قبول الكاتب في الجامعة الأردنيّة وبداية شُهرته بين النّاس .
أسئلة على الفقرة :
س1: ما دلالة عبارة ( قامتي طالت ) ؟
الافتخار بأنّه صار معروفًا .
س2 : وضّح جمال التّصوير في عبارة : ( ثمرة الإبداع ) .
شبّه الكاتب الإبداع بثمرة الشّجرة .
فَلأُتابعْ سيري أدراج الصِّبا ووروده وشوكه مُيَمِّمًا شطر بيتنا ، هذا مقهى " الكرمول " ، مقهى النّخبة المُتعلّمة ؛ حيثُ كانوا يلتقون بعدَ العَصرِ في العادة .
ولِمتعلِّمي طولكرم في ذلك الزّمانِ لَهْجةٌ خاصَّة تُقارِبُ الفصيحةَ ، والقاف في نُطْقِهِمْ في منزلةٍ بين منزلتي القافِ والكافِ ، ولهم في النّقاشِ والجدال مِزاجٌ مُعتدل فلا ترتفعُ الأصوات وإنِ اشتدَّ الاختلاف ، ولا تَسمعُ من أحدِهمْ كلمةً سوقيَّةً مهما يَكُنِ المَوْضوعُ مُستفزًّا .
المفردات :
أدراج الصِّبا : اتجاه أيام الشّباب .
النُّخبة : مجموعة مختارة من المجتمع تنماز عن غيرها بمؤهّلات معيّنة .
مُيمِّمًا : قاصدًا .
شَطْر : جهة .
لهجة : طريقة معينة في الكلام .
سُوقيّة : مبتذلة وغير مهذّبة .
الفكرة الرئيسة :
ذكريات الكاتب وحنينه إلى أيام الشّباب في مقهى النُّخبة المتعلّمة .
إلى يميني الآنَ طَلْعةُ المستشفى ، وقانا الله شرَّ أسباب اللّجوءِ إليه ، كانت أمّي – يرحمها الله – حاملًا في عام النّكبةِ ، وإذْ هي في أيّامِ الحملِ الأخيرةِ ، وقع قصفٌ بالطّائراتِ على إحدى القواعد القريبة ، ومن خوفها اصطدم بطنها المنتفخ بزاوية الطّاولة ، وكانت تروي لنا أنّها أحسّتْ بِحمْلها يتقلّب مُضطربًا في رحْمِها ، فلم تلبثْ أيّامًا حتّى وضعتْه ذَكَرًا ، وكان سليمًا إلّا من جرحٍ في جاني رأسه من أثر تلك الصّدمة . كبُر الطّفلُ ، وكَبُرَ الجُرْحُ مع زائدةٍ لَحْميّةٍ نائِتةٍ منه ، ورأى الوالِدُ أنْ يَعْرِضَهُ على الطّبيبِ الذي قرّر إزالتها بِجراحةٍ بسيطةٍ في مستشفى البَلدة ، وكان على الصّبيِّ أن يَتحمّل ألم الجراحة دون تخدير ، فلم يمضِ وقتٌ على تلك الجراحة حتّى انْتفخ وجهُ الصبيِّ ، فقد التهبَ الجُرْحُ ، حتّى إذا شُفيَ الصّبيُّ ومدّ يدَه يتحسَّس مَوضِعَ الجِراحة وجد النُّتوء اللحميَّ مكانه ، فما ناله من تلك الجراحة إلا الألمُ وخطرُ التسمُّمِ والالتهابِ ، ولم يرجعْ إلى الطّبيب ولا إلى المستشفى ، فأهْونُ أنْ يعيشَ بتلك الزائدة الصّغيرة التي يُغطّيها الشّعر من أن يُجازف بما هو أكبرُ ، وإذْ جرى على عادته في العبث بها وفتْلها بعدَ سنواتٍ ، وجدَ على يده دمًا ، وإذْ بالزائدةِ قد انقلعتْ وانتهى أمرُها إلى الأبدِ ، فقد عَمِلتْ يدُهُ بها ما لم تعْملْه سِكِّين الطّبيبِ والمستشفى ، كان ذلك الصّبيُّ أنا .
المفردات :
طلعة المستشفى : طريق المستشفى المرتفع .
وقانا : حَمَانا .
ناتئة : بارزة .
فتلها : لوها ، حرّكها بشكل دائريّ .
الفكرة الرئيسة :
الأحداث العصيبة التي عاشها الكاتب منذ ولادته وفي طفولته.
أسئلة على الفقرة
س1: ما المقصود بعام النّكبة ؟
هو العام الذي احتلّ فيه اليهود فلسطين .
س2 : استخرجْ ما يدل على تدنّي المستوى الصحيّ في تلك الظروف .
كان على الصّبيِّ أن يَتحمّل ألم الجراحة دون تخدير .
س3 : هات درسًا مستفادًا تعلّمته من سيرة الكاتب " وليد سيف.
إنّ الظروف مهما كانت قاسية وصعبة لا تمنع الإنسان من تحقيق حُلمه وهدفه .
***************************************************************************************************************************
أتعرَّفُ كاتبَ النّصِّ
وليد إبراهيم أحمد سيف ،وُلد في طولكرم في عام ( 1948 ) ، كاتب للدّراما التّلفزيونيّة ، وشاعرٌ وناقد أكاديميّ . تلقّى تعليمه في مدارس طولكرم ،ثمّ التحق بالجامعة الأردنيّة في عام(1966 ) حيثُ حصلَ على شهادة البكالوريوس في اللّغة العربيّة وآدابها . وحصل على شهادةِ الدُّكتوراه في اللّغويّات من جامعة لندن في عام ( 1975 ) .
تفرّغ للعملِ في الدّراما التلفزيونيّة ، وقد برز بشكلٍ لافت في مسلسلات عدّة مثل :
" التغريبة الفلسطينيّة"، و " عمر " ، و "صلاح الدين الأيوبيّ " .
وقد حاز على وسام الملك عبد الله الثّاني للتميُّز من الدّرجة الأولى العُليا في عام (2022) تقديرًا لدوره الكبير في الدّراما التّاريخيّة .
وله دواوين شعريّة مثل : " قصائد في زمن الفتح " ، و " تغريبة بني فلسطين " .
وله مؤلفات روائيّة ، منها : " ملتقى البحرين " ، و " مواعيد قرطبة " .
وله سيرة ذاتيّة بعنوان : " الشّاهد المشهود ، سيرة ومراجعات فكريّة " أُخذ منها هذا النّصّ .
أَتعَرَّفُ جَوَّ النَّصِّ
يعرضُ وليد سيف في هذا النّصِّ جزءًا من سيرة حياته؛ فيصف شغفه بالقراءة وتعلّقه بأمّهات الكتب مذ كان فتًى صغيرًا في مدارس طولكرم الابتدائيّة ، ويذكر ما كان لهذه الكتب من فضلٍ عليه في توقّد موهبته الشّعريّة وانطلاق إبداعاته الأدبيّة . و يُعرّجُ وليد سيف في نهاية النّصّ على جانب مؤلم منْ حياته زمنَ النّكبة الفِلسطينيّة ،عندما كان طفلًا وليدًا ، فيذكر حادثة ولادته وما رافقها من تحدِّياتٍ وصعوبات.
ويسير وليد سيف في سيرته " الشّاهد المشهود " معتمدًا التّتابع الزّمنيّ للمحطّات الكبرى في رحلة حياته ، ويقف عند تلك المحطّات معزِّزًا إيّاها بمراجعاتٍ وجدانيّة وفكريّة عميقة ، مُعرّجًا على أهمّ القضايا الفكريّة التي تشغل الإنسان ، ومُنحازًا إلى قيم العدالةِ والمبادئ الإنسانيّة .
*************************************************************************