( أفلا يتفكّرون )
نص الاستماع
كانَ الوليدُ بن المغيرةِ شيخًا كبيرًا من دهاةِ العربِ يشارُ إليهِ بالبنانِ في الفطنةِ والذّكاءِ ، وكانت له ثروةُ وأموالُ وافرةُ في بسيطِ مكّة وجزيرةِ العربِ ، لكنّه حينَ سمعِ آياتٍ من القرآن تلاها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، غَرِق في التّفكير والتّأملِ ، ولمْ يجدْ مفرًّا في النّهاية إلّا أن يعدّها سحرَا .
وكان رسول الله يقعد في الحجرةِ ، ( أي حِجرِ إسماعيل ) ويقرأُ القرآنَ، فاجتمعتْ قريشٌ إلى الوليدِ بن المغيرةِ فقالوا : يا أبا عبدِ شمسِ ، ما هذا الّذي يقولُ محمدٌ ، أشِعرٌ هو أم كهانةٌ أمْ خطبٌ ؟ فقالَ : دعوني أسمعْ كلامَهُ .فدنَا منْ رسولِ الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا محمدٌ أنشِدني من شِعرَك ، فقال : ما هو شعرٌ ، ولكنّه كلامُ الله الّذي ارتضاهُ لملائِكتهِ وأنبيائِهِ . فقالَ اتلُ عليه شيئًا . فقرأَ رسول اللهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : ( حم ) من سورة فصّلت ، فلمّا بلغ قولُهُ : { فإن أعرضوا فقُل أنذرتُكم صاعقة } اقشعرّ الوليد ، ومرّ إلى بيته ، ولمْ يرجع إلى قريشٍ من ذلكَ ، فمشوا إلى أبي جهلِ ، فقالوا : يا أبا الحكمِ ، إنّ أبا عبد شمسٍ صَبا إلى دينش محمّدٍ ، أمّا تراهُ لم يرجِع إلينا ؟ فغدا أبو جهلٍ فقالَ لهُ : يا عمُّ ، نكّست رؤوسنا ، وفضحتَنا وأشمتّ بنا عدوّنا ، وصَبوْتَ إلى دينش محمدٍ.
فقال : ما صبوتُ إلى دينِهِ، ولكنّي سمعتُ منهُ كلامًا صعبًا تقشعرُّ منه الجُلودُ . فقالَ لهُ أبو جهلٍ أَخطيبٌ هو؟ قال : لا ، إنّ الخُطب َ كلامٌ متّصِلٌ ، وهذا كلامٌ منثورٌ ، لا يشبه بعضه بعضًا .
قال : أفشعرٌ هو :قال : لا ، أمّا إنّي قدْ سمعتُ أشعارَ العربِ بسيطَها ، ومديدَها ، وملَها ، ورجزًها ، وما هو بشعرِ .
قالَ:فما هُو ؟ قالَ دعني أُفكّرُ فيهِ
فلما كَانَ مِنَ الغَدِ قالُوا: يا أبا عبد شمس، ما تقولُ في ما قلناه؟
قالَ: قُولوا هوَ سِحرٌ، فَإِنَّهُ أَخذَ بقلوبِ النَّاسِ
وتحير الوليد بن المغيرة المخزوميّ المعاند للحقّ فيما يصف به القرآن ،
فعن ابنِ عباس رضي الله عنهما: أنَّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النَّبيِّ ﷺ، فقرأ عليه القرآن، فكأَنَّه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فَأَتَاهُ فَقالَ: يا عم، إِنَّ قومَكَ يَرَوْنَ أن يجمعوا لك مالا، قال الوليد: لِمَ؟ قال أبو جهل : ليعطوكَ إِيَّاهُ، فَإِنَّكَ أتيتَ محمَّدًا لِتَتعرضَ لِما قَبْلَهُ، قال الوليد: قدْ عَلِمَتْ قريش أَنِّي مِنْ أكثرها مالا، قالَ أبو جهل : فقل فيه قولًا ، يبلغ قومك أنّك منكر له
قال الوليد: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكمْ أَعلمُ بالأَشْعَارِ مِنِّي، ولا أعلمُ برَجَزها ولا بقصيدها، ولا بأشعارِ الجِنِّ مِنِّي، والله، ما يُشْبِهُ الَّذي يقولُ شيئًا
مِنْ هَذَا، وَواللهِ إِنَّ لِقولِهِ الَّذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لطلاوةً، وإِنَّهُ لمثمر أعلاه، مغدق أسْفَلُهُ، وإنَّهُ ليعلو وما يُعلى، وإنَّهُ ليُحطّمُ ما تحته، قال أبو جهل : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني أفكر فيه. فلما فكر، قال الوليد: هذا سِحْرٌ يُؤثَرُ، يَأْتُرُهُ عن غيره. فنزلت آيات سورة المدثر : و ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا (٣) وَمَهَدتُّ لَهُ، تمهيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لآيَتِنَا عِنيدًا } .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: اجتمع المشركون إلى رسولِ اللهِ ﷺ منهم: الوليد بن المغيرة