اللغة العربية فصل ثاني

السابع

icon

نص الاستماع:
أمضى الفارسُ العربيُّ في المدينةِ عشرينَ يومًا، ثمّ غادرَها فيضُحى يومٍ قائظٍ. كانتْ نفسُهُ منبسطةً، وكانَ قلبُهُ منشرحًا بقُرْبٍ  العودةِ إلى البيتِ والأهلِ. ومضى في طريقِهِ مُمْتَطِيًا جوادَهُ، مَزْهُوًّا بِهِ؛ لأنّهُ جوادٌ عربيٌّ كريمٌ، لَمْ يَجْرِ في الحَلْبةِ مرّةً إلا أتى سابقًا. والجوادُ عزيزٌ على صاحبهِ العربيِّ؛ فهوَ رمزُ الفُتوَّةِ والفروسيّةِ، والعربيُّ رفيقٌ بالحيوانِ الّذي يَخدِمهُ في حِلّهِ وتَرْحالِهِ. ارتفعتِ الشّمسُ حتّى بلَغَتْ كَبِدَ السّماءِ، وصارَ الحرُّ شديدًا، حتّى كأنَّ رمالَ الصّحراءِ جَمْرٌ مُتوقِّد. وإنّهُ لَفِي بعضِ الطّريقِ، إذا بهِ يَلقَى رجُلًا أَرْهَقَهُ الحرُّ. كانَ الرّجلُ حافيًا، وكانتِ الرّمالُ محرِقةً تحتَ قدمَيه. فترجّلَ الفارسُ، ودعا ذلكَ الرّجلَ ليَركَبَ الجوادَ. فامتطاهُ شاكرًا، داعيًا لهُ بطولِ البقاء. ولمْ يسيرا سوى لحَظاتٍ، حتّى نَهَزَ الرّجلُ الجَوادَ، فانطلقَ يَعْدو بِه. وعندَ ذاكَ تبيّنتْ للفارسِ حقيقةُ الأمرِ؛ لقدْ كانَ الرّجلُ لصَّا محتالًا، قدْ سرقَ الجَوادَ العزيزَ الحبيبَ. فأطْرَقَ الفارسُ قليلًا ثمَّ صاحَ بأعلى صوتِهِ: يا رجلُ، يا أخي، قفْ وخُذْ عنّي هذهِ الكلماتِ. أوقفَ اللّصُّ الجوادَ، وأنصتَ للفارسِ الّذي قالَ: الحصانُ حلالٌ لكَ يا أخي، ولكنّي أرجوكَ أنْ تكتُمَ هذا الأمرَ عنِ

النّاسِ؛ لِئَلّا ينتشرَ الخبرُ بينَ قبائلِ العربِ، فلا يغيثَ القويُّ الضّعيفَ، ولا يَرِقَّ الرّاكبُ للماشي، فتصبحَ الصّحْراءُ خاليةً منَ المروءةِ، ويزولَ بزوالها أجملُ ما فيها؛ فإنّ المروءةَ زِينةُ الصّحراءِ، والصّحراءُ منزلُ الجُودِ والكرمِ والفُتُوّة. ويا لَلدّهشة! لقد عادَ اللّصُّ حزينًا أَسِفًّا، وأَقبلَ على الفارس خَجِلا وقلبُه ممتلىٌّ بالنّدمِ، وقالَ للفارسِ: إنّ الكرمَ خُلُقٌ نبيَلٌ، وإنّ الصّفحَ طَبعُ الكرَامِ، فاصفحْ عنْ زَلّتي. إنّي أُعيدُ إليكَ جوادَكَ أيُّها الفارسُ النّبيلُ؛ خَشْيَةَ أنْ يُقالَ: إنّ عربيًّا أساءَ لَمنْ أحسنَ إليهِ، فضاعتِ المروءةُ في رمالِ الصّحراء.
 

Jo Academy Logo