التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه؛ فهو يعيش منذ القِدَم في تجمُّعات سُكّانية تعمل على تمتين الروابط بين أفرادها. وقد جاء الإسلام ليُعزِّز هذه الروابط بين الناس، ويدعو إلى استمرارها بين أبناء الوطن الواحد، حيث يعيش على أرضه أُناس قد يختلفون في الدين، أو العِرْق، أو اللغة؛ لذا ينبغي أنْ يكون هذا التنوُّع والاختلاف مَدْعاةً للوحدة والقوَّة، لا مُنطلَقًا للفُرْقة والضعف.
كذلك حَثَّ الإسلام على الوحدة والتعاون وتقبُّل الآخر، ودعا إلى نبذ الفُرْقة؛ لذا آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين من مهاجرين وأنصار في المدينة المُنوَّرة، فأصبحوا مجتمعًا متماسكًا تسوده المحبَّة والمودَّة، ويجمعهم نظام واحد. قال تعالى:﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا﴾.
يرتكز الوطن على مُقوِّمات ضرورية لاستمراره، هي:
الأرض، والشعب، والنظام السياسي المُتمثِّل في السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ
تُعَدُّ الوحدة الوطنية أحد أهمِّ المُقوِّمات التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد. وقد وجَّه الإسلام إلى مجموعة من المبادئ والأحكام التي تضمن ديمومة هذه الوحدة.
أولًا: مفهوم الوحدة الوطنية، وأهميتها
الوحدة الوطنية: هي تماسك أبناء الوطن، وتحابُّهم، وانتماؤهم إلى بلدهم، والتفاني في خدمته، والدفاع عنه من دون النظر إلى الاختلافات العِرْقية والدينية والثقافية.
وقد عَدَّ الإسلام الوحدة الوطنية فريضة؛ لِما لها من أهمية كبيرة في تحقيق استقرار الوطن ونمائه وتطوُّره في المجالات جميعها، وحماية أبنائه من الفتن، ونشر الأمن بينهم، وجعلهم قوَّة يُمكِنها التصدّي لأيِّ عدوان خارجي، والمحافظة على مكتسباتهم.
كذلك تُعَدُّ الوحدة الوطنية سببًا في عمارة الأرض؛ لأنَّ ذلك يقتضي تعاون أبناء المجتمع وتآلفهم ووحدتهم. قال تعالى: ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها﴾. وهي تعمل أيضًا على تمكين الناس من أداء واجباتهم الدينية والدنيوية.
ثانيًا: توجيهات الإسلام لتحقيق الوحدة الوطنية
وجَّه الإسلام إلى مجموعة من المبادئ التي تُدعِّم الوحدة الوطنية بين مُكوِّنات الشعب. وهذه أهمُّها:
أ . تأكيد مبدأ الأُخوَّة الإنسانية على أساس أنَّ جميع الناس يرجعون إلى أصل واحد، وأنَّ الهدف من تنوُّع لغاتهم وأعراقهم وأجناسهم تحقيق التعارف والتعاون بينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ».
ب. الدعوة إلى التعايش بين أبناء المجتمع على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم؛ فقد أنشأ النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مجتمعًا ضَمَّ المسلمين وغيرهم.
ج. محاربة كلِّ صور التعصُّب والعنصرية التي تُفرِّق بين أبناء الوطن الواحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحذِّرا من العنصرية: «دَعُوها؛ فَإِنَّها مُنْتِنَةٌ».
د . المساواة بين جميع أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات؛ فقد جاء في وثيقة المدينة المُنوَّرة: «وَإنَِّهُ مَنْ تَبِعَنا مِنْ يَهودٍ، فَإِنَّ لَهُ النَّصْر وَالْأسْوَةَ، غَيْر مَظْلومينَ، وَلا مُتَناصَر عَلَيْهِمْ».
ه. السعي لتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، للوصول بهم إلى الحياة الكريمة، بتقديم العون لكلِّ محتاج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنينَ في تَوادِّهِمْ وَتَراحُمِهِمْ وَتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذا اشْتَكى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعى لَهُ سائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمّى».
و . الدعوة إلى الاجتماع و التحذير من الفُرْقة. قال تعالى:﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾.
صور مشرقة
يُعَدُّ الأردن أُنموذجًا مُيَّزًا للوحدة الوطنية، والتماسك والتلاحم بين أبنائه؛ إذ يعيش فيه مواطنون يُمثِّلون تنوُّعًا عِرْقيًّا، ودينيًّا. وقد حافظ أبناء كلِّ عِرْق ودين على ثقافتهم ودينهم، واندمجوا جميعًا في المجتمع الأردني بوصفهم مواطنين لهم الحقوق نفسها، وعليهم الواجبات نفسها؛ ما أسهم في قوَّة الوطن، ووحدة شعبه.
ودعائم الوحدة الوطنية في الأردن قويَّة، وعلى رأسها:
- القيادة الهاشمية التي تُؤكِّد أنَّ وحدة أبناء الوطن وخدمتهم من أولوياتها في الحُكْم.
- القوّات المُسلَّحة الأردنية (الجيش العربي)، والأجهزة الأمنية المختلفة التي نَذَرت نفسها للدفاع عن الوطن وأبنائه، ومحاربة كلِّ ما يَمسُّ بهذه الوحدة.
- إضافةً إلى وعي المواطنين بأهمية المحافظة على الوحدة الوطنية وتقويتها، وعلى ما يجمعهم من إرث حضاري وتاريخي مشترك.
- التمسُّك بالقِيَم الدينية التي تدعو إلى المحافظة على الوحدة الوطنية.
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
تُمثِّل الأُمَّة الإسلامية جماعات من الناس، يجمعها دين واحد، وإطار تاريخي وحضاري ومصالح مشتركة. وقد قدَّمت هذه الأُمَّة للبشرية نموذجًا رائعًا في جميع الجوانب. قال تعالى: ﴿إنَّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾.
والوحدة الوطنية لا تتعارض مع وحدة الأُمَّة الإسلامية؛ لأنَّ تحقيق الوحدة الوطنية من أكبر أسباب وحدة الأُمَّة الإسلامية، ومن ثَمَّ يتعيَّن على أبناء الوطن الواحد القيام بواجبهم تجاه أُمَّتهم، بالتزام توجيهات الإسلام في المحافظة على وحدة الأُمَّة الإسلامية عن طريق ما يأتي:
أ . تأكيد مبدأ الأُخوَّة الإيمانية. قال تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾.
ب . محاربة أسباب الفُرْقة والاختلاف، (مثل: التعصُّب المذهبي، والتعصُّب الطائفي، والتعصُّب القَبَلي، والتعصُّب السياسي)، وعدم الإصغاء إلى دعوات الفُرْقة التي يبثُّها أعداء الأُمَّة من داخلها وخارجها. قال تعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾.
ج. السعي لإظهار التكامل بين أفراد الأُمَّة الواحدة، والاعتزاز بها، والمحافظة على منجزاتها، والدفاع عنها، والحرص على وحدتها، ونصرة أبنائها، والتعاون معهم.