التعلم القبلي
الإسلام دين إنساني يساوي بين الناس كافَّةً، ويُعامِلهم بالعدل والرحمة بصرف النظر عن اختلاف أعراقهم وأديانهم.
ولمّا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المُنوَّرة نظَّم العلاقة بين أفراد المجتمع، وكتب وثيقة أقرَّت الحقوق والواجبات للمواطنين جميعًا (رجالًا ونساءً) على اختلاف معتقداتهم، وضمنت لهم الأمن على حياتهم وأملاكهم.
أفكر وأبين أُفَكِّرُ في بنود وثيقة المدينة المُنوَّرة، ثمَّ أُبَين أثرها في علاقة أفراد المجتمع بعضهم ببعض. |
ضمنت وثيقة المدينة المنورة الأمن على معتقدات أفراد المجتمع وأملاكهم وحياتهم مما أدى إلى العيش الآمن. |
الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ
أعلل: من حكمة الله تعالى أنْ جعل الناس مختلفين في أعراقهم وثقافاتهم.
ليحصل بينهم التكامل والتعارف والتعاون.
أولًا: مفهوم التعايش الإنساني
يُقصَد بالتعايش الإنساني: تقبُّل الآخرين على اختلاف معتقداتهم وأعراقهم وثقافاتهم، واحترامهم، والتعامل معهم في جوانب الحياة المُتعدِّدة وَفق مبادئ الشريعة الإسلامية.
ثانيًا: مبادئ التعايش الإنساني في الإسلام
يقوم التعايش الإنساني في الإسلام على أُسس عِدَّة، أبرزها:
أ . وحدة الأصل البشري:
أكَّد الإسلام أنَّ الناس يرجعون في وجودهم إلى أصل واحد. قال تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً﴾ [النساء: 1]. وهذا سبب كافٍ للتعايش بين الناس، وتحقيق المصالح المشتركة بينهم.
ب. الكرامة الإنسانية:
-أثبت الإسلام مبدأ الكرامة الإنسانية لجميع البشر. قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا﴾ [الإسراء: 70] . -التكريم يستوي فيه الناس جميعًا دون النظر إلى الدين والجنس والعِرْق.
ج. الحرية: أعلى الإسلام من قيمة الحرية، وجعلها حقًّا للجميع ضمن ضوابط لا تُالِف الشرع أو القانون.
-للحرية صور عديدة، أبرزها حرية الإنسان في الاعتقاد. وقد جاء في القرآن الكريم ما يُؤكِّد حرية اختيار الدين، وعدم الإكراه عليه. قال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ [البقرة: 256]، وقال تعالى مُخاطِبًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم: ﴿أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ [يونس: 99].
أَستنتِجُ أَقرأُ فيما يأتي نصَّ العهدة العمريّة ثم أَستنتجُ مبادئ التّعايش الإنساني الواردة فيها: "هذا ما أعطى عبد الله، عمر أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر ملتها؛ أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من حيِّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم. (الطبري في تاريخه) |
أكدت العهدة العمرية على بقاء أماكن العبادة وترك حرية ممارسة العبادات والمحافظة على بيوت العبادة وحرمة الاعتداء عليها. (حرية الإنسان في الاعتقاد) |
د . الحوار بالحسُْنى:
- دعا الإسلام إلى الحوار الذي يقوم على احترام الآخر.
الدليل:قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[النحل: 125] .
-نهى الإسلام عن الجدال المذموم
أعلل : لماذا نهى الإسلام عن الجدال المذموم؟
لأنهَّ يُزعزِع دعائم التعايش السلمي.
- نهى الإسلام المسلمين عن سَبِّ الآخر وشتمه، وهذا ما أكَّده القرآن الكريم.
الدليل: قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 108] .(عدوًا: اعتداءً)
ه. البِر والإحسان:
حَثَّ الإسلام على الإحسان إلى الناس جميعًا حتى لو كانوا مخالفين لنا في الدين والعقيدة، ما لم يكونوا مقاتلين أو معادين للمسلمين.
الدليل: قال تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
- حرص الإسلام على رعاية غير المسلمين الذين يقيمون في المجتمع المسلم، وكَفَل لهم حقوقهم ومصالحهم، وعمل على توثيق أواصر التعايش بينهم وبين بقية أفراد المجتمع؛ بأنْ أباح للمسلمين أكل طعام أهل الكتاب.
الدليل:قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ [المائدة: 5].
و . العدالة:
هي إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه. وقد حَثَّ الإسلام على دفع الظلم عن الناس؛ سواء كانوا من المسلمين، أو من غير المسلمين.
الدليل:قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا﴾(بالقسط: بالعدل، يجرمنكم: يمنعكم، شنئان: بُغْض).
- حَثَّ الإسلام على دفع الظلم عن الناس؛ سواء كانوا من المسلمين، أو من غير المسلمين. الدليل: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أنْ مَنَّ الله تعالى عليه بالرسالة ذكَّرنا بما رآه من مبادرة عظيمة في مَكَّة المكُرَّمة يوم حِلْف الفضول؛ إذ تعاقد أهل مَكَّة على نصرة المظلوم وردع الظالم، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ عُمومَتي حِلْفًا في دارِ عَبْدِ الله بْنِ جُدْعانَ ما أُحِبُّ أَنَّ لي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ » [رواه ابن حَبّان].
ثالثًا:مجالات التعايش الإنساني
تتنوَّع مجالات التعايش الإنساني، وتتعدَّد. ومن ذلك:
أ . التعايش الديني: هو الإقرار بحرية الآخرين في اختيار معتقداتهم.
الدليل: قال تعالى: ﴿لكم دينكم ولي دين﴾[الكافرون: 6].
ويكون ذلك بالسماح لأهل الديانات الأُخرى بحرية الاعتقاد، وحرية ممارسة شعائرهم الدينية، وعدم الاعتداء على أماكن عبادتهم.
ب. التعايش الاجتماعي: هو إظهار الاحترام لمختلف شرائح المجتمع، وعدم المساس بما يُفْضي إليه هذا التنوُّع من عادات وتقاليد وأعراف مُتعدِّدة لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
الدليل:قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا﴾ [الحجرات: 13].
ومن أمثلة ذلك:
1.إشاعة الوئام مع أتباع الديانات الأُخرى في المجتمع.
2.التكافل والتضامن معهم.
3.الإحسان إليهم.
4.قبول هداياهم.
5.مشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم عند المصائب والأتراح.
والمحافظة - في الوقت نفسه- على الثقافة والقِيَم الإسلامية الأصيلة المُنبثِقة من العقيدة والشريعة السمحة.
ج.التعايش الاقتصادي:
تُعَدُّ إقامة العلاقات بين الشعوب ضرورةً حتميةً، وعاملً مُهِمًّا لاستقرار الأوطان، وتحقيق السَّلْم المجتمعي، وجلب الرخاء الاقتصادي.
- كَفَل الإسلام لغير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع المسلم حقَّ المشاركة في الحياة الاقتصادية، لا سيَّما أنَّ عهد النُّبُوَّة قد شهد نشاطًا ملحوظًا في العلاقات الاقتصادية مع غير المسلمين خارج حدود الدولة، وتمثَّل ذلك في شراء الحبوب من بلاد الشام التي كانت تَتْبَع الدولة الرومانية وقتئذٍ، وكان تجّار الروم يأتون إلى المدينة المُنوَّرة، ويجلبون إليها البضائع.
الدليل: «تُوفِِّّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير ».
د . التعايش السياسي: ويكون بين مكونات المجتمع المسلم، فقد كَفَل الإسلام حقَّ المُواطَنة لغير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي.
بُغْيَةَ :
- تحقيق التعايش السياسي بين جميع مُكوِّنات المجتمع؛ ما يُسهِم في الحفاظ على السَّلْم والأمن الداخليين، ويتيح لغير المسلمين تعرُّف الإسلام ومبادئه، والمشاركة في السلطة السياسية.
ومن ذلك ما نصَّت عليه وثيقة المدينة المُنوَّرة التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم تجعل المُواطَنة للمسلمين وحدهم، بل شملت غير المسلمين، بمقتضى الإقامة في المدينة المُنوَّرة، والالتزام بأحكام الوثيقة.
هـ. التعايش الدولي: يُقصَد بذلك إقامة علاقات مع الدول الأُخرى، والتعايش معها بعيدًا عن الصدام، ما لم تكن مُعادِية ومُُحارِبة للإسلام، أو مُعتدِية على المسلمين.
ويشمل ذلك التبادل الاقتصادي، والعلمي، والثقافي، والحفاظ على مُقدَّرات البيئة، استنادًا إلى مبدأ التعامل بالمثِْل وعدم الاعتداء.
الدليل: قال تعالى:﴿إنما يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ و أَخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وظاهروا على إخراجكم).
أتأمل وأستنتج
أَتَأَمَّلُ الحديث الشريف الآتي، ثمَّ أَسْتَنْتِجُ ما يدلُّ عليه من مجالات التعايش الإنساني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائحَِةَ الْجَنَّةِ، وَإنَِّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ».
التعايش الدولي
صُوَرٌ مُشْرِقَةٌ
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل الوفود، ويلتقي بهم في المسجد، بوصفه أنسب مكان لاستقبال الوافدين من أهل الكتاب وغيرهم؛ سواء كانت هذه الوفود حاضرة لطلب العلم، أو عقد المعاهدات وإبرامها. ومن هذه الوفود: وفد نصارى نجران.
(نجران: مدينة تقع في جنوب المملكة العربية السعودية، وقد كان سُكّانها من النصارى في ذلك الوقت، ثمَّ أسلموا فيما بعدُ).
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
من الأمثلة على التعايش الإنساني بين طوائف المجتمع الأردني على اختلاف أديانها وأعراقها:
- الوصاية الهاشمية على المُقدَّسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
- استضافة الملايين من اللاجئين.
- العمل من أجل الحوار والسلام العالميين.
- مشاركة المملكة الأردنية الهاشمية في مبادرة الوئام العالمي بين الأديان.
- الدعوة إلى قِيَم التعاطف والتسامح والرحمة والعيش المشترك داخل المجتمع الأردني، وترسيخها بين الناس جميعًا على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم.