الدراسات الإسلامية فصل أول

التوجيهي أدبي

icon

خلق الله تعالى الإنسان وبين له الهداية وطريق الضلال، قال تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن} فدلت الآية الكريمة أنّ من الناس من يختار طاعة الله تعالى، ومنهم من يختار الضلال.

ومن طبيعة البشر الخطأ والزلل وذلك بسبب:

  • ضعف إيمانهم.   
  • أو تأثرهم بالبيئة المحيطة بهم.                       
  • أو تلبية لرغبات النفس الأمارة بالسوء.

 

ولكن الله تعالى رحيم بعباده، فتح باب التوبة لمن أخطأ منهم، قال رسول الله :  " كل بني آدم خطّاء، وخير الخاطئين التوابون".

 

أولا: الذنب مفهومه وخطورته والتوبة منه

الذنب: هو ترك الواجبات أو ارتكاب المحرمات، فكل مخالفة فيها ترك لأمر أو فعل نهي تعد ذنبا.

والذنوب ليست متساوية في خطورتها: فهي:

  • تتفاوت بحسب آثارها في الفرد والمجتمع.                                 
  • وبما يترتب عليها من عقوبة وجزاء في الدنيا والآخرة.

 

والذنوب أنواع:

- منها الصغائر كالسب والشتم.

- ومنها الكبائر مثل عقوق الوالدين والسرقة، وتعاطي المسكرات والمخدرات، والزنى وغيرها، ويعد الإصرار على الصغائر والإكثار منها من الكبائر .

 

وقد عبر القرآن الكريم عن هذه المخالفات الشرعية بألفاظ متعددة مثل:

  1. الذّنب كما في قوله تعالى : {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}.
  2. المعصية في قوله تعالى : {ومَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدْخِلْهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
  3. السيئة في قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا}.

 

ومن الألفاظ الأخرى التي عبر بها القرآن الكريم عن الذنب، الإثم، والجرم، والحرام وغيرها.

وموقف الإسلام من الذنوب يظهر في النقاط الآتية:

  1. دعا الإسلام إلى التوبة من الذنوب، والمبادرة والإسراع بها، فقال ﷺ : "أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"، 
  2. وأكد على أنّ الله تعالى يغفر ذنب من تاب إليه، فقال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}، وقال رسول الله ﷺ: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له ".
  3. أكد الله تعالى في كتابه العزيز أنّه يغفر الذنوب جميعها، فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}

 

ثانيا: تعامل النبي ﷺ مع المدنيين

المذنب: هو كل من ارتكب معصية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة.

وقد استخدم النبي أساليب متنوعة في التعامل مع المذنبين، تتمثل بنصحهم وتقويم سلوكهم بأفضل الأساليب وأحسنها، حتى تساعدهم وتدفعهم إلى التوبة, وهذا ما سنه النبي ﷺ للناس، ومن تلك الأساليب ما يأتي:

 

1- التعريف بالذنب والتنفير منه

كان النبي ﷺ يبين للمذنب أن ما فعله هو معصية لله تعالى، وأنه ذنب قبيح؛ لينفره منه حتى لا يعود إليه.

- ومثال ذلك أن النبي ﷺ نفر الناس من الظلم، بأن شبه حال الظالم يوم القيامة بحال المفلس في الدنيا.

قال رسول الله ﷺ: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال النبي ﷺ: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، يأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"، وهذا تصوير لقبح هذه الأفعال لما لها من آثار سلبية عظيمة على حياة الناس.

- ولما ذكرت إحدى أمهات المؤمنين أخرى بما تكره قال لها رسول اللهﷺ: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". أي أن هذه الكلمة السيئة يمكن أن تلوث ماء البحر لسوئها.

 

2- فتح باب التوبة للمذنبين وتبشيرهم بالمغفرة

كان النبي ﷺ يبشر المذنبين بمغفرة الله تعالى ورحمته، ويبعث فيهم الأمل والإقبال على الخير والصلاح، حتى لا تمنعهم ذنوبهم من التوبة والعمل الصالح،

- جاء رجل إلى النبي ﷺ وهو في المسجد فقال: "إني أصبت ذنبًا، فعاقبني"، فسكت الرسول ﷺ ولم يسأله عنه، ثم أقيمت الصلاة، فلما انصرف النبي ﷺ تبعه الرجل ، وطلب من النّبي ﷺ مرة ثانية أن يعاقبه فقال له النبي ﷺ: أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضأت، فأحسنت الوضوء؟ قال : بلى، قال: ثم شهدت الصلاة معنا؟ قال الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله ﷺ: "فإنّ الله قد غفر لك ذنبك".

وهذا يتفق مع قول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

 

3- إرشاد المدنيين إلى الأعمال الصالحة التي تكفر سيئاتهم

أرشد النبي ﷺ المذنبين بعد التوبة إلى المداومة على الأعمال الصالحة التي تزيد في أجورهم وتكفر عنهم سيئاتهم، قال ﷺ: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

وجاء رجل إلى النبي ﷺ يخبره أنه ارتكب ذنبًا، فأرشده إلى الصلاة والأعمال الصالحة، وتلا عليه قول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ} (سورة هود، الآية ١١٤).

فقال رجل من القوم: يا نبي الله! هذا له خاصة؟ فقال النبي ﷺ: "بل للنّاس كافة".

ومن أبواب الخير التي أرشد النبي ﷺ الناس إليها الصدقة، فقد قال النبي ﷺ عنها: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ".

 

4- الستر عليهم وعدم إشاعة ما فعلوه من معاصي

فقد جاء أحد الصحابة للنبي ﷺ بغلام قد ارتكب معصية ليعاقبه، فقال له ﷺ: "لو سترته بثوبك؛ كان خيرا لك ".

 

5- حفظ كرامتهم وحقوقهم

راعي النبي ﷺ إنسانية المذنبين وشعورهم، فنهى عن سبهم ولعنهم وتعنيفهم أو الإساءة إليهم أو هجرهم، وحذر من الحكم على مصيرهم في الآخرة، وكان رفيقا معهم، ويسعى لإصلاحهم وإرشادهم،

فكانﷺ إذا بلغه عن المذنب شيء لم يصرح باسمه، وإنما ينتقد الفعل ويقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا".

وقد جيء للنبي ﷺ برجل كان يشرب الخمر، فأمر النبي ﷺ بجلده، فقال أحدهم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال الرسول ﷺ: "لا تلعنوه، فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله"، فنهى النبي ﷺ عن لعن ذوات الناس، وجعله محرما.

وقال رسول الله : "لعن المؤمن كقتله"، لأنّ اللعن هو حكم على الناس بالطرد من رحمة الله تعالى يوم القيامة، وهذا لا يعلمه إلا الله.

وأما تخصيص رسول ﷺ بعض الأفعال باللعن على عمومها دون غيرها فقد كان لأسباب منها:

  • بيان خطرها على الفرد والمجتمع.
  • وتنفيرا من الاقتراب منها.

ومن أمثلة ذلك :

  • لعن رسول الله ﷺ شارب الخمر وحاملها وعاصرها وبائعها.               
  • لعن آكل الربا.                 
  • ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء.
  • ولعن المتشبهات من النساء بالرجال.    

​​​​​​​فلعن رسول ﷺ من ارتكب الأفعال دون أن أصحابها.

 

ثالثا: مسؤولية الدولة والمجتمع نحو المذنبين 

ينبغي أن تتكاتف جهود الدولة والمجتمع في إصلاح سلوك المذنبين وتوجيههم، وذلك عن طريق ما يأتي: (النصح والتوجيه، المعالجة المسلكية، وعقوبة الجناة )

1 - النصح والتوجيه:

  • الأسرة : يبدأ النصح والتوجيه من الأسرة، فعليها أن تسترشد بالهدي النبوي في التعامل مع أبنائها، فلا تضخم أخطاءهم بصورة تشعرهم أنه لا يمكن معالجتها، أو التوبة عنها.
  • المدرسة:  وذلك بأن تتعامل مع الطلاب الذين يقعون في بعض الأخطاء السلوكية بأساليب تربوية، تهدف إلى إصلاحهم، وتعديل سلوكهم، واستخراج بذور الخير الموجودة فيهم، /  وتبتعد عن إهانتهم وشتمهم والتشهير بهم، وضربهم،  وتستثمر الطاقات الموجودة لديهم بأنشطة هادفة تأخذ بأيديهم إلى طريق الحق والصواب .
  • الإعلام: يقوم بواجبه في التنشئة الاجتماعية السوية الهادفة لأفراد المجتمع،  ونشر  الفضيلة والوعي بين أفراده ببيان خطر الذنوب على الأفراد والمجتمع، وعقوبتها في الدنيا والآخرة. بث البرامج الإصلاحية التي تأخذ بيد المذنبين نحو التوبة والاستقامة.

​​​​​​​

2- المعالجة المسلكية

إذا كان من هؤلاء المذنبين من قام بارتكاب الجنايات، فلا بد من إصلاحهم وتأهيلهم وهذا واجب الدولة فتقوم بذلك عن طريق المؤسسات المختصة مثل: 

  1. مراكز الإصلاح والتأهيل                 
  2. مراكز معالجة الإدمان، وتقوم هذه المراكز بما يلي:
  • تقديم العلاج وإعادة التأهيل للجناة.
  • تعليمهم بعض الحرف والأشغال التي تحولهم إلى أفراد يسهمون في بناء المجتمع.
  • تشجعهم على التعلم واكتساب المعارف النافعة، كحفظ القرآن الكريم وتعلم العلوم الشرعية واللغة العربية وغيرها من العلوم.

أمّا بالنسبة لظاهرة جنوح الأطفال، فينبغي أن تتنبه الدولة بمؤسساتها لهذه الظاهرة:

  • فتقوم بالحد منها، والسيطرة على أسبابها وآثارها عن طريق تطوير القوانين، وتحسين الإجراءات المتبعة في التعامل مع هذه الفئة
  • ورفع سوية الخدمات المقدمة لهم.

​​​​​​​

3- عقوبة الجناة

تفرض الدولة القانون وسيادة النظام عن طريق:             

- تطبيق العقوبات المناسبة على المذنبين الذين يخرجون عن القانون،                                   

- تقدمهم لمحاكمة عادلة.

ومن آثار تطبيق العقوبات :

يتحقق الأمن على النفس والعرض والممتلكات.ويتعزز الشعور بالعدالة التي تقوي الانتماء للوطن ومحبته.

 

Jo Academy Logo