اقتضت حكمة الله تعالى في الخلق أن يميز بين الناس في القدرات والطاقات، وفي ما أعطاهم من مواهب وإبداعات، وذلك:
- ليتعاون الناس كلهم في إعمار الكون.
- ويمارس كل منهم واجبه في الحياة.
- ويوزعوا المهام في بناء المجتمع بحسب طاقاتهم ومواهبهم.
فالناس يتفاوتون في قدراتهم الجسمية والنفسية والعقلية دل على ذلك
قوله تعالى:{ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ}
وقد كان النبي ﷺ يلاحظ قدرات أصحابه ﷺ، ويرعاها ويعززها، ويتعامل مع كل واحد منهم بما لديه من قدرات ومواهب .
أولا: مفهوم الموهبة والإبداع
مفهوم الموهبة يشير إلى أداء متميز في قدرة ما.
الموهوبون: هم أشخاص يمتلكون قدرات واستعدادات فطرية طبيعية تميزهم عن غيرهم.
مفهوم الإبداع: يشير إلى إنتاج شيء جديد ومفيد يمتاز بالأصالة.
والمبدعون: هم أشخاص يتميزون بقدرتهم على إنجاز أشياء جديدة ومفيدة تتصف بالأصالة.
والموهبون المبدعون يمتلكون مهارات تمكنهم من إخراج الموهبة إلى حيز الوجود في المجال الذي يتميزون فيه، كالرسم والأدب والاختراع العلمي وغير ذلك.
وللموهوبين والمبدعين أثر كبير في نمو المجتمع ورقيه وزيادة رفاهيته.
ثانيا: الهدي النبوي في التعامل مع الموهوبين والمبدعين
ورد في سيرة الرسول ﷺ مواقف كثيرة تدل على اهتمامه وعنايته بالموهوبين والمبدعين، ومن ذلك:
1- إبراز النبي ﷺ مكانة الموهوبين والمبدعين
أبرز النبي ﷺ تميز بعض أصحابه في ما برعوا به من علم أو عمل.
فقال ﷺ عن بعض أصحابه "أقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد - أي : أعلمهم بالمواريث -".
وأثنى النبي ﷺ في أحد المشاهد على موهبة أبي قتادة وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما في الفروسية والشجاعة، فقال فيهما النبي ﷺ "كان خير فرساننا: أبو قتادة، وخير رجالتنا: سلمة ".
وعندما سمع النبي ﷺ تلاوة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أعجبه صوته وقال له "يا أبا موسى! لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ".
2- تعزيز الموهوبين والمبدعين
الموهوبون والمبدعون ثروة بشرية لا تقدر بثمن؛ لذلك:
- يجب الاهتمام بهم وتحفيزهم،
- وتشجيعهم على الإبداع والابتكار، لأجل تطوير قدراتهم الإبداعية حتى لا تفتر،
وهذا ما كان النبي ﷺ يفعله مع أصحابه رضي الله عنهم، ومن أمثلة ذلك:
أ - أن النبي ﷺ حرص على توجيه ابن عباس رضي الله عنهما عندما وجد عنده موهبة في الحفظ والفهم، ليكون إماما من أئمة التفسير للقرآن الكريم، وكان حينها غلاما صغيرا.
فدعا له قائلا: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل"، حتى غدا ترجمان القرآن الكريم، وعالما من علماء الأمة.
ب - وعندما رأى النبي ﷺ من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موهبة وإبداعا في قراءة القرآن الكريم
- طلب منه أن يقرأ عليه شيئا من القرآن الكريم، مع أنه نزل عليه .
- حتى يعززه ويلفت نظره إلى منزلته في قراءة القرآن الكريم.
- حتى غدا ابن مسعود رضي الله عنه من قراء الصحابة الذين قال فيهم النبي ﷺ "من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه من ابن أم عبد" ، يريد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
3- الإفادة من قدرات الموهوبين والمبدعين
كان النبي ﷺ يوظف مواهب أصحابه وقدراتهم، فيكلف كل واحد منهم بما يتناسب مع موهبته، فيبذل الصحابي رضي الله عنه كل طاقته للوصول إلى الهدف المنشود، ومن هذه المواقف :
- تكليف حسان بن ثابت رضي الله عنه بالرد على أعداء الإسلام في شعره، وقال له: "إن روح القدس (جبريل عليه السلام) لا يزال يؤيدك ما نافحت (دافعت) عن الله ورسوله"، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: هجاهم حسان، فشفى صدور المؤمنين.
- عندما رأى النبي ﷺ موهبة زيد بن ثابت رضي الله عنه في تعلم اللغات، أمره بتعلم اللغة العبرية وكتابتها، فتعلمها وأتقنها في خمس عشرة ليلة.
وأدى ذلك التكليف إلى زيادة في إبداعه فتعلم الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوما.
وتعلم الحبشية والرومية والقبطية من خدام رسول الله ﷺ.
- استثمر النبي ﷺ معرفة معاذ بن جبل رضي الله عنه بالحلال والحرام بأن بعثه قاضيا لأهل اليمن.
ثالثا: مسؤولية المجتمع تجاه الموهوبين والمبدعين
الأسرة هي المسؤول الأول عن الموهوبين والمبدعين:
- فالوالدان يحفزان أبناءهم على الموهبة والإبداع عن طريق تقبل أسئلتهم والإجابة عنها،
- وتوفير البيئة التي تساعدهم على التميز،
- تزويدهم بأصناف من الكتب والقصص الهادفة التي تتناسب مع ميولهم واتجاهاتهم.
ثم تأتي مهمة المدرسة :
- في اكتشاف الموهوبين من الطلبة.
- وتنمية مواهبهم.
- وتزويدهم بالمعلومات خارج نطاق المدرسة عن طريق :
- الأنشطة اللاصفية، والمخيمات العلمية والكشفية، والمسابقات على المستوى المحلي والدولي.
ومؤسسات الدولة مسؤولة :
- عن البحث عن الموهوبين والمبدعين، وتبنيهم،
- وتطوير مواهبهم،
- وتنظيم البرامج والمسابقات الخاصة بهم،
- وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم.