تاريخ العرب فصل أول

التوجيهي أدبي

icon

الفصل الثاني : الحرب الباردة

شهد العالم في النصف الأول من القرن العشرين اندلاع حربين عالميتين تكبد بهما العالم خسائر بشرية ومادية فادحة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تحول الصراع إلى مواجهة غير مسلحة عرفت باسم الحرب الباردة.

  الحرب الباردة :(1947-1991م) :

       هي صراع غير مسلح يقوم على التهديد باستعمال القوة عبر الإعلام، وتبادل الاتهامات والتصرفات العدائية بين       الدول، وسرعة حشد القوات العسكرية في مناطق التوتر.

أولًا : جذور الحرب الباردة

ترتب على الحرب  العالمية الثانية (1939-1945م) تحولات وتغيرات جذرية على المستوى العالمي، فقد

                                                          - انهارت النظم الشمولية (الديكتاتورية) الفاشية والنازية في أوروبا،

                                                          - وخرجت بريطانيا وفرنسا منهكتين اقتصاديًا وعسكريًا، وتراجع موقعاهما الدوليان،

                                                          -بينما ظهر قطبان عالميان جديدان هما: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي, وأصبح هذا النظام                                                                              يعرف بالنظام الدولي الثنائي القطبية, وقد بدأت مظاهر العداء بين القطبين تظهر مع نهاية الحرب العالمية الثانية في ما                                                            عُرِف بالحرب الباردة.

النظام الشمولي : هو النظام الذي لا يؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية، ويقوم  على سيطرة الحزب الواحد على كل سلطات الدولة.

الفاشية : حركة سياسية عنصرية تقوم على تمجيد الفرد على حساب اضطهاد جماعي للشعوب, والإيمان بتفوق الشعب الإيطالي، وظهرت في إيطاليا في عام 1922م بزعامة موسيليني الذي يعد. أول من نادى بالفاشية مذهبًّا سياسيًا.

النازية : حركة سياسية عنصرية تؤمن بالعداء للديمقراطية, وتفوق الجنس الجرماني، وحقه في زعامة العالم، وصلت إلى الحكم في ألمانيا في عام 1933م بزعامة أدولف هتلر الذي طبق سياسته النازية، ما كان سببًا من أسباب  اندلاع الحرب العالمية الثانية.

ثانيًا : عوامل قيام الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي

 أدت عوامل عدة إلى زيادة حدة التنافس والصراع وعسكري بين المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ومن أبرزها:

1- التنافس والصراع على المصالح السياسية والإستراتيجية في العالم.

2- التقدم التقني الذي انعكس بصورة مباشرة على مجال التسليح، فأدى إلى ظهور أنواع جديدة من الأسلحة ذات قوة تدميرية هائلة, ومنها الأسلحة النووية التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في ضرب مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في عام 1945م, ما أدى إلى التسابق في تطوير الأسلحة غير التقليدية، حيث توصل الاتحاد السوفييتي إلى إنتاج القنبلة الهيدروجينية في عام 1952م, والصواريخ العابرة للقارات، واستمر التنافس في مجال التصنيع العسكري بين المعسكرين.

3- قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم مساعدات اقتصادية لدول أوروبا المتضررة من الحرب العالمية الثانية عن طريق مشروع مارشال في عام 1947م؛ ما عده الاتحاد السوفييتي تحديًا له ودفعه إلى تشكيل تكتل اقتصادي في عام 1947م، وتنسيق النشاطات الاقتصادية بين الحكومات والأحزاب الاشتراكية في الدول المختلفة.

الرأسمالية: يقوم الفكر الرأسمالي على أساس الديمقراطية والحرية السياسية والحرية الاقتصادية للأفراد في ملكية النشاط الاقتصادي والتنافس الحر وإدارتهما، والحد من دور الدولة في الاقتصاد, واقتصاره على التوجيه والتنظيم, وأدت الرأسمالية إلى سيطرة مجموعة من الطبقات الغنية على المشروعات الاقتصادية الكبرى، وتحكمها في السوق والأجور والأسعار.

الاشتراكية: يقوم الفكر الاشتراكي على أساس نظام الحزب الواحد, والملكية العامة لعناصر الإنتاج، وإلغاء الملكية الفردية، وتقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، وتملك الدولة لعناصر الإنتاج, وضعف الحوافز الفردية والمركزيّة الإدارية ، ما أدى إلى إلغاء المنافسة، والدافعية في الإنتاج.

4- التناقض الأيديولوجي بين القطبين الذي عمق الاختلاف بينهما، حيث انقسمت الكثير من دول العالم إلى أيديولوجيتين رأسمالية واشتراكية.

- ما عوامل ظهور النظام الدولي ثنائي القطبية؟

1 - انهيار النظام الشمولي ( الديكتاتورية) الفاشية والنازية في أوروبا.

2 - خروج بريطانيا وفرنسا منهكتين اقتصادًيا وعسكريًا  وتراجع مواقعهما الدوليين، 

3- ظهور قطبان  عالميًا جديدان هما الولايات المتحدة الأمريكية  والاتحاد السوفيتي

 

ثالثًا : الأزمات الدولية

نتج عن الحرب الباردة ظهور العديد من الأزمات الدولية كان من أبرزها:

1 - الأزمة الكورية في عام 1950م

تعد الأزمة الكورية من الأحداث البارزة ضمن الصراع بين القطبين الرأسمالي والاشتراكي، حيث قامت قوة عسكرية تابعة لكوريا الشمالية التي تتبع النظام الاشتراكي بشن هجوم على كوريا الجنوبية التي تتبع النظام الرأسمالي واجتياز خط عرض(38) درجة، وهو الحد الفاصـل بين الكوريتين انظر الشكل رقم (3-3)، ما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال قواتها البحرية والجوية إلى كوريا الجنوبية، من أجل صد هجوم كوريا الشمالية، وتعزيز دفاعات كوريا الجنوبية, واحتواء التوسع الشيوعي, وأدى الدعم الصيني والسوفييتي لكوريا الشمالية إلى تفوقها، ما دفع الولايات المتحدة للتهديد باستخدام الأسلحة النووية, واستمرت الحرب حتى عام 1953م، عندما وقعت هدنة بإشراف هيئة الأمم المتحدة تقضي بتراجع القوات المتحاربة إلى خط عرض (38)درجة, ولا تزال حالة العداء بين الكوريتين قائمة حتى وقتنا الحاسر.

 

2- العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م

أدى رفض مصر الانضمام إلى حلف بغداد في عام 1955م، وإقامة علاقات سياسية وعسكرية مع الدول الاشتراكية إلى سعي إدارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جذب مصر للمعسكر الرأسمالي عن طريق تقديم إغراءات جاءت على صورة تمويل لمشروع السد العالي، وبسبب استمرار النهج المحايد لمصر في السياسة الخارجية، - واعترافها بجمهورية الصين الشعبية الاشتراكية في عام 1956م، - ودعم الثورة الجزائرية, سحبت الولايات المتحدة تمويل السد العالي، وعلى إثر قيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس شنت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانًا على مصر في عام 1956م.

وقد رفض الاتحاد السوفييتي الهجوم على مصر، وهدد بالرد على بريطانيا وفرنسا إذا لم توقفا عدوانهما, وانتهى هذا العدوان بالفشل بسبب صمود الشعب المصري، ووقوف الرأي العام العربي والعالمي إلى جانب مصر.

التأميم :

تحويل ملكية الشركات والمشاريع الأجنبية إلى ملكية عامة للدولة.

3 - أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962م

كانت كوبا من أكثر المناطق إثارة لقلق الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الحرب الباردة، بحكم موقعها الجغرافي الإستراتيجي المجاور لها، ووصـول الزعيم الكوبي فيديل كاسترو الموالي للاتحاد السوفييتي إلى الحكم في عام 1959م, ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في عام 1960م، أن تفرض حظرًا تجاريًا على كوبا وتقطع علاقاتها الدبلوماسية معها في عام 1961م.

وفي عام 1962م نصب الاتحاد السوفييتي صواريخه النووية في كوبا؛ ما عده الرئيس الأمريكي جون كندي تطورا خطيرًا يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، لذا فرض حصارًا بحريًا على كوبا لمنع وصول أي إمدادات عسكرية إضافية إليها، ووضع القوى النووية الإستراتيجية الأمريكية على أهبة الاستعداد. وكادت الأزمة الكوبية أن تؤدي إلى حرب نووية بين المعسكرين الغربي والشرقي لولا تدخل الأمم المتحدة لفك الحصار المفروض على كوبا، مقابل استعداد الاتحاد السوفييتي لسحب صواريخه منها، على أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تحسنت العلاقات الأمريكية الكوبية تدريجيًا حيث قام الرئيس الأمريكي السابق أوباما بزيارة كوبا في عام 2016م بعد انقطاع في العلاقات دام. لأكثر من (88)عامًا

4 - حرب أكتوبر- تشرين(رمضان) 1973م   

  نظرًا لاحتلال إسرائيل أجزاء من الأراضي المصرية والسورية في حرب عام 1967م, شنت كلاًّ من مصر وسوريا في 6 تشرين الأول من عام 1973م بالتنسيق فيما بينهما هجومًا مباغتًا على إسرائيل لاستعادة أراضيهما, وقد ساندت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل وزودتها بالأسلحة والمعدات خاصة بعد قيام الاتحاد السوفييتي بدعم القوات المصرية والسورية؛ ما زاد من توتر العلاقات بين المعسكرين الغربي والشرقي، ونتيجة لذلك حظرت الدول العربية تصدير النفط العربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المؤيدة لها ردًّا على سياساتها المساندة لإسرائيل، وأدى ذلك التوتر إلى وضع الرئيس الأمريكي نيكسون قواته التقليدية والنووية في شتى أرجاء العالم على أهبة الاستعداد، وهو ما لم يحدث منذ أزمة الصواريخ الكوبية. وقد نجحت الجهود الدولية بوقف إطلاق النار بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم (338).

وقد شاركت بعض الدول العربية في تلك الحرب ومن بينها الأردن التي أرسلت اللواء (المدرع أربعين) إلى الجبهة السورية بعد تدهور الموقف العسكري للجيش السوري، وعمل إلى جانب القوات العراقية، وأجبر اللواء المدرع أربعين القوات الإسرائيلية على التراجع لمسافة (10)كلم, وشاغل القوات الإسرائيلية، ومنعها من الزحف باتجاه العاصمة السورية دمشق.

5 - غزو أفغانستان في عام 1979م

بدأت الأزمة الأفغانية في عام 1973م، في أعقاب القضاء على النظام الملكي، واستيلاء الأمير محمد داود على الحكم، وإعلانه النظام الجمهوري في أفغانستان، إلا أنه لم يستطع تحقيق الاستقرار والأمن في أفغانستان؛ ما أدى إلى مقتله في الانقلاب العسكري في عام 1978م، واستيلاء الاشتراكيين على الحكم، وزيادة النفوذ السوفييتي في أفغانستان عن طريق 

                                                                - إرسال الخبراء العسكريين،

                                                                - وتقديم الدعم الاقتصادي،

                                                                - وتشجيع الأحزاب السياسية المرتبطة بالأيديولوجية الاشتراكية؛

وأدى هذا إلى قيام ثورة إسلامية ضد الحكومة الأفغانية والنفوذ الشيوعي السوفييتي, وعلى إثر ذلك قام الاتحاد السوفييتي بغزو أفغانستان في عام 1979م لمنع نجاح الثورة الإسلامية التي كانت تطمح إلى أن تقضي على الشيوعية والنظام الحاكم الموالي لها في أفغانستان.

ومع تطور القتال ازداد دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمقاومة الأفغانية بالأسلحة الحديثة والمتطورة إضافة إلى دعمها من بريطانيا والصين وباكستان وبعض الدول العربية، فتكبد الاتحاد السوفييتي خسائر عسكرية كبيرة في الجنود والمعدات, أجبرته على الانسحاب من أفغانستان في 15 شباط من عام 1989م.

رابع نهاية الحرب الباردة

بتولي الرئيس ميخائيل غورباتشوف زعامة الاتحاد السوفييتي في عام 1985م بدأت مرحلة جديدة عجلت في إنهاء الحرب الباردة.

واستطاع غورباتشوف أن   

                                   - يفرض رؤية جديدة للعلاقات بين الغرب والشرق،

                                   -ووقف سباق التسلح مع الولايات المتحدة الأمريكية،

                                   -وإنهاء علاقة العداء التي كانت بين القطبين؛ فخف التوتر في العالم,

                                  -وحاول إجراء إصلاحات داخلية للخروج من الأزمة الاقتصادية التي كان يعانيها الاتحاد السوفييتي عن طريق اتباعه سياسة داخلية                                                تمثلت بإعادة البناء والانفتاح، إلا أنه أخفق في تحقيق التقدم الاقتصادي لبلاده,

ومع تراخي القبضة السوفييتية على أوروبا الشرقية، اندلعت ثورات شعبية عدة مطالبة بالديمقراطية أطاحت بالأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، بدأت من بولندا، ثم انهيار جدار برلين في عام 1990م الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، وبحلول عام 1991م  اُْعِلنَ رسميًا انتهاء الحرب الباردة.