النقد الأدبي فصل ثاني

التوجيهي أدبي

icon

 

 المناهج النقديّة في العصر الحديث

      المنهج النّقديّ طريقة لها إجراءات وأدوات ومعايير خاصّة يتَّبِعها النّاقد في قراءة النصّ الأدبيّ وتحليله، بهدف الكشف عن دلالاته، وأبنيته الشكليّة والجماليّة، وكلّ ما يتّصل به.

 وقد تعدّدت المناهج النّقديّة الّتي يَتّكئ عليها النُّقاد في العصر الحديث في نقد الأدب تحليلًا وتفسيرًا وتقويمًا. ومن هذه المناهج : التاريخيّ، والاجتماعيّ، والبِنيويّ

 

 

 المنهج التاريخيّ

    هو منهج نقديّ يَقوم على دراسة الظّروف السياسيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، للعصر الذي يَنتمي إليه الأديب، متَّخِذًا منها وسيلةً لفهم النصّ الأدبيّ، وتفسير خصائصه، وكشف مضامينه ودلالاته. ويُؤمِن أَتْبَاع هذا المنهج بأنّ الأديب ابنُ بيئته  وزمانه، والأدب نِتاج ظروفٍ سياسيّة، واجتماعيّة، وثقافيّة، يتأثَّر بها ويؤثِّر فيها، ومن ثمَّ، دَرَسَ النُّقاد الذين اتَّبعوا هذا المنهج النّصوص الأدبيّة في ضوء المؤثّرات الثلاثة الآتية:

1– العِرْق، بمعنى الخصائص الفِطْرية الوراثيّة المشتَرَكة بين أفراد الأُمّة الواحدة المنحَدِرة من جنسٍ معيَّن التي تترُكُ أثَرَها في النّص.

2 – البيئة أو المكان أو الوَسَط، بمعنى الفضاء الجغرافيّ وانعكاساته الاجتماعيّة في النّص الأدبيّ.

 3– الزّمان أو العصر، ويعني مجموعة الظروف: السياسيّة، والثقافيّة، والدينيّة، والاجتماعيّة، الّتي من شأنها أن تترُك َآثارَها في النًص الأدبيّ.

 

 

المنهج الاجتماعيّ

 

    هو منهج نَقْدي يَرْبط الإبداع الأدبيّ والمُبدِع نفسَه بالمجتمع بطبقاته المختلفة.

والتَّشابُه بين المنهج التاريخيّ والمنهج الاجتماعيّ كبير، فقد ربطَ أصحاب المنهج التّاريخيّ الإبداع الأدبيّ في بعض جوانبِه – مثلما رأينا – بالمجتمع بصورةٍ ما، في حينِ أنَّ أصحابَ المنهج الاجتماعيّ ساروا شوطًا بعيدًا وتعمَّقوا في ربط الإبداع والمُبدِع نفسِه بالمجتمع والحياة، فالنّصّ الأدبيّ يُمثّل وِجْهةَ نَظَرٍ جماعيةً، حتّى إنّ المجتمع وَفْقَ هذا المنهج يُعَدُّ كأنّه المُنتِج الفعليّ للنّصّ، فالقارئ حاضرٌ في ذِهْن الأديب، لأنّه وسيلتُه وغايته في آنٍ معًا، أي إنّ الأديب يَصْدُر في النّصّ عن رؤى مجتمعه؛ لذا أنْضَجَ المنهجُ الاجتماعيّ في النّقْد مجموعةً من المفاهيم والمصطلحات النّقديّة المُهمّة، مثل: " الفنُّ للمجتمع"،  و "الأدَب المُلتزِم".

 

 يحرِص النُّقّاد في المنهج الاجتماعيّ على عناصرَ أساسيّةٍ في مُحاوَلة إبراز العَلاقة بين الأدب والمجتمع، وأبرز هذه العناصر ما يأتي:

 

1– وَضْع الأديب في مجتمعه، ومكانتُه فيه، ومدى تأثُّرِهِ بمجتمعِهِ وتأثيرِهِ فيهِ.

2 – التّركيز على ثلاث قضايا أساسيّة في مُهِمَّتهم النّقديّة، هي:

أ– المحتوى الاجتماعيّ والمضامينُ والغايات الاجتماعيّة التي تهدِف الأعمال الأدبيّة إلى تحقيقها.

 ب – الجمهور الذي يتلقّى النّصّ، ومدى التّأثير الاجتماعيّ للأدب في هذا الجمهور.

جـ – دراسة آثار التغيُّرات والتّطورات الاجتماعيّة في الأدب: أشكالِه، وأنواعِه، ومضامينِه.

3– ملاحظة أثَر الرّعاية المجتمعيّة في الإبداع الفنيّ، وهذه الرعاية قد تكون من الدّولة أو من الجمهور عن طريق المُنتَديات، والمجلّات، والجامعات، ودُور النَّشْر، وغيرها.

4 – مناقشة طبيعة الدّولة ونظامِها، من حيثُ حرية الأدب وازدهارُه في ظلِّ الدّولة الدّيمقراطيّة، أو تراجعُه وانحدارُ مستواه في ظلّ الدّولة الدكتاتوريّة.

 

 

 

المنهج البِنيويّ

      المنهج البِنيويّ منهجٌ نقديّ يَدرس العمل الأدبيّ بوصفه بِنيةً متكاملة ذاتَ علاقات بين مفرداته، بعيدًا عن أيّة عواملَ أخرى خارجيةٍ، مثل العوامل: التاريخيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّةِ.

   وينظر المنهج البِنيويّ إلى النّصّ على أنّه عالَمٌ مستقِلٌّ قائم بذاتهِ، ويَستبعِد كلَّ ما هو خارجَه، والسُّلطة عنده للنصّ فهو بالنّسبة إليه مُغْلَقٌ ونهائيّ، ويُحال تفسير النّصّ إلى النّصّ نفسِه لا إلى غيره. وللنّصّ في المنهج البِنيويّ مركزيةٌ ثانية وحولَها تَدورُ تفسيراتُه، وله أيضًا تناسقٌ وانسجام، وهو خاضعٌ لنظام يَضْبِطه، وعلى النّاقد البِنيويّ البحثُ عن سِرّ النّصّ لِيُدرِكَ أبعادَه، وعليه، فإنّ وظيفة النَّقْد البِنيويّ ت َنحصر في الكشف عن أبنية النّصّ وعلاقاتِه الدَّاخلية. ومن ثَمَّ، فإنَّ للنَّقْد البِنيويّ مستوياتٍ في تحليل العمل الأدبيّ يُمْكِن إجمالها بما يأتي:

 

. ١ – المستوى الصوتيّ

 تُدرَسُ فيه دلالاتُ الحروفِ وموسيقاها من: نَبْرٍ، وتنغيمٍ، وإيقاعٍ، وأثَر ذلك في البِنية الدلاليّة للنّصّ.

٢– المستوى الصرفيّ

تُدرَس فيه دلالاتُ الصِّيَغ الصرفيّة ووظيفتُها في التّكوين اللّغويّ والأدبيّ خاصّةً.

٣– المستوى المعجميّ

تُدرَس فيه الكلماتُ لمعرفة دلالاتها اللّغويّة وعلاقتها بمضمون النّصّ.

 ٤– المستوى النحويّ

 ويُدرَس فيه تأليفُ الجمل وتركيبُها وطرائقُ تكوينها وخصائصُها الدلاليّة والجماليّة.

٥ – المستوى الدّلاليّ

 ويَجري فيه تحليلُ معاني الجمل والتّراكيب وتآزرِها في تشكيل البِنية الدلاليّة العامّة للنّصّ وللمنهج البِنيويّ عدّة مُنْطلَقات، منها ما يأتي:

أ– ضرورة التّركيز على الجَوْهر الداخليّ للعمل الأدبيّ، وضرورة التّعامل معه من غير أيّ افتراضات مُسبقة، إذ يُهاجم البِنيويّون المناهج التي تُعْنى بدراسة إطار الأدب ومحيطِه وأسبابِه الأدبيّة في ضوء سياقها الاجتماعي والتّاريخيّ؛ لأنّها لا تَصِفُ الأثَرَ الأدبيّ بالذّات حين تَصِفُ العوامل الخارجيّة.

ب – الوقوف  في التّحليل البِنيويّ على حدود اكتشاف  البِنية الدَّاخلية في العمل  الأدبيّ فهو جوهرها.

 

مَلامِح الحركة النّقديّة في الأردنّ

 

 بدأت الحركة النّقدية في الأردنّ مُتواضِعةً، ثم تطوَّرت شيئًا فشيئًا متأثّرةً بالحركة النّقديّة في الأقطار العربيّة التي استمدَّت أفكارها من النّظريّات والمناهج النّقديّة العالميّة.

 ونتتبَّع في هذا المقام مَلامِح الحركة النّقديّة في الأردنّ حَسَبَ توزيعها في ثلاث مراحلَ، نتناولُ فيها الجوانب المختلفة لمَعالِم النَّقد في الأردنّ في كلّ مرحلة.

 مرحلة النَّشْأة والتّأسيس

 في دراسة بواكير الحركة النّقديّة في الأردنّ لا بدّ من الإشارة إلى الدَّور الفاعل لتأسيس الإمارة في تنشيط الحركة الأدبيّة والنّقديّة، إذ شكَّل قُدوم الأمير المؤسّس عبدالله الأول ابن الحسين عاملا أساسيا في بداية ظهور الحركة النٌقديّة في ذلك الوقت، فقد عَملَ منذ تَولّيه إمارة شرقيّ الأردنّ على رعاية الأُدباء المَحَلّيينَ والأدباء الوافِدينَ من الأقطار العربيّة، وتجلّى ذلك في عدد من المَظاهِر، أهمُّها المجالس الأدبيّة الّتي كان يرعاها في قَصْرَي: رغدان، وبسمان، في عمّان، وقصر المَشْتَي في الشُّونة. وكان مِنْ طبيعة هذه المَجالِس الأدبيّة أن تجريَ فيها المُطارَحات والمُحاوَرات والمُناقَشات النّقديّة لكلّ ما يَرِدُ ذِكْره من أقوالٍ أدبيّة وكتاباتٍ وأشعار.

 

أ-عَملَ منذ تَولّيه إمارة شرقيّ الأردنّ على رعاية الأُدباء المَحَلّيينَ والأدباء الوافِدينَ من الأقطار العربيّة، وتجلّى ذلك في عدد من المَظاهِر، أهمُّها المجالس الأدبيّة الّتي كان يرعاها في قَصْرَي: رغدان، وبسمان، في عمّان، و قصر المَشْتَي في الشُّونة. وما كان يجريَ فيها المُطارَحات والمُحاوَرات والمُناقَشات النّقديّة.

ب-إجراء المُساجَلات الشّعريّة  بين عَرارٍ والأمير عبدالله الأوّل ابن الحسين، وكان القُرّاء والكُتّاب يَحتَفونَ بها، ويُعلِّقون عليها ملحوظاتهم النَّقدية التي كان لها صَداها في تحديد مَعالِم الحركة النَّقديّة في مرحلة النّشٍأة.

ج- عَمِلَ الأميرُ المؤسِّس أيضًا على تشجيع الصِّحافة والكتابة النَّقْديّة، بإسهامه بعددٍ من التَّعليقات النَّقدية في افتتاحيات الصُّحف والمَجلّات

 

 

 

 

مرحلة التّجديد

 

 ثَمّةَ تحوُّلٌ جذري طَرَأَ على واقع الحركة الأدبيّة والنّقديّة في الأردنّ في أوائل الخمسينيّات وأوائل الستينيّات، تَمَثَّلَ بظهور مجلّة " القَلَم الجديد " لعيسى الناعوريّ عام ١٩٥٢م، إذ أسهمَتْ هذه المَجلّة في تكوين أرضيّةٍ صُلْبةٍ لِتَكونَ ملتقى الآراء الأدبيّة والنّقديّة

- أ-ظهور مجلّة " القَلَم الجديد " لعيسى الناعوريّ عام ١٩٥٢م، التي أسهمَتْ هذه المَجلّة في تكوين أرضيّةٍ صُلْبةٍ لِتَكونَ ملتقى الآراء الأدبيّة والنّقديّة، واستطاعت استقطاب أقلامِ عدد من رموز الأدب والفِكْر داخلَ الأردنّ وخارجَه.

ب- صدور الكتب التي أسهمت في إثراء الحركة النقدية في الأردن في هذا العقد، بما تناولته من آراء وقضايا نقدية دقيقة تدل على خبرة النقاد وعلى اطلاعهم على أهم الاتجاهات الأدبية والنقدية في العالم

* المؤسَّسات :التي ساعدت على تطوُّر النَّقد الأدبيّ في الأردنّ:

١– الجامعات

 

   إذ أدّى تأسيسُ الجامعة الأردنيّة عام ١٩٦٢م إلى إيجاد بيئةٍ نَقديّة تُعْنى بتدريس المُمارَسات النّقديّة في ضَوْء النّظريّات النّقديّة الحديثة، وقد أدَّت جامعة اليرموك التي أُنشِئت عام ١٩٧٦م المُهِمّةَ نَفْسَها. وساعدتْ هذه المؤسَّسات العِلميّة على ظهور دراساتٍ أكاديميّة تعمل على دراسة الإبداع الأدبيّ ضمن معاير المنهج العلميّ، وظهور الدّراسات النّقديّة المتخصِّصة.

 

 

٢– رابطة الكُتّاب الأردنيّين

أنشِئت عام ١٩٧٤م، وقد ساعدتْ على توسيع البيئة الثَّقافية التّي تهتمّ بالأدب

ونَقْده عبر آراء كتابها، وإقامة النّدوات، والمشاركة في المؤتمرات الأدبيّة والنّقديّة

 

 

 

 

مرحلة الكتابة النّقديّة في ضوء المَنهجيّات الحديثة

 

    حَدَثَ الانفجار المعرفيّ في عَقْديِ: الثمانينيّات، والتسعينيّات، وتفاعَلَت الحركة النّقديّة في الأردنّ، شأنَ الحركة الأدبيّة عامّةً، مع مصادرَ معرفيةٍ مختلفة، ولا سيما المَنهجيّات النّقديّة الحديثة في العالم، ومن هنا، فإنّ النّقْد في هذهِ الفترة تَضَاعَفَ في إنتاجه وتَحَوَّلَ في مناهجه وتِقْنِياته العِلميّة، فأسهم النُّقاد الأردنيّون بذلك في النَّقد العربيّ بشكلٍ واضِح، وتَرَكوا بصماتِهم فيه؛ لذا نَعرِضُ في هذا المبحث لأهمّ الاتّجاهات النَّقديّة الأردنيّة في ضوء المناهج الحديثة في فترة النَّصف الثّاني من القرن العشرين، وتتلخّص بالآتي:

 

1– الاتّجاه الجماليّ

ويُقصَد به المُمارَساتُ النّقديّة التًي تعتمد الذُّوقَ معيارًا، فالنّصّ الأدبيّ مُجرَّدُ مُثيرٍ جماليّ يبعثُ في النّفس إحساساتٍ جَماليّةً ممتِعةً. ومن ثَمّ، يتناول النّاقد – وَفْق هذا الاتجاه – مُقوِّمات الجَمال في النّصّ الأدبيّ من وِجْهة نَظَره، أي إنّ المتلقّي يُعَدُّ مُبدِعًا آخر للنّص؛ ممّا يفضي إلى تَعَدُّد القراءات

 

2 – الاتّجاه المقارن

يُعْنى أتْباعُ هذا الاتّجاه النّقْديّ بدراسة مظاهر التأثُّر والتّأثير بين النّصوص الأدبيّة، مُعتَمدينَ على محور اللّغة في المَقام الأوّل من أجل الوقوف على سَيْر الآداب العالميّة وكَشْفِ حقائقها الفنية والإنسانية

من مميّزات النّقد في هذه المرحلة على النحو الآتي:

أ– سعة المجال وتنوّع القضايا النّقديّة التي يتناولها النّقد.

 ب – ارتفاع مستوى الذّوق النّقديّ لدى النّقادِ في هذه المرحلة.

جـ – اعتماد الأدوات النّقديّة المنهجيّة في القراءة والتّفسير والتّحليل.

د– الموضوعيّة، بمعنى أنَّه صارَ ينمو بعيدًا عن الذاتيّة والمزاجيّة.

هـ –التّأثُر بالنّقْدِ الأدبيّ في ضَوْء المنهجيّات النَّقديّة الحديثة.