الدراسات الإسلامية فصل أول

التوجيهي أدبي

icon

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " المؤمن الذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم". 

يبيّن الحديث الشريف حرص النّبي صلى الله عليه وسلّم على مخالطة النّاس، ومشاركتهم  همومهم، وتلبية حاجاتهم، وقد تعامل النّبي صلى الله عليه وسلم مع شرائح المجتمع كلّها: الغني والفقير، والصغير والكبير، والمحسن والمسيء.

وسيرة النّبي صلى الله عليه وسلّم العطرة نجد فيها أسلوبا راقيا في التعامل مع النّاس كان له الأثر في:

  1. محبتهم له صلى الله عليه وسلم.
  2. وقبول ما جاء به من الهُدى.
  3. والحرص على طاعته والاقتداء به.ومن تلك الأساليب ما يأتي

 

أوّلا: حُسن التواصل مع النّاس 

التواصل الحسن بين أفراد المجتمع يوثق معاني الأخوة والمحبة، فقد كان النبي ﷺ يزور الناس ويطمئن عن أحوالهم، ويسأل عن حاجاتهم، ويخاطبهم بأحسن الألفاظ، عند التحدث إليهم، ويتفقد من غاب منهم، ويجالسهم ويجيب دعوة من دعاه، ويواسيهم في مصابهم، ويخفف من آلامهم وأحزانهم، ومن أمثلة ذلك:

  1. زيارته صلى الله عليه وسلم  لأم سليم رضي الله عنها على الدوام، ومواساته لها بمقتل أخيها حرام بن ملحان الذي استشهد يوم بئر معونة، وكان يقول: إني أرحمها، قتل أخوها معي"  أي: في طاعتي.
  2. سؤاله ﷺ لخادمه دوما، بقوله: "ألك حاجة".
  3. استضافته ضيفا من البادية، وسؤاله عن الناس، وسعادتهم بالإسلام، وحالهم مع الصلاة، فما زال الضيف يخبره عن حالهم حتى استبشر وجه النبي ﷺ فرحا.
  4. حرصه ﷺ على اللقاء بالناس والتحدث إليهم وإدخال السرور عليهم، فكان ﷺ لا يرفض دعوة إلى مناسبة أو وليمة وإن كانت بسيطة؛ قال رسول ﷺ: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت"، والكراع هو ما صغر من ساق الشاة، ما يدل على القليل من اللحم .

 

ثانيا: الرفق بمن حوله الرفق

الرفق خلق جاذب للناس، وسبب لمحبتهم، ومفتاح لقلوبهم، وقد كان النبي ﷺ لين الجانب في تعامله مع الناس رحيما بهم قال الله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}

وقد تمثل الرفق في تعامل النبي ﷺ في مواقف كثيرة منها:

  • رفقة ﷺ بالشاب الذي جاءه يطلب منه أن يأذن له بالزنى، فأراد الصحابة أن يزجروه، لكن النبي ﷺ حاوره وخاطبه بأسلوب رقيق، فقال للشاب: "أتحبه لأمك أو لابنتك أو لأختك أو لعمتك أو لخالتك"، فقال: لا والله، جعلني الله فداك، فقال له النبي ﷺ: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم"، ثم دعا الله تعالى له فقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه"، فلم يلتفت الشاب بعد ذلك إلى شيء من الزنى
  • رفقه ﷺ في توجيهه لأبي رافع الغفاري رضي الله عنه عندما جاء الصحابة رضوان الله عليهم يشتكون منه، بأنه يرمي نخلهم فيسقط الثمر، وكان حينها صغيرا، فقال له النبي ﷺ: "يا غلام، لم ترمي النخل ؟ فقال: يا رسول الله الجوع، فقال له النبي ﷺ معلما ومربيا: فلا ترم النخل، وكل مما يسقط في أسفلها، ثم مسح على رأسه ودعا له فقال : أشبعك الله وأرواك ".

 

ثالثا: الاستماع للمتحدث والإنصات له

كان النبي ﷺ يهتم بالمتحدث، ويتوجه إليه مستمعا واعيا لما يقوله، وإن كان مخالفا لرأيه ﷺ ، ثم يوجهه ويرشده إلى الحق.

ومن ذلك ما وصفه به أبو هريرة رضي الله عنه بقوله: "إن رسول الله ﷺ لم يكن أحد يكلمه إلا أقبل عليه بوجهه، ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه

فدّل الحديث على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يوجهنا بأفعاله إلى آداب التعامل مع المتحدث كاحترامه بالنظر إليه، والاستماع له، وعدم مقاطعته.

ومن الأمثلة على حسن استماعه ﷺ لمن يحدثه عندما جلس إليه عتبة بن ربيعة يفاوضه في ترك دينه مقابل عروض دنيوية، فقال عتبة: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من شرف في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها، فقال له رسول الله ﷺ: "قل يا أبا الوليد أسمع" فعرض عليه المال والسيادة والملك، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله ﷺ يستمع إليه قال: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم، قال: "فاسمع مني"، فقرأ عليه أوائل سورة فصلت،

ويلاحظ أنّ رسول الله ﷺ لم يقاطع عتبة، واستمع لكلامه حتى فرغ.

 

رابعا :التعبير عن المشاعر تجاه الآخرين

 التعبير عن المشاعر تجاه الآخرين تظهر تأثرنا لحالهم، وتفاعلها معهم، واهتمامنا بهم وهكذا كان هدي النبي ﷺ وأسلوبه مع الناس، فما من فرح أو حزن أو حب إلا وعبر عنه الرسول ﷺ، ما جعله شخصية جذابة مؤثرة فيمن حوله، ومن ذلك:

  1. تهلل وجهه الشريف ، واستبشاره فرحا بإسلام عدي بن حاتم رضي الله عنه.
  2. تعبيره عن حبه لغيره ﷺ ، كما حدث لمعاذ بن جبل حيث قال: أخذ بيدي رسول الله ﷺ فقال:"إني لأحبك يا معاذ، فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، فقال رسول الله : "فلا تدع أن تقول بعد كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك "
  3. حزنه ﷺ عند موت عثمان بن مظعون ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل من عينيه.

 

خامسا: التجاوز عن زلات الناس وهفواتهم

أرشدنا النبي ﷺ إلى التجاوز عن زلات الناس، مع العفو والصفح عنهم والدعاء لهم، فقد كان النبي ﷺ يقول عندما أخطأ المشركون بحقه وآذوه: "اللهم، اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون". وذلك لما للتجاوز عن الزلات والصفح من أثر على دوام علاقة المحبة بين الناس والتسامح فيما بينهم، ومن مواقف النبي  ﷺ في هذا:

  1. جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقبضه من ردائه قبضة شديدة حتى تشقق رداء رسول الله ﷺ وأثر في عنقه الشريف، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك، فضحك رسول الله ثم أمر له بعطاء، وهذا يدل على كمال خلقه وحلمه وعفوه ﷺ عن الناس.
  2. كان رسول اللهﷺيوما نائما تحت شجرة من شدة التعب، فتسلل أحد المشركين، فأخذ سيف النبي ﷺ وهو نائم ووجهه إليه، وقال: تخافني؟ فقال النبي ﷺ: لا، فقال: من يمنعك مني؟  فقال النبي ﷺ :" الله " فادخل الأعرابي السيف في غمده وجلس، فلم يعاقبه رسول الله ﷺ وعفا عنه.

 

سادسا: المشاورة وتقبل النصح

 دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمشورة  لما فيها من تواضع للناس وثقه بهم وجلبا لمحبتهم.

وفيها فوائد كثيرة منها:

  • تحري الحق. 
  • ​​​​​​​والوصول إلى الرأي الأصوب. 
  • ومشاركة الناس في تحمل نتائج القرار.

وقد كان يفعله النبي ﷺ ، فقد أخذ بنصيحة أصحابه ومشورتهم امتثالا لأمر الله تعالى في قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }. ومن أمثلة ذلك:  

1- مشاورته ﷺ للصحابة في غزوة بدر بمقاتلة المشركين حينما بلغه تغيير أبي سفيان طريق القافلة  والنجاة بها، وأن المشركين جمعوا جموعهم لحرب المسلمين فأشاروا عليه بأنهم مستعدون لذلك، وقالوا له لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك.

2- يوم غزوة أحد كان رأيه ﷺ أن يقاتل المشركين، داخل المدينة ولا يخرج  خارجها، إلا أنه أخذ برأي عامة الصحابة الذين أشاروا عليه بالخروج لملاقاة المشركين، خارج المدينة لرد اعتدائهم.