تطور الحياة السياسية والتشريعية في عهد الإمارة
أولا: تطور الحياة التشريعية
كانت فكرة تأسيس مجلس تشريعي في إمارة شرق الأردن تراود ذهن الأمير عبد الله بن الحسين منذ تأسيس الإمارة، فبعد الاعتراف باستقلال شرق الأردن عام ١٩٢٣م، أصدر الأمير عبد الله بن الحسين الإرادة الأميرية بتأليف لجنة أهلية منتخبة من زعماء البلاد، لتضع قانون الانتخاب للمجلس التشريعي، برئاسة وكيل العدلية إبراهيم هاشم، وعضوية شخصين عن كل لواء من ألوية شرق الأردن الستة.
استطاعت اللجنة وضع قانون انتخاب متكامل، وقد صدرت الإرادة الأميرية بالموافقة عليه،إلا أن الحكومة البريطانية أمرت بإيقافه بحجة أنها ستساعد على إصدار قانون جديد.
وأدى ذلك إلى تزايد الضغوط والمطالبات الوطنية لاستكمال الحياة الدستورية، وتأليف مجلس نيابي، وقيام حكومة دستورية.
1- القانون الأساسي عام ١٩٢٨م
صدر القانون الأساسي في تاريخ ١٩ نيسان ١٩٢٨م، وألحق بنصوص المعاهدة البريطانية بتاريخ ٢٠ شباط ١٩٢٨م، إذ وافقت بريطانيا لشرق الأردن على تشكيل مجلس تشريعي، ومنحته صلاحيات لم تلب طموح السكان وآمالهم، فظهرت حالة من العدم السياسي، تمثلت بالمؤتمر الوطني الأول الذي انعقد بتاريخ ٢٥ تموز ١٩٢٨م، وبالرغم من محدودية هذه المعارضة، إلا أنها عبرت عن إرادة مواطني الإمارة.
وفقا للقانون الأساسي ١٩٢٨م أصبح المجلس التشريعي مؤلفا من (١٦) عضوا، وراعى قانون الانتخابات تمثيل الفئات جميعها، لذلك قسم شرق الأردن إلى أربعة دوائر انتخاب هي: البلقاء، وعجلون، الكرك، ومعان على أن تنتخب دائرة البلقاء ستة أعضاء بينهم اثنان من الشركس والآخر مسيحي، ودائرة عجلون أربعة أعضاء أحدهم مسيحي دائرة الكرك ثلاثة أعضاء أحدهم مسيحي، ودائرة معان عضو واحد مسلم، بالإضافة إلى هذه الدوائر أعطى قانون الانتخاب لقبائل البدو عضوين، أحدهما عن بدو الشمال، والآخر عن بدو الجنوب.
ولتعرف طريقة الانتخاب النيابي، اقرأ النص الآتي:
اشترط القانون الأساسي عام ١٩٢٨م إنشاء مؤسسة تشريعية، تتكون من مجلس واحد يسمى المجلس التشريعي، إذ ينتخب أعضاؤه على مرحلتين، الأولى ينتخب المواطنون مندوبين عنهم، والثانية يعهد إلى المندوبين بانتخاب أعضاء المجلس التشريعي.
وعلى هذا الأساس تشكلت خمسة مجالس تشريعية في الفترة ١٩٢٩-١٩٤٧م، مدة كل مجلس ثلاث سنوات، وقد ضمت في عضويتها وجهاء العشائر الأردنية وشيوخها، المثقفين، وارتبطت التجربة التشريعية الأردنية في فترة الانتداب البريطاني بحركة المطالبة بالاستقلال، ومعارضة الوجود البريطاني، واستمالة القيادات التقليدية في المجتمع الأردني واستقطابها، ومع ذلك تميزت الحياة التشريعية بالاستقرار، باستثناء المجلس الأول الذي حل قبل انتهاء مدته الدستورية.
2- المؤتمرات الوطنية
أصبحت المعاهدة الأردنية البريطانية نقطة تحول مهمة في تاريخ الحياة السياسية في الأردن، إذ أدت إلى تزايد الحركة الوطنية المعارضـة للانتداب البريطاني، والدعوة إلى عقد مؤتمر عام يمثل البلاد كلها وينطق بلسانها، وقد عقد هذا المؤتمر، وهو أول مؤتمر وطني في تاريخ الأردن الحديث، في مقهى حمدان في عمان عام ١٩٢٨م، تحت عنوان «المؤتمر الوطني الأول للشعب الأردني»، وحضره (١٥٠) مندوبا من الزعماء والشيوخ والمفكرين والأدباء الذين يمثلون مختلف مناطق الأردن، إذ انتخبوا حسين الطراونة رئيسا للمؤتمر، وانتخبوا من بينهم لجنة تنفيذية من (٢٦) عضـوا مثلوا مناطق الأردن كلها، وأصدروا الميثاق الوطني الأردني الأول، ولتعرف بنود هذا الميثاق الوطني، اقرأ النص الآتي:
أولا: الإمارة الأردنية دولة عربية مستقلة، ذات سيادة بحدودها الطبيعية المعروفة، تُدار بحكومة دستورية مستقلة برئاسة صاحب السمو الأمير عبد الله بن الحسين وأعقابه من بعده. ثانيا: لا يعترف شرقي الأردن بمبدأ الانتداب إلا بوصفه مساعدة فنية نزيهة لمصلحة البلاد. ثـــالثا: يرفض الأردن كل تجنيد لا يكون صادرا عن حكومة دستورية، لكون التجنيد جزءا لا يتجزأ من السيادة الوطنية. رابعا: يجب أن تكون الانتخابات حرة من كل تدخل، وأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان . خامسا: يعد الأردن كل تشريع استثنائي لا يقوم على أساس العدل والمنفعة العامة وحاجات الشعب الصحيحة تشريعا باطلا. |
وقد تبع عقد المؤثر الوطني الأول عقد مؤتمرات وطنية عدة بين عامي 1928 -1933م. أكدت جميعها مطالب المؤتمر الوطني الأول.
تعد الفترة التاريخية التي عقدت فيها المؤتمرات الوطنية من أهم المراحل السياسية التي وضعت إمارة شرق الأردن على طريق الاستقلال بعد ذلك، بوصفها رد فعل على المعاهدة الأردنية البريطانية ووضع القانون الأساسي، وقد عكست المؤتمرات الوطنية ما يأتي:
أ - قدرة الأردنيين على مواجهة الأحداث السياسية التي تهدد الإمارة.
ب - وحدة الشعب والالتفاف حول القيادة الهاشمية، وتشكيل سند سياسي واجتماعي لها.
ج- نمو الوعي السياسي، وذلك بتشكيل مدارس فكرية وسياسية لأبناء الأردن.
ثانيا: الحياة الحربية والمعارضة السياسية في عهد الإمارة
تعد الحركة الوطنية في شرق الأردن استمرارا للحركة القومية العربية، فهي جزء لا يتجزأ منها، فمـد تأسيس الإمارة توجه الأردنيين توجها قوميا مؤمنا بالوحدة العربية.
1. الأحزاب
افتقرت شرق الأردن قبيل تأسيس الإمارة لأي نشاط حربي، بالرغم من وجود بعض الشخصيات الأردنية التي لها علاقة بالأحزاب القومية، التي تشكلت في بلاد الشام في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ولكن بعد تأسيس إمارة شرق الأردن ظهرت أحزاب عدة، أهمها:
أ - حزب الاستقلال القومي: ظهر في دمشق عام ١٩١٩م، فبعد معركة ميسلون ٢٤ تموز ۱۹۲۰ م، وانهيار الحكومة الفيصلية، لجأ عدد كبير من رجال حزب الاستقلال إلى إمارة شرق الأردن، يلتمسون بوساطتها طريقا لتحرير سورية وطرد الفرنسيين، وقد التف رجال هذا الحزب حول الأمير عبد الله في معان، الذي أشركهم في الإدارة والحكم.
انضم العديد من أبناء الأردن لحزب الاستقلال، فقد حظي بداية بتأييد شعبي ودعم عملياته العسكرية المنطلقة من الأردن تجاه سورية، إلا أنه بسبب ابتعاده عن مصالح الأردنيين وغاياتهم، وتجاهله للقوى والزعامات الأردنية الأخرى، فقد هذا التأييد بشكل تدرجي.
انضم الأردنيون للأحزاب؛ لما لها من دور في:
-التحرر من الحكم الأجنبي.
- نضج الوعي السياسي لدى الشعوب النامية، كونها مدارس سياسية، يتدرب في إطارها الشباب المتطلع للعمل السياسي،
ب - حزب الشعب الأردني:
تأسس في آذار ١٩٢٧م بسبب الفراغ الحزبي الذي شعر به المثقفون الأردنيون، وذلك بعد خروج حزب الاستقلال من الحياة السياسية الأردنية، وقد كان لحزب الشعب دور في الحياة السياسية، إذ إنه:
۱. رفض الحزب مشروع روتنبيرغ،
2. طلب الإشراف على مفاوضات الاتفاقية الأردنية البريطانية
3. كون مجلسا نيابيا وحكومة نيابية.
4. أصدر جريدة صدى العرب.
(مشروع روتنبيرغ) : امتياز شركة الكهرباء الفلسطينية البريطانـيـة المحدودة عام ١٩٢٨م، ويقضي هذا المشروع باستغلال، نهر اليرموك قبل أن يلتقي مع نهر الأردن؛ لتوليد الطاقة الكهربائية، وتوزيعها في شرق الأردن وفلسطين |
وقد ازداد عدد الأحزاب في تلك الفترة للأسباب الآتية:
1. انبثاق بعض الأحزاب عن أحزاب ذات مرجعيات قومية.
2. ازدياد قوة الاتجاهات الوطنية المعارضة، خاصة بعد توقيع المعاهدة البريطانية، وتمثلت بعقد المؤتمرات الوطنية.
3. وجود المصالح والطموحات الشخصية داخل بعض الأحزاب والتيارات.
اتخذت الحركة السياسية بعد عام ١٩٢٨م بعدا تنظيميا ومؤسسيا ، يدل علی نضج الوعي السياسي لدى القيادات الحزبية والزعامات العشائرية، وظهور طبقة، الذين تلقوا تعليمهم في دول عربية أو في الدول الأجنبية، وقد استطاعت الحركة السياسية أن تصوغ مطالبها بما يأتي:
1. الوقوف إلى جانب الأمير عبد الله بن الحسين في معارضة السيطرة البريطانية على البلاد، ومقاومة المخططات الصهيونية وأهدافها.
2. الدعوة إلى الوحدة العربية والتقارب العربي.
3. مطالبة الحكومة بتطوير البلاد وتنميتها في المجالات جميعها.
4. المطالبة بتنشيط الحياة السياسية، وتوسيع المشاركة فيها بأسلوب، ديمقراطي يحترم الحريات الأساسية للمواطن.
2- الجمعيات والأندية السياسية
ظهرت جمعيات سياسية عدة في عهد الإمارة، مثل: جمعية الشرق العربي التي في إربد عام ١٩٢٣م، بهدف استقلال بلاد الشام، والسعي إلى الوحدة العربية، والعمل بالوسائل كلها من أجل حصول الشعب على حقوقه السياسية والتشريعية، ومن أهم مطالبها تشكيل مجلس نيابي. وجمعية الشباب المسلمين التي تأسست عام ١٩٢٨م، وهي أولى الجمعيات الإسلامية التي ظهرت على إثر الاعتداءات اليهودية على حائط البراق، إذ أرسلت برقية إلى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس تضامنا مع الشعب الفلسطيني.
وقد ظهرت جمعيات أخرى، منها جمعية النهضة الأرثوذكسية عام ١٩٢٥م، وجمعية الإخاء الشركسي عام ١٩٣٢م، وعدد من الأندية مثل النادي الأرثوذكسي عام ١٩٢٢م، والنادي القوقازي في الزرقاء عام ١٩٣٢م، والنادي الفيصلي الذي تأسس على شكل فرقة كشافة ثم تحول إلى ناد رياضي عام ١٩٣٢م.