الدرس الرابع تطوّر الحياة السياسية في الأردنّ بين عامَي (1958-1999م)
شهدت هذه المرحلة من حكم الملك الحسين أحداثًا مُهمّة، تجلّت فيها مقدرته على إدارة الدولة، ومواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية على حدّ سواء، في إقليم مُثقل بالأزمات والتوتّرات.
الأحداث السياسية بين عامَي (1958-1966م)
على الرغم من حرص الأردنّ على بناء علاقات جيّدة مع الدول العربية الشقيقة على أسس الأخوّة والتعاون والثقة المتبادلة. إلّا أنّ العلاقة مع الجمهورية العربية المتّحدة (اتّحاد مصر وسورية (1958-1961م)) بقيت متوتّرة، وتعرّض الأردنّ للتحريض والعمل على إثارة الشارع الأردني ونسج المؤامرات المتواصلة ضدّه، في ظلّ غياب الحياة الحزبية في البلاد.
بقي الأردنّ في مرمى نيران المؤامرات والقلاقل الواردة من الخارج، وفوجيء في آب 1960م بوقوع انفجار في رئاسة الوزراء في عمان، استُشهد على إثره رئيس الوزراء هزّاع المجالي واثنا عشر مواطنًا أردنيًّا معه من الموظّفين والمراجعين المدنيّين.
شهدت الأعوام التالية تباينًا في مواقف الدول العربية من عدّة قضايا، وانقسمت الأنظمة العربية إلى جبهتين؛ أطلقت الجبهة الأولى تشمل الجمهورية العربية المتّحدة (مصر وسورية) والعراق والجزائر. والجبهة الثانية تشمل الأردنّ والمملكة العربية السعودية ولبنان وتونس والمملكة المغربية، وهي تُمثّل الأنظمة العربية المعتدلة.
وفي ظلّ الانقسام العربي، عُقدت القمة العربية الأولى في القاهرة في عام 1964م، على خلفية تحويل إسرائيل مياه نهر الأردنّ نحو صحراء النقب حارمة الأردنّ وسوريا ولبنان من نصيبها من المياه. وفي هذا المؤتمر، تقرّر منع تحويل مياه نهر الأردنّ نحو النقب وذلك بتحويل روافد النهر في سوريا ولبنان إلى أراضيهّما، وبناء سدّ الوحدة (سد المخيبة) على نهر اليرموك بين الأردنّ وسوريا. وقرّر المؤتمرون إنشاء منظّمة التحرير الفلسطينية بوصفها مرجعية وطنية للشعب الفلسطيني.
ولم يسلم الأردنّ من الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الأمامية في الضفّة الغربية، وكان من أبرزها الهجوم الإسرائيلي على قرية السموع في قضاء الخليل في تشرين الثاني 1966م.
أتحقّق من تعلّمي
- أُفسّر: توتّر العلاقات بين الدول العربية في هذه المرحلة.
بسبب الأزمات والمؤامرات المتواصلة والتحريض ضد الاردن، وبسبب الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة.
- أُبيّن الأوضاع السياسية في الأردنّ بين عامَي (1958-1966م).
- على الرغم من حرص الأردنّ على بناء علاقات جيّدة مع الدول العربية الشقيقة على أسس الأخوّة والتعاون والثقة المتبادلة. إلّا أنّ العلاقة مع الجمهورية العربية المتّحدة (اتّحاد مصر وسورية (1958-1961م)) بقيت متوتّرة، وتعرّض الأردنّ للتحريض والعمل على إثارة الشارع الأردني ونسج المؤامرات المتواصلة ضدّه، في ظلّ غياب الحياة الحزبية في البلاد.
- بقي الأردنّ في مرمى نيران المؤامرات والقلاقل الواردة من الخارج، وفوجيء في آب 1960م بوقوع انفجار في رئاسة الوزراء في عمان، استُشهد على إثره رئيس الوزراء هزّاع المجالي واثنا عشر مواطنًا أردنيًّا معه من الموظّفين والمراجعين المدنيّين.
- انقسمت الأنظمة العربية إلى جبهتين؛ أطلقت الجبهة الأولى تشمل الجمهورية العربية المتّحدة (مصر وسورية) والعراق والجزائر. والجبهة الثانية تشمل الأردنّ والمملكة العربية السعودية ولبنان وتونس والمملكة المغربية، وهي تُمثّل الأنظمة العربية المعتدلة.
- عُقدت القمة العربية الأولى في القاهرة في عام 1964م، على خلفية تحويل إسرائيل مياه نهر الأردنّ نحو صحراء النقب حارمة الأردنّ وسوريا ولبنان من نصيبها من المياه. وفي هذا المؤتمر، تقرّر منع تحويل مياه نهر الأردنّ نحو النقب وذلك بتحويل روافد النهر في سوريا ولبنان إلى أراضيهّما، وبناء سدّ الوحدة (سد المخيبة) على نهر اليرموك بين الأردنّ وسوريا. وقرّر المؤتمرون إنشاء منظّمة التحرير الفلسطينية بوصفها مرجعية وطنية للشعب الفلسطيني.
- لم يسلم الأردنّ من الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الأمامية في الضفّة الغربية، وكان من أبرزها الهجوم الإسرائيلي على قرية السموع في قضاء الخليل في تشرين الثاني 1966م.
حرب حزيران في عام 1967م
كانت الدول العربية منشغلة بخلافاتها، ولم تكن مستعدة عندما قامت حرب حزيران 1967م، ومن الاسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب:
- الأطماع الإسرائيلية في الأراضي العربية، والرغبة في التوسّع والسيطرة على ما تبقّى من فلسطين والقدس الشرقية.
- اتّخاذ إسرائيل الخطوات العملية لتحويل مياه نهر الأردنّ إلى صحراء النقب.
- التوتّرات التي حصلت على الجبهة السورية، والهجمات الإسرائيلية المتتالية على الأراضي والقوات السورية.
- وقوف مصر إلى جانب سورية، واتّخاذها سلسلة خطوات تصعيدية منها:
- رفع حالة الطوارئ في الأراضي المصرية.
- الطلب إلى الأمم المتحدة الموافقة على سحب قوات الطوارئ الدولية من قطاع غزة وبعض أجزاء من سيناء.
- استدعاء جنود الاحتياط من الجيش المصري.
- إغلاق مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية في عام 1967م.
بادر الملك الحسين بزيارة مصر في 30 أيّار 1967م، ووقّع مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر معاهدة الدفاع المشترك بصيغة المعاهدة نفسها التي أُبرمت بين مصر وسورية. وجّهت إسرائيل ضربة جوّية للمطارات والطائرات المصرية، في صباح الخامس من حزيران، من دون مقاومة تذكر تبعها تدمير سلاحَي الجوّ الأردني والسوري.
وانتهت الحرب مُخلّفة النتائج الآتية:
- احتلال إسرائيل قطاع غزة وسيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، والضفّة الغربية من الأردنّ.
- الخسائر الكبيرة للجيوش العربية في الأرواح والمعدّات.
- بلغت الخسائر الأردنية في هذه الحرب (696) شهيدًا و(421) جريحًا و(520) أسيرًا. وفقد الجيش الأردني جزءاً كبيراً من معدّاته وآليّاته العسكرية، كما أسفرت هذه الحرب عن نزوح (350) ألف لاجئ من الضفّة الغربية إلى الضفّة الشرقية.
- أُفكّر:
- ما الأسباب التي أدّت إلى هزيمة الدول العربية في حرب حزيران 1967م؟
عدم الاستعداد للحرب ، والخلافات التي كانت فيما بينها.
- ما العوامل التي كان يمكن أن تساعد العرب على تجنّب هزيمة حرب حزيران 1967م؟
الوحدة العربية والتنسيق فيما بينها .
معركة الكرامة 21 آذار 1968م
بعد أقلّ من عام على حرب حزيران في عام 1967م، وقعت معركة الكرامة في الحادي والعشرين من آذار 1968م، في بلدة الكرامة في الأغوار الوسطى الأردنية.
وقد عزمت إسرائيل على معاقبة الأردنّ لدعمه للعمل الفدائي انطلاقًا من الأراضي الأردنية، ومحاولة السيطرة على أراض عربية جديدة، منها وادي الأردنّ والمرتفعات الأردنية الغربية، والقضاء على العمل الفدائي الفلسطيني في الأردنّ.
هاجمت إسرائيل في الساعة الخامسة والنصف من صباح يوم 21 آذار 1968م الأراضي الأردنية، واجتازت قوّة إسرائيلية مدرّعة مدعومة بوحدات مشاة محمولة نهر الأردنّ، من ثلاثة محاور: جسر دامية، وجسر سويمة، وجسر الملك الحسين.
و تصدى لها الجيش الأردني لقوات العدو الاسرائيلي وكبّد خسائر فادحة في الأرواح والمعدّات. ما دفع إسرائيل عند الساعة الحادية عشرة صباحًا إلى طلب وقف إطلاق النار، الذي رفضه الملك الحسين ما دام يوجد جندي إسرائيلي واحد شرقيّ النهر. وشاركت مجموعات من الفصائل الفلسطينية في صدّ الهجوم، بما لديها من سلاح خفيف، في حين كانت المعركة معركة جيوش بامتياز.
كانت نتيجة المعركة هزيمة الجيش الإسرائيلي، وتكبّده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدّات. وقدّم الجيش الأردني (86) شهيدًا، وحطّم أسطورة إسرائيل (الجيش الذي لا يُقهر)، ورفعت المعركة معنويات الإنسان العربي بعد حالة الإحباط التي مرّ بها جراء حرب حزيران.
أُقارن بين حرب حزيران 1967م، ومعركة الكرامة 1968م، من حيث: الأسباب والنتائج.
|
|
حرب حزيران |
معركة الكرامة |
|
الأسباب |
|
عزمت إسرائيل على معاقبة الأردنّ لدعمه للعمل الفدائي انطلاقًا من الأراضي الأردنية، ومحاولة السيطرة على أراض عربية جديدة، منها وادي الأردنّ والمرتفعات الأردنية الغربية، والقضاء على العمل الفدائي الفلسطيني في الأردنّ |
|
النتائج |
|
كانت نتيجة المعركة هزيمة الجيش الإسرائيلي، وتكبّده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدّات. وقدّم الجيش الأردني (86) شهيدًا، وحطّم أسطورة إسرائيل (الجيش الذي لا يُقهر)، ورفعت المعركة معنويات الإنسان العربي بعد حالة الإحباط التي مرّ بها جراء حرب حزيران. |
أحداث أيلول عام 1970م
سمح الأردنّ بالعمل الفدائي الفلسطيني في أراضيه، وقدّم الجيش العربي الأردني للفدائيّين العون والمساعدة للقيام بعملياتهم في الأراضي العربية المحتلة، غير أن نشوء تنظيمات وفصائل فدائية متعدّدة الأهداف والأغراض، أسهم في توتّر العلاقات بين الحكومة الأردنية والفصائل الفدائية. وخاصة بعد تدخل بعض الفصائل في شؤون الحياة اليومية للمواطنين وتمركزها في المدن والأحياء السكنية بعيدًا عن الجبهة والحدود مع فلسطين المحتلة، وتدخل قادة الفدائيين في الشؤون الداخلية للدولة ومحاولة النيل من هيبة الجيش والأجهزة الأمنية والتهديد بإعلان العصيان المدني بدءا من يوم 17/ أيلول 1970م. وقد حاول الجيش السوري التدخّل لصالحهم وعبر الحدود الأردنية وطوّق مدينة إربد، لكنّ قوّاتنا المسلّحة أجبرته على الانسحاب. وإثر تعرض المصالح الوطنية الأردنية للخطر بادر الجيش الأردني الى حسم الأمور بإخراج المسلحين الفدائيين من العاصمة والمدن والتجمعات السكنية ثم جرى إخراجهم من الأردن نهائيا في عام 1971م
لم تكن هذه الأحداث المؤسفة حرباً أهلية كما يدعي البعض بل كانت موقفا من الدولة لفرض الأمن والنظام في مواجهة الخطر والفوضى اللذين باتا يهددان أمن المملكة وسلامة المواطنين. وأدّت هذه الأحداث إلى اغتيال رئيس الوزراء وصفي التلّ من قبل منظمة أيلول الأسود في أثناء مشاركته في مؤتمر وزراء الدفاع العرب في القاهرة، الذي عرضت فيه الخطّة الأردنية للمواجهة مع إسرائيل.
الاتّحاد الوطني العربي (1971-1973م)
قاد الملك الحسين بعد أحداث عامَي (1970-1971م) البلاد نحو تمتين الصفّ الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية. وجاءت فكرة تأسيس الاتّحاد الوطني العربي في عام 1971م. وهو بمثابة تنظيم سياسي يُمثّل التوجّهات الرسمية للدولة الأردنية، ويضم في عضويته أبناء الشعب الأردني من الأصول والمنابت والاتجاهات الفكرية والسياسية كافّة. وقد جرت انتخابات مجلس الاتّحاد في عام 1972م. وقد جرى انتخابات مجلس الاتحاد في عام 1972م واستمر حتى عام 1974م؟
حرب رمضان (أكتوبر / تشرين) عام 1973م
نشبت حرب رمضان / تشرين الأوّل في عام 1973م، عندما هاجمت القوات المصرية والسورية إسرائيل بعد ظهر يوم السادس من تشرين الأوّل 1973م. وبادر الأردنّ إلى نجدة سورية الشقيقة بإرسال قوات أردنية إلى جبهة الجولان، وسجّل الجيش الأردني تضحيات مشهودة على ثرى الجولان العربي، وأسهم في الحيلولة دون تقدّم القوات الإسرائيلية إلى العاصمة السورية دمشق.
الحياة النيابية في الأردنّ (1967-1988م)
لم يغب عمل مجلس النواب عن الحياة السياسية إلّا في ظل ظروف استثنائية، كالاحتلال الإسرائيلي لجزء من المملكة الأردنية الهاشمية هو الضفّة الغربية في حزيران 1967م. وقد جرت انتخابات مجلس النواب التاسع في نيسان 1967م، ولمّا أنهى المجلس مدّته الدستورية عام 1971م، جرى التمديد له حتّى عام 1974م، وفقًا لتعديلات دستورية تُعالج الظرف الاستثنائي الناجم عن احتلال الضفّة الغربية التي لها نصف مقاعد مجلسَي الأعيان والنواب، وليس بالإمكان إجراء الانتخابات في جزء من المملكة تحت الاحتلال. وفي عام 1976م دُعي المجلس نفسه في دورة استثنائية لإجراء تعديلات دستورية، ثُمّ تقرّر حلّه.
المجلس الوطني الاستشاري (1978-1984م)
بهدف سدّ الفراغ الدستوري الذي أحدثه تجميد الحياة النيابية، شُكّل المجلس الوطني الاستشاري في عام 1978م، ومهمّته إسداء المشورة ومناقشة السياسة العامّة والنظر في التشريعات والقوانين التي تُقدّمها الحكومة بوصفها قوانين مؤقتة. تشكّل المجلس الوطني الاستشاري ثلاث مرّات، بمعدّل عامين لكلّ مرّة.
- أُبيّن أوجه الشبه والاختلاف بين المجلس الوطني الاستشاري ومجلس النواب.
|
|
المجلس الوطني الاستشاري |
مجلس النواب |
|
أوجه الشبه |
إسداء المشورة ومناقشة السياسة العامّة والنظر في التشريعات والقوانين التي تُقدّمها الحكومة بوصفها قوانين مؤقتة |
|
|
أوجه الاختلاف |
تم تشكيله لسدّ الفراغ الدستوري الذي أحدثه تجميد الحياة النيابية |
جاء نتيجة الانتخابات النيابية |
بقيت الحياة النيابية مجمّدة حتّى صدرت إرادة ملكية في عام 1984م، بدعوة مجلس الأمّة التاسع إلى عقد دورة استثنائية في كانون الثاني 1984م، وأجرى المجلس تعديلًا يسمح بإعادة المجلس المنحلّ ودعوته للانعقاد، وسُمّي هذا المجلس (المجلس النيابي العاشر) الذي استمر حتى عام 1988م.
قرار فكّ الارتباط الإداري والقانوني مع الضفّة الغربية 1988م
في ظل ظروف قيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى في قطاع غزة والضفّة الغربية في عام 1987م، وبناءً على إلحاح منظّمة التحرير الفلسطينية وضغوط الدول العربية لتطبيق قرار قمّة الرباط في عام 1974م، التي عدّت منظّمة التحرير الفلسطينية المُمثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، جاء قرار فكّ الارتباط الإداري والقانوني مع الضفّة الغربية في 31 تموز 1988م، وأوضحت الحكومة الأردنية وهي تعلن هذا القرار مواصلة الأردنّ مساعدة الشعب الفلسطيني، وأنّ هذا الإجراء لن يمسّ العلاقة التاريخية الأخوية بين الشعبين، وأنّ الأردنّ سيواصل رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
دائرة الشؤون الفلسطينية
تأسّست دائرة الشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية الأردنية بعد القرار الأردني بفكّ الارتباط الإداري والقانوني مع الضفّة الغربية في عام 1988م، حيث أُلغيت وزارة شؤون الأرض المحتلة، لتحلّ محلّها دائرة الشؤون الفلسطينية التي تتولّى إلى الآن الرعاية والإشراف على شؤون اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في الأردنّ.
أتأمّل النصّ الآتي من خطاب الملك الحسين بن طلال بشأن فكّ الارتباط الإداري والقانوني مع الضفّة الغربية، ثم أُجيب عمّا يليه:
"...إنّ الوحدة العربية بين أيّ شعبين عربيّين أو أكثر هي حقّ الاختيار لكلّ شعب عربي. هذا هو إيماننا. وعلى أساس ذلك، تجاوبنا مع رغبة ممثّلي الشعب الفلسطيني في الوحدة مع الأردنّ العام 1950؛ ومن منطلقه نحترم رغبة منظّمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في الانفصال عنّا في دولة فلسطينية مستقلّة. نقول ذلك ونحن في منتهى التفهّم؛ ومع ذلك سيظلّ الأردنّ معتزًّا بحمله رسالة الثورة العربية الكبرى، متمسّكًا بمبادئها، مؤمنًا بالمصير العربي الموحّد، وملتزمًا بالعمل العربي المشترك.
وفي الفترة الأخيرة، تبيّن أنّ هناك توجّهًا فلسطينيًّا وعربيًّا، يؤمن بضرورة إبراز الهوية الفلسطينية، بشكل كامل، في كل جهد أو نشاط يتّصل بالقضية الفلسطينية وتطوّراتها. كما اتّضح أنّ هناك قناعة عامّة بأنّ بقاء العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، وما يترتّب عليها من تعامل أردني خاصّ مع الأخوة الفلسطينيين تحت الاحتلال من خلال المؤسّسات الأردنية في الأرض المحتلة، يتناقض مع هذا التوجّه، مثلما سيكون عائقًا أمام النضال الفلسطيني الساعي لكسب التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية وطنية عادلة لشعب مناضل ضد احتلال أجنبي.
وإزاء هذا التوجّه المنبثق حتمًا عن رغبة فلسطينية خالصة، وتصميم عربي أكيد على نصرة القضية الفلسطينية، أصبح من الواجب أن نكون جزءًا من هذا التوجّه، ونتجاوب مع متطلباته. فنحن، أوّلًا وآخِرًا جزء من أمتنا، حريصون على نصرة قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وما دامت هنالك قناعة جماعية بأنّ النضال من أجل تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة يمكن أن يُدعم بفكّ العلاقة القانونية والإدارية بين الضفّتين، فلا بد أن نؤدّي واجبنا ونفعل ما هو مطلوب منا؛ فكما تجاوبنا مع مناشدة القادة العرب لنا في قمة الرباط العام 1974 لمواصلة التعامل مع الضفة الغربية المحتلّة من خلال المؤسّسات الأردنية دعمًا لصمود الأخوة هناك، فإننا نتجاوب اليوم، مع رغبة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومع التوجّه العربي لتأكيد الهوية الفلسطينية الخالصة في سائر عناصرها، شكلًا ومضمونًا".
خطاب الملك الحسين بن طلال، عمّان، 31 تموز 1988م
- أستنتج من النصّ الوارد أعلاه الدوافع والأسباب التي وقفت خلف قرار الأردنّ بفكّ الارتباط الإداري والقانوني مع الضفّة الغربية.
- نحترم رغبة منظّمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في الانفصال عنّا في دولة فلسطينية مستقلّة.
- وإزاء هذا التوجّه المنبثق حتمًا عن رغبة فلسطينية خالصة، وتصميم عربي أكيد على نصرة القضية الفلسطينية، أصبح من الواجب أن نكون جزءًا من هذا التوجّه، ونتجاوب مع متطلباته. فنحن، أوّلًا وآخِرًا جزء من أمتنا، حريصون على نصرة قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وما دامت هنالك قناعة جماعية بأنّ النضال من أجل تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة يمكن أن يُدعم بفكّ العلاقة القانونية والإدارية بين الضفّتين، فلا بد أن نؤدّي واجبنا ونفعل ما هو مطلوب منا.
- أُفسّر: استثنى الأردنّ مدينة القدس من قرار فكّ الارتباط.
للحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية من الاعتداءات الإسرائيلية عليها.
عودة الحياة النيابية والحزبية
واجه الأردنّ أزمة اقتصادية خانقة في نهاية الثمانينيات، وتضخّمت المديونية الأردنية، وتراجع احتياطي البنك المركزي من العملات الصعبة، وهبط سعر صرف الدينار الأردني وقد لعبت التحديات السياسية والإقليمية وقرار فكّ الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية دوراً مهماً في ذلك.
أدّت هذه الظروف إلى تخفيض الدعم الحكومي لأسعار المشتقّات النفطية، وشهدت الأسعار عمومًا ارتفاعًا ملموسًا، ما أدّى إلى وقوع احتجاجات شعبية في عدة مناطق من المملكة في نيسان 1989م. وبالإضافة إلى الاحتجاج الشعبي على الظروف الاقتصادية وارتفاع الأسعار، رُفعت في هذه الاحتجاجات شعارات سياسية تمثّلت في المطالبة باستقالة الحكومة، وعودة الحياة النيابية، وإلغاء الأحكام العُرفية. استجاب الملك الحسين لمطالب شعبه وأمر بإجراء انتخابات نيابية عامّة.
أُجريت الانتخابات النيابية في تشرين الثاني 1989م، وقد فازت الأحزاب السياسية بنحو نصف مقاعد المجلس النيابي الحادي عشر، وفي عام 1990م قرر الملك تشكيل لجنة ملكية لصياغة ميثاق وطني أردني وعملت اللجنة على إصدار الميثاق الوطني الأردني في عام 1991م، وأثر ذلك ألغي قانون الأحكام العُرفية، وصدر قانون الأحزاب السياسية في 1992م، وصدر قانون حديث للمطبوعات والنشر في عام 1993م.
الميثاق الوطني الأردني عام (1990-1991م)
تشكّلت لجنة ملكية لصياغة ميثاق وطني أردني عام 1990م. وأوصت بما يأتي:
- ترسيخ دعائم القانون وسيادته.
- تعميق النهج الديمقراطي القائم على التعدّدية السياسية.
- ضمان حرّيات المواطن الأساسية.
- رابطة المواطنة هي الأساس الذي تقوم عليه الصلة بين جميع الأردنيين.
- التعدّدية السياسية والحزبية والفكرية هي السبيل لتأهيل الديمقراطية وتحقيق مشاركة الشعب في إدارة شؤون الدولة.
معاهدة السلام (الأردنية - الإسرائيلية) (معاهدة وادي عربة) عام 1994م
دفعت الظروف الدولية والإقليمية الأردنّ إلى المشاركة في العملية السياسية الرامية لحلّ الصراع (العربي - الإسرائيلي). وكان الأردنّ قد رفض الحلول المنفردة للقضية الفلسطينية؛ فلم يشارك في المباحثات (المصرية - الإسرائيلية) التي انتهت بتوقيع معاهدة (كامب ديفيد) 1979م. وآمن الأردنّ بوجوب التوصّل إلى حلّ عادل ودائم وشامل وفقًا للشرعية الدولية؛ أي لقرارَي مجلس الأمن رقم (242) و(338)، وتأكيدهما على عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة منذ الخامس من حزيران 1967م.
وعَقِب حرب الخليج الثانية ، عرضت الولايات المتحدة فكرة عقد مؤتمر دولي للسلام يجمع الدول العربية وإسرائيل على طاولة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة والولايات المتّحدة وروسيا الاتّحادية.
ووفّر الأردنّ مظلة مشتركة تجمع الأردنّ وممثّلي فلسطين في الوفد الأردني الفلسطيني المشترك في مؤتمر مدريد في عام 1991م. وبعد انفضاض المؤتمر انتقلت المفاوضات الثنائية إلى واشنطن بمشاركة أردنية وفلسطينية وسورية ولبنانية مع الجانب الإسرائيلي. لكنْ، تبيّن أن منظّمة التحرير الفلسطينية كانت قد اتّخذت مسارًا سرِّيًّا للمفاوضات مع إسرائيل في العاصمة النرويجية أوسلو، أسفرت عن توقيع اتّفاقية أوسلو بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في عام 1993م، وقد فوجئ الأردنّ بهذه الاتّفاقية، وأخذ على المنظّمة أنّ الاتّفاقية أهملت القضايا الجوهرية في القضية الفلسطينية والمتمثّلة في: قيام الدولة الفلسطينية، والقدس، واللاجئين، والمستوطنات، والمياه، وجميعها ذات مساس بالمصالح المشتركة الأردنية الفلسطينية. كما أنّ الاتّفاقية تركت هذه القضايا معلّقة دون حسم، ما يضر بالمصالح المشتركة الأردنية الفلسطينية.
وبعد هذه التطورات، ذهب الأردنّ في اتّجاه إنجاز اتّفاقية ثنائية مع الجانب الإسرائيلي جرى توقيعها في تشرين الأوّل 1994م في منطقة وادي عربة الحدودية.
انقسمتِ التيّارات السياسية في الأردنّ حول المفاوضات مع إسرائيل بين مؤيّد ومعارض، فقد كانت بعض التيّارات السياسية ترى عدم جدوى دخول الأردنّ في مفاوضات مع إسرائيل وسط حالة من التردّي في الصفّ العربي، مشكّكةً في جدوى السلام مع إسرائيل. بينما رأى البعض الآخر أنّ الأردنّ يمرّ بظروف داخلية ودولية صعبة وأنّ المصالح الأردنية تقتضي ترسيم حدود رسمية ودولية معترف بها وموثّقة دوليًّا مع الجانب الإسرائيلي لجمًا لأطماعه المعروفة، وكي ينال الأردنّ حصّته من مياه نهر الأردنّ المسروقة منذ عام 1964م، ويستعيد أراضيه المحتلة في منطقتَي الباقورة والغمر، ولتأكيد الدور الأردني في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس
الباقورة: منطقة حدودية أردنية ضمن لواء الأغوار الشمالية التابع لمحافظة إربد. تبلغ مساحتها الإجمالية ستّة آلاف دونم تقريبًا، وتحتوي على أراضٍ زراعية. استعاد الأردنّ سيادته عليها في تشرين ثاني 2019م، بعد انتهاء مدّة العمل بملحقَي الباقورة والغمر وعدم تجديد الاتّفاقية.
الغَمْر: منطقة حدودية أردنية تقع ضمن محافظة العقبة جنوب البحر الميّت. تمتدّ على طول خمسة كيلومترات باتّجاه الحدود، وتحتوي على أرضٍ زراعية. استعاد الأردنّ سيادته على الغمر في تشرين ثاني 2019م، بعد انتهاء مدّة العمل بملحقَي الباقورة والغمر، ضمن اتّفاقية وادي عربة.
- أستنتج إيجابيات اتّفاقية السلام 1994م، وسلبيّاتها.
- الإيجابيات: ترسيم حدود رسمية ودولية معترف بها وموثّقة دوليًّا مع الجانب الإسرائيلي لجمًا لأطماعه المعروفة، وكي ينال الأردنّ حصّته من مياه نهر الأردنّ المسروقة منذ عام 1964م، ويستعيد أراضيه المحتلة في منطقتَي الباقورة والغمر، ولتأكيد الدور الأردني في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس.
- السلبيات: بقاء الباقورة والغمر تحت سيادة إسرائيل حتى عام 2019م
وفاة الملك الحسين بن طلال وجنازة العصر
توفّي الملك الحسين في 7 شباط 1999م بعد إصابته بمرض السرطان، وانتقل العرش الهاشمي إلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين. وجسّدت جنازة الملك الحسين مكانته الدولية واحترام العالم له وللمملكة الأردنية الهاشمية، فقد توافد على العاصمة عمّان ملوك وملكات وأمراء ورؤساء دول وحكومات من كلّ أنحاء العالم لحضور جنازته التي وصفت في جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية بجنازة العصر.