التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ
تُعَدُّ المحافظة على استمرار النوع الإنساني مقصدًا من المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، وقد جعل الإسلام الزواج وسيلة لذلك. قال تعالى:﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجا لًًا كثيرًا ونساءً﴾.
حرمَّ الإسلام قتل النفس، أو الإضرار بها بأيِّ صورة من الصور، ورتَّب على ذلك العقاب في الدنيا، والوعيد في الآخرة.
الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ
اعتنى الإسلام بالنسل الذي هو من أهمِّ مقاصد الزواج، وبيَّن الأحكام المُتعلِّقة بتنظيم النسل وتحديده.
أوَّلًا: مفهوم تنظيم النسل، وحُكْمه
تنظيم النسل: هو اتخاذ وسيلة مشروعة لإيجاد مُدَد زمنية متباعدة بين مَرّات الحمل.
أباح الإسلام تنظيم النسل عند توافر الأسباب والدوافع، وجعله قرارًا فرديًّا، يتمُّ بموافقة الزوجين؛ فقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وسيلة العزل، كما جاء عن جابر رضي الله عنه قال: «كُنّا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبي الله، فلم ينهنا». وهذا يدلُّ على أنَّ تنظيم النسل مباح لدواعٍ عِدَّة، منها:
أ . الحفاظ على الصِّحَّة الإنجابية للأُمِّ، ودفع الضرر عنها، وبخاصَّةٍ إذا كانت لا تلد ولادة طبيعية، وتحتاج إلى إجراء عملية كلَّ مَرَّة، والخشية على حياة الأُمِّ بسبب تتابع الحمل.
ب. منح الزوجين الوقت اللازم للعناية بأطفالهما؛ لكيلا تسوء صِحَّتهم، وتختلَّ تربيتهم؛ تخفيفًا عن الزوجين، وتحقيقًا لمصلحة الأولاد.
قال تعالى: ﴿يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر﴾.
ج. وجود مرض ضارٍّ أو مُعْدٍ في الزوجين أو في أحدهما، يرجى شفاؤه، وقد ينتقل إلى أولادهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَرَ، وَلا ضِرارَ»؛ فيُنصَح بتأخير الحمل لحين العلاج.
د . حاجات اجتماعية واقتصادية مُعتبَرة شرعًا، مثل: التفرُّغ للدراسة، وطبيعة العمل.
العزل: هو وسيلة من وسائل منع الحمل.
ويباح استخدام الوسائل الحديثة المشروعة التي تمنع حدوث الحمل إنْ أُمِن ضررها.
الصِّحَّة الإنجابية: هي اكتمال السلامة البدنية والنفسية لعيش حياة هنيئة وآمنة.
ثانيًا: مفهوم تحديد النسل، وحُكْمه
تحديد النسل: هو اتخاذ الإجراءات التي تمنع الحمل بصفة دائمة، مثل: استئصال رَحِم المرأة؛ سواء أكان ذلك بعد إنجاب عدد من الأولاد، أم ابتداء من غير ضرورة طبية.
يُعَدُّ تحديد النسل بهذا الوصف أمرًا مُحرَّمًا، استنادًا إلى الدليلين الآتيين:
أ . معارضته حكمة التشريع الإسلامي في الحَثِّ على الزواج، والتكاثر الذي يُسهِم في تحقيق غاية عمارة الأرض. قال تعالى: ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها﴾.
ب. معارضته العقيدة الإسلامية إذا كان ذلك لداعي الخوف على الرزق؛ فقد بيَّنت النصوص الشرعية أنَّ الله تعالى تكفَّل برزق الأبناء والآباء. قال تعالى: ﴿ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم﴾.
أمّا إذا وُجِدت ضرورة فلا مانع من تحديد النسل ما دامت الأسباب قائمة؛ عملًا بقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات).
ومن الأمثلة على ذلك: إصابة الزوجين أو أحدهما بمرض ضارٍّ ومُعْدٍ لا يُمكِن شفاؤه، وينتقل إلى الأطفال. والخوف المُؤكَّد على حياة الأُمِّ بسبب الحمل؛ شرط أنْ يكون ذلك بعد استشارة الطبيب الثقة المُؤتمَن.
الضرورات تبيح المحظورات: قاعدة فقهية تعني أنَّ المَنهِيَّ عنه شرعًا يباح فعله عند الضرورة، والحاجة الشديدة، مثل إباحة أكل المَيْتة في حال الجوع الشديد، كما في المجاعات.
أَتَأَمَّلُ وَأُصَنِّفُ
أَتَأَمَّلُ الأمثلة الآتية، ثمَّ أُصَنِّفُها إلى عملية تنظيم للنسل، أو تحديد له:
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
الإجهاض: هو تعمُّد إسقاط الحمل في غير موعده الطبيعي، وبلا ضرورة، وبأيِّ وسيلة من الوسائل.
أفتى العلماء بحرمة الاعتداء على الجنين وإسقاطه؛ لأنّه داخل في عموم النهي عن الاعتداء على النفس التي حرَّم الله تعالى قتلها إلّ بالحقِّ.
قال تعالى:﴿ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا﴾.
أمّا إذا كان بقاء الحمل مُهدِّدًا لحياة الأُمِّ فيفتى بجواز الإجهاض في هذه الحالة ؛ إنقاذًا لحياتها بقرار طبي.