التربية الإسلامية فصل أول

الحادي عشر خطة جديدة

icon

التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ

بيَّن الإسلام الأُسس التي ينبغي مراعاتها عند اختيار كلٍّ من الزوج والزوجة؛ لكي تسود الطمأنينة والمودَّة والرحمة بينهما، وتخلو الحياة الزوجية من أيَّة خلافات ومشاحنات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمالِها، وَلِحَسَبِها، وَجَمالِها، وَلِدينِها؛ فَاظْفَرْ بِذاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَداكَ». وقد حَثَّ صلى الله عليه وسلم المرأة وأولياءها على اختيار الزوج المناسب لها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إذِا خَطَبَ إلَِيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجوهُ. إلِّا تَفْعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الْأرْضِ وَفَسادٌ عَريضٌ».

الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ

حدَّدت الشريعة الإسلامية حقوق الزوجين وواجباتهما التي تتناسب مع طبيعتهما وقدرتهما والدور المطلوب من كلٍّ منهما، وأمرتهما بالقيام بهذه الواجبات وأداء هذه الحقوق. قال صلى الله عليه وسلم: «أَلا إنَِّ لَكُمْ عَلى نِسائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا».

وهذه الحقوق منها ما هو مشترك بين الزوجين، ومنها ما هو خاصٌّ بكلٍّ منهما.

أ . المعاشرة بال معروف: حَثَّ الإسلام كُلًّ من الزوجين أنْ يُعامِل الآخر بالمعروف والإحسان. قال تعالى:﴿وعاشروهن بالمعروف﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لَأَهْلهِِ، وَأَنا خَيْرُكُمْ لَأَهْلي».
من صور المعاشرة بالمعروف:
1) الصحبة الجميلة: يتحقَّق ذلك بالاحترام والتقدير المتبادل بينهما، والرفق، وانتقاء أجمل الألفاظ، والعمل على إيجاد جوٍّ من الحوار البَنّاء، والبُعْد عن التعنيف، وتجنُّب الإساءة المادية والإساءة المعنوية، والتجاوز عن الأخطاء، وألّا يُثقِل أحدهما على الآخر بكثرة المطالب، وألّا يُكلِّفه فوق طاقته.
2) الاهتمام المتبادل: من ذلك أنْ يكون كلٌّ منهما موضع اهتمام الآخر، فيعمل على مراعاة مشاعره، وإدخال السرور في قلبه، والتجمُّل وإظهار الزينة له، والوفاء بحاجاته قَدْر الاستطاعة. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: «إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِيَ الْمَرْأَةُ».
3) الصبر: يكون ذلك بأنْ تصبر الزوجة على زوجها إذا أصابته فاقة أو ضائقة مادية، وأنْ تتحمَّله في مرضه وهمومه، وأنْ يصبر الزوج على زوجته إذا مَرَّت بتغيُّرات صِحِّية أو نفسية، وأنْ يتعامل معها بما يتناسب مع وضعها في هذه الحال.

4) حفظ خصوصية العلاقة الزوجية: لا يجوز لأيٍّ من الزوجين أنْ يُفشِي سِّر الآخر وعيوبه، أو أنْ يُطلِع أحدًا على حياتهما الزوجية، حتى لو كان أقرب الناس إليهما؛ لأنَّ ذلك يؤدّي إلى نشوء الخلافات، والشعور بعدم الطمأنينة، ونفور أحدهما من الآخر.

وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من نشر الأسرار الزوجية، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، الرَّجُلُ يُفْضي إِلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ  سِّرَها»(يُفْضي إِلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضي إِلَيْهِ: أيْ ما يكون بينهما من الأمور والأسرار الزوجية الخاصَّة).

ب. الإرث:

يرث الزوج زوجته كما ترث الزوجة زوجها عند كتابة عَقْد الزواج. وقد بيَّن الله تعالى ميراث كلٍّ من الزوجين مُفصَّلًا في سورة النساء.

صور مشرقة 

قيل لأحد الصالحين وقد أراد طلاق زوجته: ما الذي يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك سترًا، فلمّا طلَّقها قيل له: لِمَ طلَّقتها؟ فقال: مالي ولامرأة غريبة.

أ . المَهْر: يجب المَهْر للزوجة على زوجها عند عَقْد الزواج؛ وهو مبلغ من المال يدفعه الزوج لزوجته؛ تكريمًا لها، وتأكيدًا لصِدْق رغبته في الزواج بها. قال تعالى: ﴿وآتوا النساء صدُقاتِهِنَّ نِحلة﴾.
(صدُقاتِهِنَّ: الصداق اسم من أسماء المَهْر، نِحلة: هَدِيَّة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي أراد الزواج: «فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ».

والمَهْر حقٌّ للزوجة، ولها أنْ تتصرَّف فيه كيفما شاءت، ولا يجوز لأحد أنْ يأخذ منه شيئًا إلّا بطيب نفس منها.

وقد حَثَّ الإسلام على التيسير في المهور؛ لكيلا يَحول ارتفاع المهور دون إقبال الشباب على الزواج، لكنَّه لم يجعل للمَهْر حَدًّا أعلى أو حَدًّا أدنى؛ مراعاةً لاختلاف أحوال الناس وظروفهم.
ب. النفقة: يجب على الزوج أنْ يُنفِق على زوجته بعد كتابة العَقْد، حتى لو كانت غنية. قال تعالى: ﴿وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف﴾.
(المولود له : الزوج). وتشمل النفقة توفير ما تحتاج إليه الزوجة من مسكن وطعام وكُسْوَة وعلاج، وهي تُقدَّر بحسب حالة الزوج عُسرًا أو يُسرًا؛ شرط ألّا تقلَّ عن مقدار ما يكفيها لتعيش حياة كريمة. قال تعالى:﴿ليُنفق ذو سَعة من سَعته ومن قُدِرَ عليه رزقه فليُنفق مما آتاه الله لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها سيجعل الله بعد عُسرٍ يُسرًا﴾.

أ. طاعته بالمعروف: من الواجب على الزوجة احترام زوجها وتقديره وطاعته فيما يرضي الله تعالى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَِا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَها ادْخُلِي الْجنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجنَّةِ شِئْتِ».

وهذا لا يعني أنْ يتعسَّف الزوج في هذا الحقِّ، فيأمر زوجته بما لا تستطيع، أو بما فيه معصية لله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: «لَا طَاعَةَ لمخَلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الله». 

ب. المحافظة على عِرْضه وماله: من الواجب على الزوجة المحافظة على عِرض زوجها، وألّا تأذن في بيته لأحد لا يرغب فيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَِّا بإِذِْنهِِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إلَِّا بِإِذْنِهِ». ومن واجباتها أيضًا ألّا تتصرَّف في ماله إلّا بإذنه، فإنْ أعطاها إذنًا عامًّا وجب أنْ يكون إنفاقها بالمعروف دون إسراف أو تبذير.

صور مشرقة

لمّا وقع أبو العاص زوج السيِّدة زينب رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيرًا بعد انتصار المسلمين في بدر، وكانت ماتزال في مكَّة المُكرَّمة ولمّا تُاجِر بعدُ، ظهر وفاء زينب رضي الله عنها لزوجها؛ إذ أخذت تبذل ما في وُسْعها لتخليص زوجها من الأَسْ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «لمّا بعث أهل مكَّة في فداء أُسَرائِهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، فلمّ رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لها رِقَّة شديدة، وقال: «إنِْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقوا لَها أَسيرَها، وَتَرُدّوا عَلَيْها الَّذي لَها»، فقالوا: نعم، فأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح أبي العاص من الأَسْر، وأخذ عليه عهدًا حين يرجع إلى مكَّة أنْ يسمح لزينب رضي الله عنها بالهجرة إلى المدينة المُنوَّرة، فوفّى أبو العاص بذلك، فكان صلى الله عليه وسلم يُثْني عليه، ويقول: «أَنْكَحْتُ أَبا الْعاصِ بْنَ الرَّبيعِ، فَحَدَّثَنِي، وَصَدَقنِي» (أَنْكَحْتُ: زوَّجْتُ).

الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ

ثمرات قيام كلٍّ من الزوجين بحقوق الآخر:
لقيام كلٍّ من الزوجين بحقوق الآخر ثمرات إيجابية تعود على الأُسرة والمجتمع. ومن ذلك:
أ . طاعة الله تعالى باتِّباع أوامره في الأحكام الخاصَّة بالزوجين.
ب. استقرار الحياة الزوجية، وحماية الأُسرة من التفكُّك والانهيار، والبُعْد عن الخلافات الزوجية.
ج. تحقيق الغاية من الزواج، وإنجاب أفراد صالحين يعرفون حقوقهم وواجباتهم.
د . قوَّة المجتمع، وتماسكه، وانتشار الأمن فيه.