التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ
حرص سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة مجتمع قوي مُتماسِك؛ فما إنْ هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المُنوَّرة حتى بنى المسجد النبوي الشريف، وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع وثيقة المدينة المُنوَّرة لتنظيم شؤون المجتمع، وأنشأ سوق المدينة؛ إدراكًا منه صلى الله عليه وسلم بأهمية الاقتصاد في بناء المجتمع، وتخليص المجتمع الإسلامي من سيطرة اليهود على الاقتصاد القائم على تعاملهم بالرِّبا.
أُناقِشُ
أُناقِشُ أثر أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة في بناء المجتمع الإسلامي وتماسكه في المدينة المُنوَّرة.
بناء المسجد: لبناء المسلمين روحيا وتربيتهم إيمانيًا وتقوية العلاقات بينهم.
المؤاخاة: أسهمت في بناء مجتمع قوي متآلف متحاب.
أنشأ سوق المدينة: إدراكًا منه صلى الله عليه وسلم بأهمية الاقتصاد في بناء المجتمع، وتخليص المجتمع الإسلامي من سيطرة اليهود على الاقتصاد القائم على تعاملهم بالرِّبا.
وضع وثيقة المدينة : تنظيم شؤون المجتمع.
مما أنتج مجتمعًا قويا متماسكا يمتلك أسباب القوة الإيمانية والاجتماعية والاقتصادية.
سورة آل عمران مدنية، وعدد آياتها ) 200 (آية، .
من أسمائها الزهراء؛ أيِ المضيئة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤوا الزَّهْراوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرانَ ».
أوَّلًا: تقوى الله تعالى
وجَّهت الآيات الكريمة المسلمين إلى تقوى الله (حقَّ تقاته )أيِ بالقدر الذي يجب أنْ يُتَّقى به الله تعالى، وذلك بالتزام أوامره تعالى، واجتناب نواهيه في كلِّ الأقوال والأفعال والمعاملات.
قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) هي . ويجب أنْ يكون هذا الالتزام هو الحالة الدائمة للمسلم. قال تعالى: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) . ومن ثَمَّ، فإنَّ هذا التوجيه يدفع المسلم إلى تمثُّل السلوك القويم بصورة دائمة، والالتزام بمبادئ الدين وأحكامه حتى آخر لحظة من حياته.
ثانيًا: التمسُّك بالإسلام أساس وحدة الأُمَّة
حَثَّت الآيات الكريمة المسلمين على التمسُّك بالإسلام؛ لأنَّه أساس وحدة الأُمَّة وقوَّتها. قال تعالى:﴿واعتصموا بحبل الله جميعًا﴾. وقد جاء التعبير في الآية الكريمة بلفظ (واعتصموا﴾ إشارة إلى أنَّ التمسُّك بالدين هو عصمة للأُمَّة، وحماية لها من الأخطار.
أمّا لفظ ﴿جميعًا﴾ فجاء للدلالة على مسؤولية كلِّ فرد من أفراد الأُمَّة في وجوب التمسُّك بالإسلام.
كذلك أمر الله تعالى المسلمين بنبذ أسباب الفُرْقة والخلاف، والمحافظة على الوحدة، وذكَّرهم بنعمة الإيمان بعدما كانوا كُفّارًا، وبنعمة الأُخوَّة واجتماع القلوب بعدما كانوا أعداء يقتتلون لأسباب واهية. قال تعالى: ﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها﴾. وفي هذا حَثٌّ للمسلمين على دوام استذكار هذه النِّعَم العظيمة التي كانت سبب نجاتهم من الهلاك.
ثالثًا: الدعوة إلى الخير
أمر الله تعالى المسلمين بالدعوة إلى الإسلام والخير وفضائل الأعمال، وإرشاد الناس إلى فِعْل المعروف؛ وهو كلُّ ما أمر به الشرع، واستحسنه، وحقَّق للناس المصلحة والسعادة، وتَرْك المُنكَر؛ وهو كلُّ ما نهى عنه الشرع، واستقبحه من أفعال وأقوال تُلحِق بالناس الضرر والمفسدة. قال تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾. والخطاب هنا مُوجَّه إلى طائفة من المؤمنين، تصلح لمباشرة الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهى عن المُنكَر، مِمَّن توافرت فيها الشروط التي تجعلها أهلً لأداء هذه المهمة، مثل: العلم، والأسلوب اللطيف الذي يُبشِّر الناس ولا يُنفِّرهم، ويؤدّي إلى صلاح المجتمع، وكذلك المهارة في إيصال الرسالة على نحوٍ يعكس صورة الإسلام المُشرِقة. وفي هذا دلالة على أنَّ حُكْم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية؛ فإذا قام به بعض أفراد المجتمع سقط عن الباقين، وإنْ لم يقم به أحد أَثِموا جميعًا. ومن ثَمَّ، فإنَّ قيام الأُمَّة بهذا الأمر هو طريق فوزها في الدنيا ونجاتها في الآخرة. قال تعالى: ﴿وأولئك هم المفلحون﴾.
رابعًا: الاعتبار من الأُمم السابقة
دعت الآيات الكريمة المسلمين إلى الاعتبار من أخطاء الأُمم السابقة، مثل أهل الكتاب الذين لم يلتزموا دين الله تعالى، وتنازعوا، واختلفوا بعدما جاءتهم البراهين والدلائل الواضحة، فصاروا فِرَقًا مُتناحِرةً، فكان ذلك سببًا في ضعفهم في الدنيا واستحقاقهم العذاب في الآخرة. قال تعالى:﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم﴾.
الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ
ورد في سبب نزول هذه الآيات الكريمة أنَّ شاس بن قيس -وكان يهوديًّا- مَرَّ على نفر من أصحاب سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج مجتمعين في مجلس لهم، فغاظه ما رأى من أُلفتهم واجتماعهم وصلاح ذات بينهِم بعد الذي كان بينهُم من العداوة في الجاهلية، فأمر رجلً يهوديًّا أنْ يُذكِّرهم بحروبهم السابقة، ففعل، فتنازع القوم عند ذلك، وقالوا: السلاح السلاح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم مع بعض أصحابه حتى جاءهم، فقال: «يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمينَ، اللهَ، اللهَ... أَبِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ وَأَنا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ إِذْ هَداكُمُ اللهُ إِلى الِْسْلامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَكُمْ»، فعرف القوم أنَّ ذلك من كيد عدوِّهم لهم، فألقوا السلاح، وندموا على ما فعلوا، وعانق بعضهم بعضًا، ثمَّ انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين.