القضايا الأدبية فصل أول

التوجيهي أدبي

icon
شعر رثاء المدن والممالك

اشتُهر شعر رثاء المدن والممالك، بعد حالة الضعف والانقسام والتفكك التي شهدها الحكم الإسلامي في الأندلس، إبان عصر ملوك الطوائف، والتقلُّبات السياسية، واشتداد المواجهة بين المسلمين وأعدائهم، وما تَبِعَ ذلك من سقوط الحواضر الإسلامية مدينة تلو الأخرى. وانتهاءً بسقوط الأندلس كاملة.

صيفية 2018: علّل توسَّع شعراء الأندلس في رثاء المدن والممالك، وأصبح غرضًا شعريًا قائمًا بذاته.

بسبب حالة الضعف التي شهدها الحكم الإسلامي في الأندلس، وما تَبِعَ ذلك من سقوط الحواضر الإسلامية. وقد واكب الشعر تلك الأحوال وسجّل أحداثها، فجادت قرائح الشعراء بقصائد طوال تنبئ عن حسرةٍ وألمٍ على مدن ذاهبة، وممالك زائلة. 

مظاهر شعر رثاء المدن والممالك: صيفية 2019: وضِّح أبرز مظاهر شعر رثاء المدن والممالك.

1- تصوير ما حلَّ بالمدن من خراب ودمار، وما نزل بأهلها من كرب وضيق، كما جاء في قصيدة ابن خفاجة رثاءً لمدينته "بلنسية" بعد سقوطها عام 488هـ.

عاثــــــتْ بساحَتِـــكِ العِـــدا يا دارُ               ومَـــحَا مَحاسنَك الْبِــلى والنـــارُ

فإذا تـــــردَّدَ في جَــــــنـــابِكِ ناظِــــرٌ               طــــالَ اعْتـِـبارٌ فيكِ واسْتِعْبــــارُ

أرضٌ تقاذَفَتِ الخُطوبُ بأهلِها              وتضمَخَّضَتْ بخرابِها الأقــــــدارُ

كتبتْ يدُ الحَدَثانِ فـــي عَرصاتِها             "لا أنــتِ أنــتِ ولا الديــارُ ديارُ"

يصف الشاعر في هذه الأبيات ما حلَّ بمدينة بلنسيَّة من خراب ودمار، فلم تعُد الديارُ كما كانت بسبب الكرب والضيق الذي حلَّ بأهلها.

الخطوب: المكاره،  تمخّضت: أتت بها، الحدَثان: النوائب والمصائب،  عرصاتها: ساحاتها.

2- الموازنة بين ماضي المدن وحاضرها، ظهر ذلك في قصيدة ابن اللَّبّانة في رثاء دولة بني عبَّاد في إشبيلية، حيث يقول:

تَـبْـكِي السَّـمَـاءُ بِــمُــــــزْنٍ رَائِحٍ غـــــادٍ         عَـلَى الـبَـهَـالِـيـلِ مِــــــــــنْ أَبْـنَـاءِ عَــبَّادِ 

عَــلَـى الْـجِبَالِ الَّــتِي هُدَّتْ قَوَاعِدُهَـا          وَكَـانَـتِ الْأَرْضُ مِــــــنْـهُمْ ذَاتَ أَوْتَادِ 

وكــعـبةٌ كــانــــــتِ الآمــالُ تـعـمُــرُهـا          فـالـيـومَ لا عـاكـفٌ فـــــــــيـها ولا بــادِ

يَا ضَيْفُ أَقْفَرَ بَيْتُ الْمَكْرُمَاتِ فَخُذْ         فِي ضَمِّ رَحْلِكَ وَاجْمَعْ فَضْلَةَ الزَّادِ

ففي هذه الأبيات يقارن الشاعر  بين ماضي المدينة حين كانت تحت حكم المعتمد بن عبّاد وحاضرها بعد سقوطها، فتبكي البواكي على ماضي الدولة العريق، وعلى السادة الأشراف الذين غادروها وأقفرت من الخير تلك المدينة بعد سقوطها.

المُزن: السحاب يحمل الماء،        البهاليل: السادة الأشراف فيهم صفات الخير.

3- ذكر أسباب الهزيمة من ضعف المسلمين وانقسامهم، وابتعادهم عن تعاليم الدين الحنيف، يقول ابن الجدّ في وصف ما آلت إليه حال ملوك الطوائف بسبب سوء تدبيرهم:

أَرى الــمــلوكَ أصـــــــابَـتْـهُـمْ بِأَندلسٍ      دوائـــــرَ الــــــسّـــــــــوءِ لا تُـبْـقي ولا تَـذَرُ

ناموا وأسْرى لَهُمْ تحْتَ الدُّجى قَدَرٌ       هَوَى بِأنجُمِهمْ خَسْفًا فما شَعَروا

4- الاستنجاد بالمسلمين واستنهاض هممهم ودعوتهم إلى نصرة إخوانهم: يقول ابن الأبَّار القُضاعِيّ بعد سقوط مدينة بلنسية، وقد أرسل إلى أبي زكريا بن حفص سلطان تونس مستنجدًا لنصرة الأندلس:

أدْرِكْ بِـــخَــيْــــلِـــــــــكَ خـــيْــــلَ اللهِ أنـدلُــسا        إنَّ الـــسّـبـيـلَ إلى مَنْـجـاتِـها دَرَسا 

وهَبْ لها  مِنْ عزيزِ النصرِ ما الْتَمَسَتْ       فَلَم يَزَلْ مِنْكَ عِزُّ النَّصرِ مُلْتَمَـسا

تكميلي 2019: البيت الذي يُعد مثالًا على مظهر (الموازنة بين ماضي المدن وحاضرها) من مظاهر شعر  رثاء المدن والممالك هو:

1- تلك المصيبةُ أَنْسَتْ ما تَقَدَّمَهـــا        وما لَها مع طولِ الدَّهْرِ نِـسْيانُ

2- أَرى الــمــلوكَ أصـابَـتْـهُـمْ بِأَندلسٍ        دوائـــــــرَ السّوءِ لا تُـبْـقي ولا تَـذَرُ

3- وكـعـبةٌ كانـتِ الآمــــــــالُ تـعـمُــرُهـا        فـالـيـومَ لا عـاكـفٌ فـيـها ولا بــادِ

4- أرضٌ تقاذَفَتِ الخُطــــــوبُ بأهلِها        وتضمَخَّضَتْ بخرابِها الأقــــــدارُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتُعد نونية أبي البقاء الرَّنْدِي أشهر ما قيل في رثاء المدن والممالك في الأندلس؛ فهي لا ترثي مدينة بعينها بل ترثي مدن وممالك الأندلس كافة، وتعبِّر عن تجربة حقيقية عاشها الشاعر، وبدأها بحكمة عامة، ثمَّ صوَّر ما حلَّ بالأندلس من خطوب عظيمة، فيقول:

لـكُـلِّ شـيءٍ إذا ما تـــمَّ نُــقــــــــصانُ        فلا يُـغَـرَّ بطـيبِ العيشِ إنسانُ

هي الأمُورُ كما شاهــــــــــدْتُها دُولٌ        مـــــــن سرَّهُ زمــنٌ سـاءتْهُ أزْمـانُ

وهـذه الـــــــدارُ لا تُـــبــــــقي على أحدٍ        ولا يـــــــدومُ عــلى حالٍ لها شــانُ

فـجـائِــــــــــــــعُ الـــــدَّهـرِ أنواعٌ مُنَوَّعَـةٌ        وللــزَّمــان مــــــــــــسـرَّاتٌ وأحـــزانُ

وللـــحـــــــوادِثِ سُـلـوانٌ يُـسَـهِّـلُها        وما لِـمَا حَـــلَّ بالإسـلامِ سُلْوانُ

تلك المصيبةُ أَنْسَتْ ما تَقَدَّمَها        وما لَها مع طولِ الدَّهْرِ نِـسْيانُ

يا مَـــنْ لِـــــذِلَّةِ قـــومٍ بَــــعْـدَ عِـزِّهِــمُ        أَحـــالَ حالَــهُــمُ جَــــــــوْرٌ وطُــغيانُ

 صيفية 2021: اتسمت نونيّة أبي البقاء الرندي بأنها:

أ- انتهت بحكمة عامة   ب- رثت مدينة بعينها    ج- بدأت بحكمة عامّة   د- خلت من النزعة الدينية.

 صيفية 2022: البيت الشعري الذي أُخِذَ من قصيدة تُعَدُّ من أشهر ما قيل في رثاء المدن، هو:

1- لـكُـلِّ شـيءٍ إذا ما تـمَّ نُقصـــــانُ        فلا يُـغَـرَّ بطـيبِ العيشِ إنسانُ

2- تَـبْـكِي السَّـمَـاءُ بِمُزْنٍ رَائِحٍ غـادٍ        عَـلَى الـبَـهَـالِـيـلِ مِـنْ أَبْـنَـاءِ عَــبَّادِ

3- عاثتْ بساحَتِـــــــكِ العِـــدا يا دارُ        ومَــــــحَا مَحاسنَك الْبِــلى والنـــارُ

4- بني المُظفَّر  والأيــامُ ما بَرِحَتْ        مراحلًا منها والورى منها على سفرِ

الخصائص الفنية لشعر رثاء المدن والممالك: (يحفظها الطلبة)

1- يتصف بحرارة العاطفة وعمق الشعور بالأسى والحزن عند الحديث عمّا حلَّ بالمدن والموازنة بين ماضيها وحاضرها.

2- يغلب عليه النزعة الدينية والحكمة النابعة من التجارب المريرة، كما ظهر في أبيات أبي البقاء الرَّندي.

3- يكثر فيه استخدام أساليب الإنشاء الطلبي، مثل: النداء، والاستفهام للتحسُّر والتفجُّع.