مقدمة
- خلق الله تعالى الناس شعوبًا وأممًا وأمرهم أن يتعاونوا على البر والتقوى وكل ما فيه خير الإنسان.
- جاء الإسلام بخطاب عالمي وتشريعات عامة، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
- وقد نظم الإسلام العلاقات بين الناس وفق مبادئ إنسانية.
مبادئ التعامل الإنساني
للتعامل الإنساني في الإسلام مبادئ عديدة، منها ما يأتي:
(1) التواصل
- حث الإسلام على التواصل مع الناس ومخالطتهم وكره العزلة والتفرد بحجة الأذى الذي قد يلاقيه البعض من الناس، قال رسول الله ﷺ: "المسلمُ إذا كانَ يخالطُ الناسَ ويصبرُ على أذاهمْ خيرٌ منَ المسلمِ الذي لا يخالطُ الناسَ ولا يصبرُ على أذاهمْ".
- جعل الإسلام المخالطة بين المسلمين وغيرهم مشروعة؛ لأغراض عديدة منها: التعامل في البيع والشراء، وفي المصالح المشتركة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "توفيَ رسولُ اللهِ ﷺ ودرعُهُ مرهونَةٌ عندَ يهوديّ، بثلاثينَ صاعًا من شعيرٍ".
- من صور المخالطة والتواصل مع غير المسلمين، جواز التهادي معهم، فقد أهدى ملك إيلة للنبي ﷺ بغلة بيضاء، وكساه بردًا، فَقَبِلَها ﷺ.
- فعلى المسلم في أثناء تواصله مع الآخرين:
- أن يقدم الصورة الحقيقية عن الإسلام ومبادئه، التي تحث على نشر السلام والرحمة بين الناس.
- التحلي بأخلاق الصدق والأمانة والوفاء في التعامل.
(2) الرحمة بعامة الناس
- أرسل الله محمدًا ﷺ رحمة للعالمين، قال الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، وقال ﷺ: "منْ لا يرحمِ الناسَ، لا يرحمهُ عزَّ وجلَّ".
- وكلمة (العالمين) في الآية الكريمة، وكلمة (الناس) في الحديث الشريف، تدلان على أن الرحمة شاملة للخلق جميعهم، على اختلاف أديانهم وأجناسهم وأعراقهم.
- وهذا رسول الله ﷺ، المبعوث رحمة للعالمين، لما طُلب منه أن يدعو على المشركين، قال: "إني لْم أبعثْ لعانًا، وإنمَا بعثتُ رحمةً".
- ومن رحمة الله تعالى بالناس أنه حثَّ على البر والإحسان، وبذل المعروف للناس جميعهم، ما داموا غير معتدين، قال الله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".
(3) العدل
- العدل أحد الأسس والدعائم التي يقوم عليها الدين الإسلامي.
- وقد عدَّه الإسلام مبدأً إنسانيًّا عامًّا مع الناس جميعهم، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".
- فالناس وإن اختلفوا في الدين، فإن حياتهم لا تستقيم إلا إذا تحقق بينهم العدل.
- وقد جعل الله تعالى العدل واجبًا مع الناس جميعهم، قال الله تعالى: "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ".
- فعلى المسلم ألاّ يظلم أحدًا بسبب دينه أو لونه أو جنسه أو عرقه، فلا يحابي أحدًا لقرابة، ولا يظلم أحدًا لعداوة.
(4) الوفاء بالعهود والمواثيق
- أوجب الله تعالى على العباد الوفاء بالعهود، فقال: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ".
- وبين أن نقض العهود سبب لغضبه ولعنته، فقال: "وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ".
- والوفاء بالعهود عام لكل الناس، ما دام أن العهد لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا.
- ومن الأمثلة على وفاء الرسول ﷺ بعهوده مع أعدائه: ما كان منه ﷺ في صلح الحديبية، حيث وفَّى بعهده مع مشركي مكة، حتى إنه ردَّ من جاءه مسلمًا بغير إذن وليه؛ لأن شروط الصلح تنص على ذلك.
(5) التسامح
- ما دام أن الناس يعيشون ضمن مجتمعات، يتخالطون ويتواصلون ويتبايعون، فلا بد من وقوع الخطأ بينهم، لذلك وضع الإسلام مبدأ التسامح، والتجاوز عن الأخطاء، قال الله تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
- وحث الله سبحانه أيضًا على العفو عن غير المسلمين فقال: "قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ".
- وأثر التسامح بين الناس:
- أن تنتشر المحبة والمودة بين الناس.
- تستقيم حياتهم.
- أثر هجر مبدأ التسامح بين الناس:
- كثرة المشكلات بينهم.
- تنافر القلوب.
- انتشار الشحناء والبغضاء بينهم.
- كَدَر العيش، ويجعل الحياة صعبة بين أبناء المجتمع الواحد، وقد عفا النبي ﷺ عن أهل مكة يوم الفتح، وكان عفوه عنهم من منطلق القوة لا الضعف.
- والتسامح المطلوب في الشريعة الإسلامية هو التسامح المبني على:
- احترام الدين والمعتقدات التي جاء بها الرسل عليهم الصلاة والسلام.
- حفظ المبادئ والثوابت وعدم التنازل عنها، وليس من الحكمة التنازل عنها أو المسامحة فيها؛ لأن فيها حفظ هيبة الدين والدولة، وسلامة الوطن.
(6) حفظ الحقوق الشخصية
- ضمنت الشريعة الإسلامية للناس جميعًا أيًّا كان دينهم أو عرقهم أو لونهم حقوقًا كثيرة، منها:
- حق الأمن على النفس والمال والعرض.
- حق التنقل.
- حق الكسب والعمل.
- التمتع بمرافق الدولة العامة.
- وكل هذا من منطلق عدل الإسلام واحترامه لقيمة الإنسان ومكانته في هذا الوجود، ومحافظته على حياته وخصوصياته.