التربية الإسلامية فصل ثاني

المواد المشتركة توجيهي

icon

التَّعَلُّمُ الْقَبْلِيُّ

ندب الإسلام إلى العمل الصالح وفعل ما يفيد الناس والمجتمع، ودعا إلى إنفاق المال في جوانب الخير. قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ ٱلبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران: 92). ومن ذلك، الوقف الذي يُخصِّص فيه المسلم شيئًا من ماله ليُنتفَع به في وجه من وجوه الخير على نِيَّة الدوام والاستمرارية، بحيث لا يتصرَّف فيه صاحبه بالبيع والشراء والهِبَة وغير ذلك، ويجعل رَيْعه في أبواب الخير؛ سواء كانت لعموم الناس، أو تخصُّ أقاربه؛ ليكون بذلك سبيلاً من سُبُل التكافل الاجتماعي والصدقة الجارية. وقد أشار النبي r إلى مجموعة من مجالات الوقف، فقال r: "إِنَّ مِمّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَناتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَناهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبيلِ بَناهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْراهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَها مِنْ مالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَياتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) (رواه ابن ماجه).

أُناقِشُ وَأُجيبُ

أُناقِشُ ما سبق، ثمَّ أُجيبُ عن السؤالين الآتيين:

  1. أُبَيِّنُ مفهوم الوقف.

الوقف: أن يخصّصُ المسلم شيئًا من ماله ليُنتَفَعَ به في وجه من وجوه الخير على وجه الدوام، بحيث لا يتصرف فيه صاحبه بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك ويجعل ريعَهُ في أبواب الخير.

   2.  أُعَدِّدُ أنواع الوقف.

 الوقف الخيري العام وهو الذي يكون لعموم الناس، والوقف الذري لأقارب الواقف.

 

الْفَهْمُ وَالتَّحْليلُ

تعدَّدت مجالات الوقف في الإسلام، واتَّخذت أشكالًا كثيرةً أسهمت في تنمية المجتمع المسلم، وازدهاره، وحَلِّ بعض المشكلات المُتعلِّقة بمختلف جوانب الحياة. وفيما يأتي تفصيل لبعض هذه المجالات ودورها في التنمية:

أوَّلًا: المجال العلمي

اعتنى المسلمون بالوقف على العلم، وتوفير جميع ما يُسهِم في نشره. وقد تمثَّل ذلك في بناء دور القرآن الكريم، والكتاتيب، والمدارس، والجامعات التي كان التعليم فيها مجّانيًّا. وقد امتازت المدارس باشتمالها على مساجد، ومكتبات، وقاعات للدراسة، وغرف للنوم، ومرافق أُخرى. وكان الأمراء والأغنياء والتُّجّار يتسابقون في بناء هذه المدارس والوقف عليها بما يضمن استمرارها وإقبال الطلاب عليها، وقد حوَّل بعضهم البيوت الخاصَّة التي يملكونها إلى مدارس، وجعلوا ما فيها من كتب وما يتبعها من عقارات وقفًا على طلاب العلم. ومن أمثلة ذلك:

  • المدرسة النورية التي أنشأها السلطان نور الدين زنكي  في دمشق.
  • المدرسة الصلاحية التي أنشأها السلطان صلاح الدين الأيوبي  في القدس.
  • المدرسة النظامية التي أنشأها الوزير السلجوقي نظام الملك  في بغداد، وفي عدد من المدن الإسلامية.

من الأوقاف العلمية التي أُنشِئت في الأردن، وقفيات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين - حفظه الله- لدراسة فكر الأئمة والعلماء المسلمين، مثل:

  • وقفية الإمام الغزالي في المسجد الأقصى المبارك التي وضعت نصب عينيها إعماره بالعلماء وطلبة العلم، وإعطاء دفع علمي وروحي إسلامي لحماة مدينة القدس.
  • وقفية الإمام الرازي  في مسجد الحسين بن طلال في عمّان.
  • وقفية الإمام النووي  في مسجد السلط الكبير، وجامعة العلوم الإسلامية العالمية.
  • وقفية الإمام السيوطي  في المسجد الحسيني الكبير في عمّان.

وقد أسهم هذا الجانب من جوانب الوقف في نشر العلم على اختلاف تخصُّصاته، وظهور العلماء المُبدِعين في جميع المجالات العلمية، وتخريج طوائف من الفقهاء والمُحدِّثين والمُفسِّرين والفلكيين، بما وفَّرته لهم من دعم مادي لبحوثهم ودراساتهم، وبيئة تعليمية من مدارس وجامعات وكتب وأدوات استفاد منها عدد كبير من طلاب العلم.

ثانيًا: المجال الصحي

 من المجالات المُهِمَّة التي عُنِي المسلمون بتخصيص أوقاف لها، بناء المستشفيات والمعاهد الطبية. ومن أمثلتها:

  • المستشفى المنصوري الذي بناه السلطان المنصور قلاوون r في القاهرة، وأوقف عليه ما يكفل مصاريفه كلَّ عام، وجعل علاج المرضى من الأغنياء والفقراء فيه مجّانًا. وقد اشتمل المستشفى على مدرسة لتدريس الطب.
  • المستشفى الصلاحي الذي أنشأه صلاح الدين الأيوبي  في بيت المقدس، وأوقف عليه أوقافًا لتسيير شؤونه العملية والعلمية. وقد ضمَّ المستشفى مدرسة لتدريس الطب، وعمل فيه أشهر الأطباء، مثل: أبي الفضل الصوري، ويعقوب المقدسي.

من الوقفيات الحديثة في المجال الصحي، وقفية مستشفى المقاصد الخيرية التابعة لصندوق الزكاة، وهو يقع في عمّان، ويُعَدُّ أوَّل وقف صحي في المملكة، وينتفع منه القادرون إلى جانب المحتاجين عن طريق صندوق مُخصَّص للمريض الفقير.

وقد أدّى هذا الجانب من الأوقاف دورًا عظيمًا في النهوض بالجانب الطبي من الحضارة الإسلامية، وذلك بتشييد المستشفيات المُتكامِلة، وتعيين أمهر الأطباء فيها، وإيلاء المرضى جُلَّ الاهتمام منذ لحظة دخولهم إيّاها حتى خروجهم منها. وكذلك تدريس العلوم الطبية للطلاب من مختلف البلاد؛ فظهرت مجموعة كبيرة من الأطباء المَهَرة الذين أسهموا بدور كبير في الاكتشافات الطبية فيما بعدُ.

ثالثًا: المجال الاجتماعي

 اعتنى المسلمون بالوقفيات التي تُؤكِّد مسؤولية الأفراد تجاه المجتمع، وتُقدِّم خدماتها للفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل. وقد تمثَّل ذلك في بناء بيوت خاصَّة للفقراء، يسكنها مَنْ لا يجد ما يشتري به دارًا، أو يستأجر به منزلًا. وكذلك وقف المطاعم التي يُوزَّع فيها الطعام على المحتاجين مجّانًا، والسقايات، وحفر الآبار لسقاية الناس ومواشيهم. ومن الأوقاف العظيمة في تاريخ المسلمين، ما يُعرَف بعين زبيدة؛ وهي زوجة الخليفة هارون الرشيد؛ فقد أمرت بحفر الآبار، وعمل البِرَك، وبناء الصهاريج العظيمة في طريق الحج من بغداد إلى مكَّة، ثمَّ جلبت لها الماء، وأقامت القنوات حتى أوصلت الماء إلى مكَّة المُكرَّمة.

 من الأوقاف المُهِمَّة أيضًا، بعض المؤسسات التي تُعْنى بذوي الاحتياجات الخاصَّة وكبار السِّنِّ والأيتام، وتُوفِّر لهم سُبُل العيش الكريم. وكذلك ما كان قديمًا من تشييد الاستراحات والفنادق لمَنْ تقطَّعت بهم السُّبُل من أبناء السبيل؛ إذ كانوا يستريحون فيها، ويحظَون بواجب الضيافة فيها.

وقد وُجِدت وقفيات اجتماعية في الأردن أسَّسها المُحسِنون، مثل: دار الإيمان، ومَبرَّة أُمِّ الحسين، وتمثَّلت أهدافها في رعاية الأيتام، وإيوائهم، وتوفير ما يَلزمهم من مسكن وملبس ورعاية صحية وتربوية، إلى جانب إشراك أبناء المجتمع المحلي مع هؤلاء الأيتام في مختلف أنشطتهم.

 أسهمت هذه الأوقاف في حَلِّ بعض المشكلات الاجتماعية، مثل مشكلة الفقر، وذلك بتوفير ما يَلزم الفقراء والمحتاجين من مساعدات مادية وعينية، وتوفير حياة كريمة لهم. وكذلك الإسهام في تشغيل بعض الباحثين عن عمل ضمن مشاريع صغيرة تُوفِّرها لهم، أو دعمهم بالمال الذي يساعدهم على بَدْء أعمال مناسبة خاصَّة بهم.

رابعًا: المجال العسكري

  من الأوقاف التي يُمثِّلها هذا المجال، دعم المرابطين على الثغور لمواجهة خطر غزو الأعداء، وذلك بتقديم كلِّ ما يَلزمهم من سلاح وعتاد وطعام وشراب. ولهذا، فقد خُصِّصت أوقاف للخيول والسلاح وأدوات الجهاد، وهو ما أسهم إسهامًا فاعلًا في الدفاع عن البلاد وصَدِّ العدوان.

أَبْحَثُ

 أَرْجِعُ إلى كتاب (من روائع حضارتنا)، ثمَّ أُدَوِّنُ منه بعض نماذج الوقف، وَأَتَعَرَّفُ إلى أصحابها.

 من المؤسسات الخيرية بناء الخانات والفنادق للمسافرين المنقطعين وغيرهم من ذوي الفقر، ومنها التكايا والزوايا التي ينقطع فيها من شاء لعبادة الله عز وجل، ومنها بناء بيوت خاصة للفقراء يسكنها من لا يجد ما يشتري به أو يستأجر داراً، ومنها السقايات أي تسبيل الماء في الطرقات العامة للناس جميعاً، ومنها المطاعم الشعبية التي كان يفرق فيها الطعام من خبز ولحم وحساء (شوربة) وحلوى، ولا يزال عهدنا قريباً بهذا النوع في كل من تكية السلطان سليم، وتكية الشيخ محيي الدين بدمشق، ومنها بيوت للحجاج في مكة ينزلونها حين يفدون إلى بيت الله الحرام

أما المدارس، وهي التي قامت على الأوقاف الكثيرة التي تبرع بها الأغنياء من قادة وعلماء وتجار وملوك وأمراء، فقد بلغت من الكثرة حدا بالغا، وحسبك أن تعلم أنه لم تخل مدينة ولا قرية، في طول العالم الإسلامي وعرضه، من مدارس متعددة يُعلِّم فيها عشرات من المعلمين والمدرسين في دمشق لا تزال المدرسة النورية التي أنشأها البطل العظيم نور الدين الشهيد، وهي الواقعة الآن في سوق الخياطين.

الْإِثْراءُ وَالتَّوَسُّعُ

من الأوقاف الحديثة والمُستجدَّة، ما يُسمّى الوقف الإلكتروني؛ وهو مصطلح جديد ظهر نتيجةً للتطوُّر الهائل في مجال التقنية ووسائل التواصل، ويعني حبس الأصول الإلكترونية من برامج ومواقع وغير ذلك، وجعل منافعها في وجوه الخير، مثل:

  1. رعاية المشاريع الإلكترونية، وتحفيز المُبدِعين على تقديم الأعمال المفيدة.
  2. إنشاء المواقع الإلكترونية التي تحوي الكتب الإلكترونية، والدروس العلمية والتربوية، والمحاضرات المفيدة في مختلف التخصُّصات.
  3. إنشاء القنوات المختلفة التي تُعْنى بتعليم القرآن الكريم ونشره، أو بالعلم الشرعي، وإنشاء المقارئ الإلكترونية، أو تُعْنى بالعلوم النافعة الأُخرى.
  4. إنشاء الملتقيات للتعريف بالإسلام، والدعوة إليه، ومناقشة الشُّبُهات والانحرافات الفكرية والعقدية.

من الأمثلة المعاصرة على هذه الأوقاف، موقع المكتبة الوقفية التي تشتمل على آلاف الكتب الإلكترونية التي يستفيد منها الناس وطلبة العلم.