التربية الإسلامية11 فصل ثاني

الحادي عشر خطة جديدة

icon

التعلم القبلي

فتح الإسلام باب الاجتهاد أمام العلماء، وأمرهم ببذل وُسْعهم في استنباط الأحكام الشرعية العملية التي تحتاج إليها الناس في حياتهم، وذلك باستخدام مصادر التشريع المُتعدِّدة؛ من: قرآن كريم، وسُنَّة نبوية شريفة، وإجماع، وقياس.

وَفق ضوابط وشروط تُحقِّقُ مقاصد الشريعة، (حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، وتُحقِّق مصالح الفرد والمجتمع، وتدفع عنهما المفاسد.

أُبَيِّنُ  
أُبَيِّنُ حُكْمً شرعيًّا شرعه الإسلام لتحقيق كلِّ مقصد من المقاصد الآتية للشريعة:
مقصد الشريعة الحُكْم الذي شُرع لحفظها
حفظ الدين

الدعوة إليه، نشر العلم، الجهاد في سبيله.

حفظ النفس تحريم الاعتداء على النفس بالأذى أو القتل، تشريع القصاص.
حفظ العقل تحريم الخمر، وتحريم المخدرات ...و النهي عن التقليد الأعمى.
حفظ النسل تشريع الزواج، تحريم الزنا، حد الزنا.
حفظ المال تحريم السرقة، حدّ السارق، تحريم أكل المال بالباطل.

الْفَهمُ وَالتَّحليلُ

تهدف الشريعة الإسلامية إلى إسعاد الناس في الدنيا والآخرة، عن طريق:

أ. بجلب ما ينفعهم.

ب. دفع ما يضرُّهم.

وهو ما جعلها تراعي تحقيق المصالح في تشريع الأحكام التي تُنظِّم حياتهم.

أولًا: مفهوم المصلحة وأنواعها

المصلحة: هي المنفعة التي تحصل للناس، عن طريق جلب النفع لهم، أو دفع الضرر عنهم.


تُصنَّف المصالح في حياة الناس إلى ثلاثة أنواع، هي:
أ . المصالح المُعتبَرة: هي المصالح التي قبلها الشرع، وأخذ بها في التشريع؛ لِما فيها من منفعة للناس.
ومن أمثلتها:

- المصلحة الموجودة في نظر الخاطب إلى المخطوبة؛ لِما يحصل بينهما من الأُلفة والمودَّة.

جاءَ رَجُلٌ إلِى النَّبيِِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبيُِّ صلى الله عليه وسلم: «انْظُرْ إلَِيْها، فَإنَِّهُ أَحْرى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَ ».(يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَ: تكون بينكما المحبة والاتفاق).

- الأكل من الميتة عند الاضطرار إليه؛ لِما في ذلك من حفظ النفس من الهلاك.

ب. المصالح المُلغاة، هي المصالح التي رفضها الشرع، ورفض الأخذ بها أو مراعاتها في التشريع.

ومن أمثلتها:

- المصلحة المُتحقِّقة لمَنْ يبيع الخمر؛ لِما فيها من ربح المال الوفير، فجاء الشرع بتحريم الخمر؛ لِما يُسبِّبه من ضرر كبير للأفراد والمجتمعات، ورفض هذه المصلحة الضيِّقة الخاصَّة بتاجر الخمور. قال تعالى:﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾ (البقرة: 219).

-  كسب المال من الرشوة؛ إذ فيها مصلحة لمن يأخذها، لكنَّ الشرع حرَّمها؛ لِما في ذلك من أكل لأموال الناس بالباطل.

ج. المصالح المُرسَلة، هي المصالح التي لم يَرِدْ في الشرع ما يدلُّ على قبولها أو رفضها.

ومن أمثلتها:
- إنشاء المحاكم الشرعية التي ترعى مصالح الناس وحقوقهم في مسائل الأحوال الشخصية، مثل: الزواج، والطلاق، والميراث؛ فوجودها فيه منفعة للناس من حيث ضبط أمور الزواج، والتثبُّت من تحقُّق شروطه الشرعية، والمحافظة على الحقوق المادية والمعنوية للزوجين والأبناء، ومنع الاعتداء عليها.

إنشاء مؤسسة لرعاية أموال الأيتام حتى يبلغوا سِنَّ الرشد؛ ففي ذلك مصلحة لحفظ أموالهم.

- إنشاء المؤسسات التي ترعى المعاقين وكبار السِّنِّ وغير ذلك.

ولم يَرِدْ في الشرع ما يمنع من وجود هذه المصالح.

 

أُصَنِّفُ

أُصَنِّفُ المصالح الآتية المُتعلِّقة بالأحكام الشرعية إلى مُعتبَرة، ومُلْغاة، ومرُسَلة:

مثال عليها نوع المصلحة التعليل
بيع المُخدِّرات ملغاة لأن بيع المخدرات فيه إضرار بحفظ العقول والأرواح     
الالتزام بقوانين السَّيْر مرسلة  لأن فيه مصلحة بحفظ الأرواح وتنظيم السير    
استخدام بطاقات الصرّاف الآلي في المصارف الإسلامية مرسلة لأن فيه مصلحة بالتيسير على الناس في المعاملات
ترك الجهاد حفاظًا على أرواح الناس ملغاة فيه تضييع للأحكام الشرعية وفيه ضرر أكبر كاحتلال البلاد وإذلال الأمة
    إيجاب القِصاص من القاتل عمدًا معتبرة لأن في تطبيق القصاص حفظًا لحياة الناس وردعًا  للمجرمين وحفظًا للدماء وللنظام.

 

ثانيًا: حُجِّية المصلحة

يُقصَد بحُجِّية المصلحة: مدى اعتبارها دليلً شرعيًّا، ومصدرًا من مصادر التشريع.
وممّا يدلُّ على حُجِّية العمل بالمصلحة المُرسَلة:
أ . قوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (الأنبياء: ١٠٧).

وجه الدلالة في الآية الكريمة: أنَّ من مقاصد الشريعة الرحمة، والرفق بالناس، ومراعاة حاجاتهم وما ينفعهم. وممّا يدخل في ذلك ما يجلب لهم مصالحهم، ولو لم يَرِدْ فيه نصٌّ.
ب. عمل الصحابة رضي الله عنهم بالمصلحة من غير خلاف، فكان ذلك إجماعًا منهم، مثل:
- جمعهم القرآن الكريم في مصحف واحد.

- نسخ القرآن الكريم.
- إنشاء الدواوين.

- إنشاء دور القضاء.
فهذه أعمال من الصحابة
رضي الله عنهم لم يفعلها سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لكنَّ فيها منفعة وفائدة عظيمة للإسلام والمسلمين.

 

أُناقشُِ

أُناقشُِ ضرورة مراعاة المصلحة في استنباط الأحكام الشرعية تبعًا لتطوُّر الحضارة، وتجدُّد مصالح الناس.

جاء الإسلام لتحقيق الحياة الطيبة للناس في الدنيا والآخرة، وليس من مقاصد الإسلام تشريع ما يشق على الناس من أحكام، بل من أهدافه التيسير ورفع الحرج عنهم وتشريع ما فيه مصلحتهم بضوابطها المعروفة، وليس التشريع مجرد إخراج أحكام نظرية يلزم الناس تطبيقها دون النظر إلى ما فيه جلب المنفعة لهم ودفع المضرة عنهم.

 

ثالثًا: ضوابط المصلحة

 لم تترك الشريعة الإسلامية أمر تحديد المصلحة لأهواء الناس من دون ضوابط أو شروط؛ لأنَّ ذلك مُتفاوِت فيما بينهم من حيث العقل والعلم، فقد يرى شخص أنَّ في الأمر مصلحة، ويرى غيره عكس ذلك.

ومن ضوابط المصلحة:
أ . ألّا تُعارِض المصلحة حُكْمًا ثَبَتَ بنصٍّ أو إجماعٍ.

مثل: المساواة بين الابن والبنت في الميراث؛ فهذه مصلحة مُلْغاة، وغير مقبولة؛ لمعارضتها نصَّ القرآن الكريم الذي بيَّن نصيب كلِّ وارث. قال تعالى:(للذكر مثل حظ الأنثيين) (النساء:11).

ب. أنْ تكون المصلحة عامَّة، لا خاصَّة؛ وذلك بأن يحقق الحُكْم المطلوب المنفعة لأكبر عدد من الناس، أو يدفع ضررًا عنهم. فإذا كان الحُكْم يُلحِق ضررًا بمجموع الناس، ويُحقِّق مصلحة لفرد ما، فإنَّه لا يُشرَع.

مثل: تحريم الإسلام الرِّبا؛ لِما يُسبِّبه من ضررٍ لعموم الناس.

قال تعالى: ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ (البقرة: ٢٧٥)، بالرغم ممّا فيه من مصلحة شخصية لصاحب المال الذي يُقرِض الآخرين.

 ج. أنْ تكون المصلحة حقيقية، لا وهمية؛ فقد يتوهَّم بعض الناس أنَّ أمرًا ما هو مصلحة، وأنَّ فيه نفعًا، وهو في الحقيقة مفسدة، أو ضرره أكبر من نفعه.

مثاله:

ما يتوهَّمه بعض الأشخاص من مصلحة في عدم القصاص من القاتل؛ حفاظًا على حياته.

وهذا وهمٌ غير صحيح؛ فالمصلحة المُعتبَرة والمُؤكَّدة من تشريع القِصاص هي ردع الناس عن استباحة الدماء، والاعتداء بالقتل أو إيذاء الآخرين.

قال تعالى: ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تعقلون﴾ (البقرة:179).

ومن الأمثلة على المصالح الوهمية كذلك ما يُسمّى القتل الرحيم؛ إذ يلجأ بعض الناس إلى إنهاء حياة المريض بحُجَّة استحالة شفائه، فيُسارِعون إلى إنهاء حياته؛ لإراحته من الآلام والأوجاع التي يعانيها، فيما يُعَدُّ انتهاكًا لحقِّ الإنسان في الحياة،قال تعالى: ﴿ولا تقتلوا انفسكم إن الله كان بكم رحيمًا﴾ (النساء: ٢٩ ).

الإثراء والتوسع

من الأحكام الشرعية التي استند العلماء في استنباطها على مراعاة المصالح:
1. جواز تسعير المواد والسلع التي تَلزم الناس في حياتهم. فإذا ارتفعت الأسعار نتيجة الاستغلال أو الاحتكار، فإنَّ المصلحة تُحتِّم تسعير السلع مع مراعاة المصلحة لكلٍّ من البائع والمشتري عند تحديد السعر.
2. جواز استخدام الطرائق الحديثة في المساعدة على الإنجاب؛ففي ذلك تحقيق لمصلحة الزوجين في رغبتهما أنْ يكون لهما أولاد، وتحقيق للمقصد الشرعي بالحفاظ على النسل.
3. جواز تشريح جُثَّة الميت لمعرفة سبب الوفاة، والاستدلال به على ثبوت الجناية على المُتَّهَم بالقتل، أو نفيها عنه؛ وفي ذلك تحقيق لمقصد العدل، وإنقاذ البريء من العقاب، ومعاقبة الجاني. وهذه المصلحة مُقدَّمة على المفسدة الناتجة من تشريح الجُثَّة؛ وهي هتك حُرْمتها.

من القِيَم المستفادة من الدرس.
1. أُوقِنُ أنَّ الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كلِّ زمان ومكان.

Jo Academy Logo