التاريخ فصل ثاني

الثامن

icon

أولاً: الخلافة في الأندلس

فتحت الأندلس عام (٩٢ه/٧١١م) في عهد الخليفة الأموي الوليد بن الملك، فأصبحت ولاية تابعة للخلافة الاموية في بلاد الشام، ولما سقطت الخلافة الاموية بالمشرق عام (١٣٢ه/٧٥٠م) حاول ولاة الاندلس ان يكونوا أمراء مستقلين لا يتبعون احد بعد سقوط الخلافة الاموية.

ومنذ قدوم الامير عبدالر حمن الداخل، اصبحت الأندلس امارة اموية، تتوارثها الاسرة الأموية(١٣٨-٣١٦ه)، وكانت مستقلة سياسياً عن الدولة العباسية في المشرق، ولم تعترف بها، فقطع الدعاء للخليفة العباسي في خطبة الجمعة ورغم ذلك لم يلقب الامراء بلقب خلفاء واكتفوا بلقب الأمير أو الإمام.

وفي عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر تحولت الاندلس من امارة الى خلافة، واستمر لقب خليفة في ذرية عبد الرحمن الناصر من بعده حتى سقوط الدولة الاموية في الاندلس عام (٤٢٢ه/١٠٣٠م)، وكان نظام الخلافة في الاندلس يقوم على اساس التوريث .

وهكذا اصبح في العالم الاسلامي ثلاث خلافات هي: الخلافة العباسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في شمال افريقيا ومصر وبلاد الشام واليمن والحجاز، والخلافة الاموية في الاندلس .

ثانيا: الوزارة والحجابة في الاندلس

كان نظام الوزارة في الأندلس يشبه إلى حد كبير نظام الوزارة في الخلافة العباسية ، وكان رئيس الوزراء في أول الأمر الخليفة نفسه ، ثم تطورهذا الأمر ، فأصبح ( الحاجب ) هو رئيس الوزراء الفعلي . ولمعرفة المزيد عن تطور الوزارة في الأندلس تأمل النص الآتي:

((وأما دولة بني أمية بالأندلس فابقوا اسم الوزير في مدلوله أول الدولة، ثم قسموا خطته أصنافا، وأفردوا لكل صنف وزيراً، فجعلوا لحساب المال وزيراً، وللترسيل ( البريد ) وزيراً،وللنظر في حوائج المتظلمين وزيراً، وللنظر في أحوال أهل الثغور وزيرا، وجعل لهم بيتا يجلسون فيه على فرش منضدة لهم، وينفذون أمر السلطان هناك كل له مكان جعل له، وأفراد لتردد بينهم وبين الخليفة واحد منهم ارتفع عنهم بمباشرة السلطان في كل وقت، فارتفع مجلسه عن مجالسهم وخصوه باسم الحاجب، ولم يزل الشأن هذا إلى آخر دولتهم، فارتفعت خطة الحاجب ومرتبته على سائر الرتب، حتى صار ملوك الطوائف ينتحلون لقبها، فأكثرهم يومئذ يسمى الحاجب)) .

                                 

                                  ابن خلدون، المقدمة، ص(٢٣٩-٢٤٠)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

والحاجب في الأندلس لم يكن ذلك الرجل الذي يقف بباب الخليفة ليحجبه عن الخاصة والعامة، كما كان الحال في المشرق الإسلامي وإنما قصد به رئيس الوزراء. ولما ضعفت الخلافة الأموية في الأندلس، أخذ نفوذ الحاجب يقوى شيئا فشيئا حتى استبد بكل أمور الدولة، وصار اختصاصه يشمل الشؤون المدنية والعسكرية.

ومن أشهر من تولى منصب الحجابة الحاجب المنصور بن أبي عامر، الذي أسس الدولة العامرية في الأندلس، وفي عهده أخذت الحجابة منحى آخر. ولمعرفة المزيد تأمل النص الآتي:

تسمى ابن أبي عامر المنصور، ودعي له على المنابر استيفاء لرسوم الملوك، فكانت الكتب تنفذ عنه، وأخذ الوزراء بتقبيل يده،........ فساوى محمد بن أبي عامر الخليفة في المراتب، ولم يجعل فرقا بينهم وبين الخليفة إلا في الاسم.

 

                           ابن عذاري، البيان المغرب، ج٢، ص(٧١٤)

 

 

 

 

 

ثالثا: القضاء في الأندلس

احتل القضاء في الأندلس أهمية كبيرة من قبل الخلفاء، فقد تطور القضاء في الأندلس، فعين الخليفة منصب قاضي الجماعة وهو بمثابة قاضي القضاة،

ويقوم بالإشراف على القضاة في البلاد، ويقيم في العاصمة قرطبة ، وكان يختار منصب قاضي الجماعة من بين قضاة الإقليم المشهود لهم بالتفوق بالقضاء، وعلو العلم وقوة الحزم، ومن مهام قاضي الجماعة تنفيذ الإشراف على موارد الأحباس (الأوقاف) وسجلات الفتوى، ويوم المصلين في أيام الجمع والأعياد خصوصا في المساجد الكبرى في قرطبة أو الزهراء .

وكان يشترط في تعيين القاضي أن يكون فقيها على مذهب الإمام مالك بن أنس وهو المذهب الذي انتشر في الأندلس، ويشترط أن يكون مشهودا له بالنزاهة والاستقامة، وأن يتقن اللغة الإسبانية خاصة في بداية عهد الدولة الأموية.

ومن سياسة التسامح الديني التي مارسها المسلمون في الأندلس سماحهم ببقاء النظام القضائي بأيدي المسيحيين أنفسهم  لإدارة شؤونهم الخاصة، وأطلق على متولي القضاء لديهم اسم قومس، وإلى جانب القاضي في الأندلس كان يوجد صاحب الشرطة الذي ينظر ويفصل الجرائم السياسية والمدنية وكل ما يتعلق بحفظ الأمن في البلاد وهو بمثابة قاض للجنايات التي لا تدخل مهامه ضمن اختصاص القاضي.

رابعا: التقسيم الإداري في الأندلس

استفاد عرب الأندلس من النظام الإداري الذي وجدوه  في الأندلس عشية الفتح الإسلامي، وأدخلوا عليه بعض التعديلات التي تتلائم وطبيعة النظام الإداري الإسلامي في عصر الولاة ( ٩٥-١٣٨ه/٧١٣-٧٥٥م)، بحسب ما اقتبسوه من النظم الادارية في المشرق الاسلامي.

وقسمت الاندلس الى عدد من الولايات، وكانت مدينة قرطبة ذات الموقع المتوسط بين الساحل والداخل قاعدة الاندلس الاولى، ومن اشهر هذه الولايات، ولاية الاندلس (قرطبة واشبيلية)، وولاية طليطلة، وولاية ماردة، وولاية سرقسطة، وولاية اربونة.

enlightenedولمعرفة مواقع هذه الولايات تأمل الخريطة الاتية:

وكان وال هو مسؤول عن شؤون ولايته، ويتبع لكل ولاية مجموعة من المدن وهي الكور، وكل كورة يتبعها عدة أقاليم(قرة كبيرة).وكل إقليم يتبعه عدة أجزاء (ارياف).

وساعدت طبيعة البلاد الجبلية في عملية التقسيم الإداري، فحدود الأندلس الطبيعية تصلح لأن تكون حدودا سياسية يمكن أن تتحول إلى حدود إدارية واضحة المعالم.

تأثر الأندلسيون بنمط التنظيم الإداري في المشرق، فاقتبسوا العديد من المصطلحات والنظم الإدارية الموجودة في المشرق الإسلامي، فعلى سبيل المثال مصطلح الكورة هو لفظ ظهر في مصر وبلاد الشام للدلالة على الأجزاء الإدارية.