الدرس الثالث : نظام الحكم الإدارة في الأندلس
أولاً: الخلافة في الأندلس
فتحت الأندلس عام (٩٢ه/٧١١م) في عهد الخليفة الأموي الوليد بن الملك، فأصبحت ولاية تابعة للخلافة الاموية في بلاد الشام، ولما سقطت الخلافة الاموية بالمشرق عام (١٣٢ه/٧٥٠م) حاول ولاة الاندلس ان يكونوا أمراء مستقلين لا يتبعون احد بعد سقوط الخلافة الاموية.
ومنذ قدوم الامير عبدالر حمن الداخل، اصبحت الأندلس امارة اموية، تتوارثها الاسرة الأموية(١٣٨-٣١٦ه)، وكانت مستقلة سياسياً عن الدولة العباسية في المشرق، ولم تعترف بها، فقطع الدعاء للخليفة العباسي في خطبة الجمعة ورغم ذلك لم يلقب الامراء بلقب خلفاء واكتفوا بلقب الأمير أو الإمام.
وفي عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر تحولت الاندلس من امارة الى خلافة، واستمر لقب خليفة في ذرية عبد الرحمن الناصر من بعده حتى سقوط الدولة الاموية في الاندلس عام (٤٢٢ه/١٠٣٠م)، وكان نظام الخلافة في الاندلس يقوم على اساس التوريث .
وهكذا اصبح في العالم الاسلامي ثلاث خلافات هي: الخلافة العباسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في شمال افريقيا ومصر وبلاد الشام واليمن والحجاز، والخلافة الاموية في الاندلس .
ثانيا: الوزارة والحجابة في الاندلس
كان نظام الوزارة في الأندلس يشبه إلى حد كبير نظام الوزارة في الخلافة العباسية ، وكان رئيس الوزراء في أول الأمر الخليفة نفسه ، ثم تطورهذا الأمر ، فأصبح ( الحاجب ) هو رئيس الوزراء الفعلي . ولمعرفة المزيد عن تطور الوزارة في الأندلس تأمل النص الآتي:
((وأما دولة بني امية بالأندلس فابقوا اسم الوزير في مدلوله اول الدولة، ثم قسموا خطته اصنافا، وافردوا لكل صنف وزيراً، فجعلوا لحساب المال وزيراً، وللترسيل ( البريد ) وزيراً،وللنظر في حوائج المتظلمين وزيراً، وللنظر في احوال اهل الثغور وزيرا، وجعل لهم بيتا يجلسون فيه على فرش منضدة لهم، وينفذون امر السلطان هناك كل له مكان جعل له، وافراد لتردد بينهم وبين الخليفة واحد منهم ارتفع عنهم بمباشرة السلطان في كل وقت، فارتفع مجلسه عن مجالسهم وخصوه باسم الحاجب، ولم يزل الشأن هذا الى اخر دولتهم، فارتفعت خطة الحاجب ومرتبته على سائر الرتب، حتى صار ملوك الطوائف ينتحلون لقبها، فأكثرهم يومئذ يسمى الحاجب)) .
ابن خلدون، المقدمة، ص(٢٣٩-٢٤٠) |
والحاجب في الاندلس لم يكن ذلك الرجل الذي يقف بباب الخليفة ليحجبه عن الخاصة والعامة، كما كان الحال في المشرق الاسلامي وإنما قصد به رئيس الوزراء. ولما ضعفت الخلافة الاموية في الاندلس، اخذ نفوذ الحاجب يقوى شيئا فشيئا حتى استبد بكل امور الدولة، وصار اختصاصه يشمل الشؤون المدنية والعسكرية.
ومن أشهر من تولى منصب الحجابة الحاجب المنصور بن أبي عامر، الذي أسس الدولة العامرية في الأندلس، وفي عهده أخذت الحجابة منحى آخر. ولمعرفة المزيد تأمل النص الآتي:
تسمى ابن أبي عامر المنصور، ودعي له على المنابر استيفاء لرسوم الملوك، فكانت الكتب تنفذ عنه، واخذ الوزراء بتقبيل يده،........ فساوى محمد بن ابي عامر الخليفة في المراتب، ولم يجعل فرقا بينهم وبين الخليفة الا في الاسم.
ابن عذاري، البيان المغرب، ج٢، ص(٧١٤) |
ثالثا: القضاء في الأندلس
احتل القضاء في الأندلس اهمية كبيرة من قبل الخلفاء، فقد تطور القضاء في الاندلس، فعين الخليفة منصب قاضي الجماعة وهو بمثابة قاضي القضاة، ويقوم بالأشراف على القضاة في البلاد، ويقيم في العاصمة قرطبة ، وكان يختار منصب قاضي الجماعة من بين قضاة الاقليم المشهود لهم بالتفوق بالقضاء، وعلو العلم وقوة الحزم، ومن مهام قاضي الجماعة تنفيذ الاشراف على موارد الاحباس (الاوقاف) وسجلات الفتوى، ويوم المصلين في ايام الجمع والاعياد خصوصا في المساجد الكبرى في قرطبة او الزهراء .
وكان يشترط في تعيين القاضي ان يكون فقيها على مذهب الامام مالك بن انس وهو المذهب الذي انتشر في الاندلس، ويشترط ان يكون مشهودا له بالنزاهة والاستقامة، وان يتقن اللغة الاسبانية خاصة في بداية عهد الدولة الاموية.
ومن سياسة التسامح الديني التي مارسها المسلمون في الاندلس سماحهم ببقاء النظام القضائي بأيدي المسيحيين انفسهم لإدارة شؤونهم الخاصة، واطلق على متولي القضاء لديهم اسم قومس، والى جانب القاضي في الاندلس كان يوجد صاحب الشرطة الذي ينظر ويفصل الجرائم السياسية والمدنية وكل ما يتعلق بحفظ الامن في البلاد وهو بمثابة قاض للجنايات التي لا تدخل مهامه ضمن اختصاص القاضي.
رابعا: التقسيم الاداري في الاندلس
استفاد عرب الاندلس من النظام الاداري الذي وجدوه في الاندلس عشية الفتح الاسلامي، وادخلوا عليه بعض التعديلات التي تتلائم وطبيعة النظام الاداري الاسلامي في عصر الولاة ( ٩٥-١٣٨ه/٧١٣-٧٥٥م)، بحسب ما اقتبسوه من النظم الادارية في المشرق الاسلامي.
وقسمت الاندلس الى عدد من الولايات، وكانت مدينة قرطبة ذات الموقع المتوسط بين الساحل والداخل قاعدة الاندلس الاولى، ومن اشهر هذه الولايات، ولاية الاندلس (قرطبة واشبيلية)، وولاية طليطلة، وولاية ماردة، وولاية سرقسطة، وولاية اربونة.
ولمعرفة مواقع هذه الولايات تأمل الخريطة الاتية:
وكان وال هو مسؤول عن شؤون ولايته، ويتبع لكل ولاية مجموعة من المدن وهي الكور، وكل كورة يتبعها عدة اقاليم(قرة كبيرة).وكل اقليم يتبعه عدة اجزاء (ارياف).
وساعدت طبيعة البلاد الجبلية في عملية التقسيم الاداري، فحدود الاندلس الطبيعية تصلح لأن تكون حدودا سياسية يمكن ان تتحول الى حدود ادارية واضحة المعالم.
تأثر الأندلسيون بنمط التنظيم الاداري في المشرق، فاقتبسوا العديد من المصطلحات والنظم الإدارية الموجودة في المشرق الإسلامي، فعلى سبيل المثال مصطلح الكورة هو لفظ ظهر في مصر وبلاد الشام للدلالة على الاجزاء الادارية.